أحدثت زيارة النائب الأول لرئيس دولة جنوب السودان تعبان دينق، إلى الخرطوم، اختراقاً كبيراً في العلاقات بين البلدين، مع التوصل إلى اتفاقات عديدة بينهما خلال الزيارة التي استغرقت يومين، والتقى خلالها دينق الرئيس السوداني عمر البشير، ونائبه الأول بكري حسن صالح، إضافة إلى وزيري الدفاع والنفط، فضلاً عن مسؤولي الأمن في البلدين. وتضمنت أهم الاتفاقات حلحلة القضايا الأمنية العالقة بين البلدين وفتح الحدود خلال 21 يوماً من الآن، فضلاً عن الاتفاق على عدم جعل أي من الدولتين نقطة انطلاق للقوات المتمردة لزعزعة استقرارهما.
تعبان دينق الذي عُيّن حديثاً في منصب النائب الأول للرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت، بدلاً لزعيم المعارضة المسلحة رياك مشار، نجح في انتزاع التزام من البشير بإرسال مساعدات غذائية لجارته الجنوبية بشكل فوري ومن دون انتظار الاتفاق النهائي بشأن فتح المعابر، الأمر الذي يمثّل بداية تعاون بين الطرفين، ومن شأنه في حال تنفيذه تحسين صورة دينق في الداخل الجنوبي، فضلاً عن تعزيز الثقة مع سلفاكير ميارديت، ما يرى فيه مراقبون بمثابة دفعٍ من الخرطوم لتسهيل مهمة دينق في حسم القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية الاتهام الشمالي بإيواء جوبا الحركات المسلحة التي تقاتلها في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور.
ويرى محللون أن السبب الرئيسي الذي دفع الخرطوم للتراجع عن خطوتها بعدم استقبال تعبان دينق في وقت سابق عقب توليه منصبه، أنها سعت لاستثمار التطورات الجنوبية لمصلحتها، واللعب على رغبة دينق في منصب نائب الرئيس الجنوبي، فضلاً عن حاجة الحكومة في جوبا لدعم الخرطوم في تحقيق مكاسب حول قضية "الحركة الشعبية-قطاع الشمال" والحركات المسلحة، فضلاً عن حسم قضايا الترتيبات الأمنية والمناطق المتنازع عليها بين الطرفين خصوصاً أبيي والمناطق الحدودية الخمس، والتي فشل الطرفان في حلها طيلة الفترة الانتقالية وما تلاها من فترة عقب انفصال الجنوب وتشكيل دولته.
وتشهد العلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان تجاذباً منذ انفصال الجنوب وتشكيل دولته المستقلة في عام 2011، تطورت في سنوات ماضية إلى حرب قصيرة بين الطرفين في منطقة هجليج ساءت معها العلاقات بين الدولتين وأغلقت الحدود، فضلاً عن إغلاق آبار النفط ورفض الخرطوم تصدير البترول الجنوبي، إلى أن تراجع الطرفان عن الخطوات التصعيدية بعدها.
اقــرأ أيضاً
وقال دينق في مؤتمر صحافي في الخرطوم، إن بلاده عرضت على الرئيس السوداني التوسط مع الحركات المسلحة التي تقاتل الخرطوم في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وحثّها على الانخراط في عملية السلام، مشيراً إلى اتفاقه مع الخرطوم على عدم فتح البلدين حدودهما لتنطلق منها أي من الحركات المسلحة سواء الشمالية أو الجنوبية، مشدداً على أهمية استقرار الدولتين وأن تنعما بالسلام الشامل لكي يتم الاهتمام بقضايا المواطن. وأضاف: "من اليوم فصاعداً نؤكد أن أي حرب ضد السودان لن تنطلق عبر الجنوب ومن لم يحقق أي مكاسب عبر الحرب حتى أمس، فلن يحققها من الآن فصاعداً لأن زمن الحرب قد ولى"، متابعاً: "على تلك الحركات فضلاً عن المعارضة الجنوبية بزعامة رياك مشار ولام أكول، البحث عن دول أخرى غير السودان وجنوب السودان لإسقاط النظام بالقوة". وشدد دينق على أهمية ربط الدولتين عبر الطرق البرية والعمل معاً لرفاهية الشعبين واستقرار البلدين، باعتبار أن في ذلك استقراراً للمنطقة ككل وللقارة الأفريقية عموماً، معلناً انتهاء الحرب في الدولة الجنوبية واستقرارها، ولا سيما بعد خروج رياك مشار من الجنوب.
وجدد تعبان دينق تأكيد رفض جوبا قرار مجلس الأمن الدولي نشر قوة حماية من أربعة آلاف جندي في جنوب السودان، معتبراً أن القرار يمس سيادة الدولة، داعياً السودان حكومة وشعباً إلى العمل على مساندة الجنوب في رفض القرار، فضلاً عن التحرك نحو الدول التي وقفت خلف القرار، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وإقناعها بعدم جدوى الخطوة وتأثيرها السلبي على البلدين. وشدد على ضرورة منح جنوب السودان فترة انتقالية جديدة لحلحلة قضاياها من دون تدخّل دولي، قائلاً: "نحن ما زلنا دولة وليدة، وتلك المشاكل طبيعية بالنظر إلى الدول التي استقلّت لنحو خمسين عاماً وما زالت تعاني من المشاكل"، مضيفاً: "الآن بعد أن وجدت واشنطن مكاناً جديداً قلّلت من استهدافها الخرطوم"، ولكنه في الوقت نفسه عاد وأبدى استعداد حكومته لفتح باب التفاوض مع القوى الدولية بشأن القوة الأممية وفق مصالح حكومته وشعبه مشترطاً أن يتم النقاش داخل جوبا.
وشكّلت القضايا الاقتصادية حيزاً أساسياً في لقاءات النائب الأول للرئيس الجنوبي باعتبارها الهم الشاغل لجوبا، ولا سيما بعد الحصار الدولي الذي فُرض عليها بالإحجام عن مد يد العون للحكومة الجنوبية وتفاقم الوضع الاقتصادي الذي بدا على مشارف حصول مجاعة.
وكشف دينق عن مطالبات قدّمها للجانب السوداني تتضمن تقديم الدعم الفني لإعادة تشغيل حقول النفط في ولاية الوحدة الجنوبية، فضلاً عن حقلي نفط في ولاية أعالي النيل لمصلحة البلدين، إلى جانب استغلال ثروات الجنوب، مشدداً على أهمية أن تمد الخرطوم يد العون لجارتها جوبا. ونفى أي وجود للجيش الأوغندي في جوبا، مؤكداً أن وجوده محصور في ولاية غرب الاستوائية، حيث تلاحق كمبالا "جيش الرب" هناك.
ويعتقد مراقبون أن ما توصل إليه تعبان دينق في زيارته إلى الخرطوم من تفاهمات وإن مثّلت بعض الاختراقات، فإن تنفيذها على الأرض يصطدم بعقبات عديدة، بينها صعوبة حلحلة الملفات الأمنية العالقة، ولا سيما النزاع في أبيي والمناطق الحدودية الخمس، فضلاً عن قضية دعم وإيواء متمردي البلدين، بالنظر لعدم ثقة الطرفين ببعضهما لإحراق كافة أوراق الضغط.
ويرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن التقارب بين الخرطوم وجوبا في الظرف الحالي أملاه تغيير موازين القوى الداخلية في جنوب السودان، مع تحوّل التهديد على الأمن القومي الجنوبي من السودان إلى الحركات المسلحة، ولا سيما حركة مشار. ويلفت إلى إنه "في إطار تبدل الأولويات، أصبح الوصول لاتفاق مع الخرطوم عاملاً أساسياً لضمان الاستقرار وترجيح ميزان القوى لمصلحة الحكومة في جوبا، بالنظر لاتهامات جوبا بدعم الحركات المسلحة ضدها". ويعتبر أن هناك عقبات تقف أمام تنفيذ أي اتفاق يُبرم بين الدولتين، من بينها عدم ثقة الطرفين ببعضهما.
من جهته، يشير المحلل الجنوبي دينق دينق، إلى أن تطورات الأحداث في دولة جنوب السودان حفّزت الخرطوم للاستثمار لتحقيق مصالحها عبر اللعب بأوراق مختلفة، لافتاً إلى أن تحالفات الخرطوم تكتيكية الهدف منها تحقيق مكاسب. ويعتبر أنه "ما دام تعبان دينق سيحقق للخرطوم مصالحها وينجح في تقديم تنازلات لمصلحتها في ملف الخلافات بين الدولتين، فإن السودان سيغير من تكتيكاته وخريطة تحالفاته مع الإبقاء على ورقة ضغط للعودة إلى نقطة البداية من دون أن يخسر".
اقــرأ أيضاً
ويرى محللون أن السبب الرئيسي الذي دفع الخرطوم للتراجع عن خطوتها بعدم استقبال تعبان دينق في وقت سابق عقب توليه منصبه، أنها سعت لاستثمار التطورات الجنوبية لمصلحتها، واللعب على رغبة دينق في منصب نائب الرئيس الجنوبي، فضلاً عن حاجة الحكومة في جوبا لدعم الخرطوم في تحقيق مكاسب حول قضية "الحركة الشعبية-قطاع الشمال" والحركات المسلحة، فضلاً عن حسم قضايا الترتيبات الأمنية والمناطق المتنازع عليها بين الطرفين خصوصاً أبيي والمناطق الحدودية الخمس، والتي فشل الطرفان في حلها طيلة الفترة الانتقالية وما تلاها من فترة عقب انفصال الجنوب وتشكيل دولته.
وتشهد العلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان تجاذباً منذ انفصال الجنوب وتشكيل دولته المستقلة في عام 2011، تطورت في سنوات ماضية إلى حرب قصيرة بين الطرفين في منطقة هجليج ساءت معها العلاقات بين الدولتين وأغلقت الحدود، فضلاً عن إغلاق آبار النفط ورفض الخرطوم تصدير البترول الجنوبي، إلى أن تراجع الطرفان عن الخطوات التصعيدية بعدها.
وقال دينق في مؤتمر صحافي في الخرطوم، إن بلاده عرضت على الرئيس السوداني التوسط مع الحركات المسلحة التي تقاتل الخرطوم في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وحثّها على الانخراط في عملية السلام، مشيراً إلى اتفاقه مع الخرطوم على عدم فتح البلدين حدودهما لتنطلق منها أي من الحركات المسلحة سواء الشمالية أو الجنوبية، مشدداً على أهمية استقرار الدولتين وأن تنعما بالسلام الشامل لكي يتم الاهتمام بقضايا المواطن. وأضاف: "من اليوم فصاعداً نؤكد أن أي حرب ضد السودان لن تنطلق عبر الجنوب ومن لم يحقق أي مكاسب عبر الحرب حتى أمس، فلن يحققها من الآن فصاعداً لأن زمن الحرب قد ولى"، متابعاً: "على تلك الحركات فضلاً عن المعارضة الجنوبية بزعامة رياك مشار ولام أكول، البحث عن دول أخرى غير السودان وجنوب السودان لإسقاط النظام بالقوة". وشدد دينق على أهمية ربط الدولتين عبر الطرق البرية والعمل معاً لرفاهية الشعبين واستقرار البلدين، باعتبار أن في ذلك استقراراً للمنطقة ككل وللقارة الأفريقية عموماً، معلناً انتهاء الحرب في الدولة الجنوبية واستقرارها، ولا سيما بعد خروج رياك مشار من الجنوب.
وجدد تعبان دينق تأكيد رفض جوبا قرار مجلس الأمن الدولي نشر قوة حماية من أربعة آلاف جندي في جنوب السودان، معتبراً أن القرار يمس سيادة الدولة، داعياً السودان حكومة وشعباً إلى العمل على مساندة الجنوب في رفض القرار، فضلاً عن التحرك نحو الدول التي وقفت خلف القرار، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وإقناعها بعدم جدوى الخطوة وتأثيرها السلبي على البلدين. وشدد على ضرورة منح جنوب السودان فترة انتقالية جديدة لحلحلة قضاياها من دون تدخّل دولي، قائلاً: "نحن ما زلنا دولة وليدة، وتلك المشاكل طبيعية بالنظر إلى الدول التي استقلّت لنحو خمسين عاماً وما زالت تعاني من المشاكل"، مضيفاً: "الآن بعد أن وجدت واشنطن مكاناً جديداً قلّلت من استهدافها الخرطوم"، ولكنه في الوقت نفسه عاد وأبدى استعداد حكومته لفتح باب التفاوض مع القوى الدولية بشأن القوة الأممية وفق مصالح حكومته وشعبه مشترطاً أن يتم النقاش داخل جوبا.
وشكّلت القضايا الاقتصادية حيزاً أساسياً في لقاءات النائب الأول للرئيس الجنوبي باعتبارها الهم الشاغل لجوبا، ولا سيما بعد الحصار الدولي الذي فُرض عليها بالإحجام عن مد يد العون للحكومة الجنوبية وتفاقم الوضع الاقتصادي الذي بدا على مشارف حصول مجاعة.
وكشف دينق عن مطالبات قدّمها للجانب السوداني تتضمن تقديم الدعم الفني لإعادة تشغيل حقول النفط في ولاية الوحدة الجنوبية، فضلاً عن حقلي نفط في ولاية أعالي النيل لمصلحة البلدين، إلى جانب استغلال ثروات الجنوب، مشدداً على أهمية أن تمد الخرطوم يد العون لجارتها جوبا. ونفى أي وجود للجيش الأوغندي في جوبا، مؤكداً أن وجوده محصور في ولاية غرب الاستوائية، حيث تلاحق كمبالا "جيش الرب" هناك.
ويرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن التقارب بين الخرطوم وجوبا في الظرف الحالي أملاه تغيير موازين القوى الداخلية في جنوب السودان، مع تحوّل التهديد على الأمن القومي الجنوبي من السودان إلى الحركات المسلحة، ولا سيما حركة مشار. ويلفت إلى إنه "في إطار تبدل الأولويات، أصبح الوصول لاتفاق مع الخرطوم عاملاً أساسياً لضمان الاستقرار وترجيح ميزان القوى لمصلحة الحكومة في جوبا، بالنظر لاتهامات جوبا بدعم الحركات المسلحة ضدها". ويعتبر أن هناك عقبات تقف أمام تنفيذ أي اتفاق يُبرم بين الدولتين، من بينها عدم ثقة الطرفين ببعضهما.
من جهته، يشير المحلل الجنوبي دينق دينق، إلى أن تطورات الأحداث في دولة جنوب السودان حفّزت الخرطوم للاستثمار لتحقيق مصالحها عبر اللعب بأوراق مختلفة، لافتاً إلى أن تحالفات الخرطوم تكتيكية الهدف منها تحقيق مكاسب. ويعتبر أنه "ما دام تعبان دينق سيحقق للخرطوم مصالحها وينجح في تقديم تنازلات لمصلحتها في ملف الخلافات بين الدولتين، فإن السودان سيغير من تكتيكاته وخريطة تحالفاته مع الإبقاء على ورقة ضغط للعودة إلى نقطة البداية من دون أن يخسر".