وسط الاستخدام المكثف للدولار كـ "سلاح سياسي" من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نزاعاته التجارية العالمية، تشير إحصائيات إلى أن دولاً عدة بدأت تقلص حيازاتها من موجودات الدولار وكذلك من حصة الدولار كاحتياطي عالمي في أرصدتها الأجنبية التي تحتفظ بها في بنوكها المركزية.
وأظهرت بيانات وزارة الخزانة الأميركية الصادرة هذا الأسبوع، أن الصين بدأت بتقليص استثماراتها في سندات الخزانة الأميركية، كما سبق أن قلص كل من روسيا وتركيا من حيازاتهما في سندات الخزانة الأميركية.
وبحسب تقرير لبنك التسويات الدولية، فإن وضع "عملة الاحتياط العالمية"، يتطلب ثلاثة عوامل وهي، الأمن والاستقرار السياسي والسيولة.
وقد وفر الدولار هذه المتطلبات خلال الخمسين عاماً الماضية، لكن الآن ومع سياسة ترامب، التي تنحو تجاه استخدام الدولار كسلاح ضد كل دولة تخالفه الرأي، فإن دولاً عدة تبحث عن بدائل للدولار في التجارة وتقليل حصة الدولار في أرصدتها الأجنبية.
ويهيمن الدولار على نسبة 88% من التسويات التجارية ونسبة 80% من تجارة النفط والسلع الأولية.
ويرى بروفسور الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، باري ايشنغرين، أن الدولار ربما سيفقد حصة كبيرة من نصيبه في تسوية التجارة العالمية وكعملة احتياط، إذا تواصلت سياسة ترامب التجارية التي تستخدم الدولار في حظر الدول.
وتظهر بيانات وزارة الخزانة الأميركية، أن استثمارات الصين في السندات الأميركية بلغت في يوليو/تموز الماضي 1171 مليار دولار، وهو أدنى مستوى خلال الأشهر الستة الماضية، مقابل 1178.7 مليار دولار في يونيو/حزيران الماضي، أي أن بكين خفضت استثماراتها بنحو 7.7 مليارات دولار، فيما جاءت اليابان في المرتبة الثانية باستثمارات بلغت في يوليو/تموز 1035 مليار دولار، تليها في المرتبة الثالثة أيرلندا باستثمارات وصلت في نهاية الشهر نفسه إلى 300 مليار دولار.
ورغم توتر العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تبقى بكين أكبر مستثمر أجنبي في سندات الخزانة الأميركية، وتمثل حصة الصين منها 19%. ولكنها ربما تستخدم هذه السندات لاحقاً ضد واشنطن، إذا اشتدت وتيرة الحرب التجارية.
ويكفي أن تطرح الصين مائة مليار دولار لتهبط بجاذبية السندات الأميركية التي تعتمد عليها أميركا في تمويل الميزانية.
وقبل الصين، اتجهت روسيا وتركيا إلى خفض استثماراتها في السندات الأميركية، حيث قامت موسكو في الفترة ما بين إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين بالتخلص من هذه السندات، إذ قلصتها إلى مستوى متواضع عند 15 مليار دولار، بعد أن لامست مستوى الـ100 مليار دولار في مطلع العام الجاري.
وباتت روسيا بذلك أكبر بائع لهذه السندات بين الدول الأجنبية المالكة لها، وقررت موسكو التخلص من السندات بعد توتر علاقاتها مع واشنطن، التي فرضت عدة حزم من العقوبات على رجال أعمال وشركات روسية.
أما تركيا فقد خفضت استثماراتها في سندات الخزانة الأميركية خلال شهر يونيو/حزيران إلى 28.8 مليار دولار، بعدما كانت في مايو/أيار الماضي عند 32.6 مليار.
ومن جانبه، توقع بنك "غولدمان ساكس" ارتفاع حصة اليوان الصيني في الاحتياطي النقدي الأجنبي خلال الفترة المقبلة، على حساب الدولار والين الياباني.
وأوضح البنك الأميركي في تقرير بداية الشهر الجاري، ارتفاع الطلب على العملة الصينية مع تسارع التدفقات النقدية الوافدة إلى سوق الدخل الثابت في الصين خلال الأشهر الماضية، بالرغم من هبوط قيمة اليوان.
وأشار "غولدمان ساكس" إلى أن البنوك المركزية سوف تضخ 250 مليار دولار، من إجمالي تريليون دولار من صافي التدفقات النقدية الداخلة المتوقعة في سوق السندات الصينية، خلال السنوات الخمس المقبلة حتى عام 2022.
وحذر التقرير من إعادة توزيع عكسي (تدفقات نقدية خارجة)، من الأصول المقومة بالدولار والين الياباني.
يذكر أن الصين تسعى بشكل حثيث إلى فتح أسواقها المالية المحلية إلى المستثمرين الأجانب، في خطوة تستهدف استقرار سعر الصرف.
وتوقع المصرف الأميركي، ارتفاع حصة اليوان من الاحتياطات النقدية العالمية إلى ما يتراوح بين 3 إلى 4% بنهاية عام 2022. وفقد اليوان الصيني نحو 4.6% من قيمته أمام الدولار منذ بداية العام الحالي، مع ارتفاع حدة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.