واصل سعر الدولار قفزاته في السوق السوداء في مصر، لعدة أسباب، حسب محللين، منها نقص المعروض، وحلول سداد مستحقات على الدولة خلال هذه الفترة قد تؤثر سلباً على الاحتياطي النقدي الأجنبي، وارتفع سعر الورقة الخضراء في السوق السوداء خلال أسبوع نحو عشرة قروش ليصل إلى 7.7 جنيه، بينما استقر سعره رسمياً بالمصارف عند 7.15 جنيه للشراء، و7.18 جنيه للبيع.
وتبلغ المستحقات التي يجب أن تسددها مصر خلال الشهرين المقبلين 6.4 مليار دولار، منها 2.5 مليار دولار وديعة قطرية، ومليارا دولار قروض لشركات النفط، و1.2 مليار دولار سندات خزانة صدرت في عهد رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي، و700 مليون دولار فوائد ديون لنادي باريس.
وقال رئيس شعبة المستوردين في الغرفة التجارية، أحمد شيحة، لـ "العربي الجديد"، إن الدولار قفز سعره ليتراوح بين 7.68 و7.7 جنيه، مقارنة بنحو 7.6 جنيه بداية الأسبوع الماضي، موضحاً عدم وجود إجراءات احترازية كافية من قبل الحكومة في الوقت الحالي للسيطرة على ارتفاع الدولار.
وأكد شيحة أن سعر العملة في ارتفاع مستمر، رغم حملات المصرف المركزي على شركات الصرافة وغلق عدد منها.
وأضاف أن فشل الحكومة في وقف ارتفاع الدولار، انعكس على أسعار جميع السلع، مشيراً إلى أن الحصول على الدولار أصبح بالحجز، وأن معظم شركات الصرافة تعلن عدم توافره، ومن المتوقع أن يكسر حاجز ثمانية جنيهات قريباً إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن.
واتهم شيحة شركات الصرافة بتعطيش السوق من الدولارات، في ظل تراجع موارد النقد الأجنبي للدولة (السياحة، تحويلات العاملين في الخارج، التصدير)، وفي ظل الطلب المتزايد على الدولار لاستيراد السلع غير الاستراتيجية التي لا يوفر لها المركزي اعتمادات دولارية.
وأشار إلى أن هناك مافيا تقود ارتفاع الدولار في السوق السوداء، على رأسها عدد من شركات الصرافة وبعض محلات الذهب الذين أصبحوا أعمدة رئيسية في السيطرة على الدولار، لافتاً إلى أن هذه المافيا استغلت حاجة المستوردين وبدأت في تعطيش السوق ورفع السعر.
وأضاف أن أزمة الدولار ستؤدي إلى زيادة أسعار السلع بنسب كبيرة، موضحاً أن أكثر من 70% من إجمالي السلع الغذائية مستوردة من الخارج، ما يدفع كبار المستوردين الاعتماد على السوق السوداء في توفير الكميات المطلوبة من الدولار بأسعار أعلى من الأسعار الرسمية المعلنة بما يتراوح بين 17 أو 20%، ويتم تحميل فروق أسعار الصرف على سعر البيع النهائي للمنتجات، فيدفع المواطن ثمن تدهور الجنيه.
وقال شيحة إن شركات الصرافة قامت بتأجير شقق سكنية قريبة من الشركة، ليتم البيع فيها بعيداً عن الرقابة والتفتيش من المركزي ومباحث الأموال العامة، وأحياناً يتم الاتفاق على الكميات ويتم إرسالها مع مندوب بعد يومين أو أسبوع، على حسب الكمية المطلوبة.
وتواصل أسعار الدولار ارتفاعها رغم حملات المركزي وطرح العطاءات الدولارية، حسب مدير إحدى شركات الصرافة، رفض ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد"، والذي أكد أن شركات الصرافة ترفض بيع الدولار للعملاء غير المعروفين، لافتاً إلى أن حملات المراقبة لن تنجح في القضاء على السوق السوداء، لأن شركات الصرافة لديها حيل لتجنب قيود البنك المركزي.
وأوضح أنه لن يتم القضاء على السوق السوداء إلا بتحرير سعر العملة بشكل كامل، بحيث لا يوجد سعران للصرف في مصر، غير أنه أشار إلى أن هذا الإجراء ستكون له آثار سلبية على الاقتصاد، ولكنه في النهاية سيضبط سعر الصرف.
وقال مدير شركة صرافة بحي المهندسين في الجيزة، حمادة نور الدين، لـ "العربي الجديد"، إن حملات المركزي أغلقت 15 شركة صرافة في القاهرة والجيزة، لبيعها الدولار بأعلى من الأسعار الرسمية. وأضاف أن معظم شركات الصرافة الآن تمتنع عن بيع الدولار إلا للعملاء الثقات، المتعاملين مع الشركات منذ فترة طويلة.
وأشار نور الدين إلى أن رد باقي الوديعة القطرية خلال الأيام المقبلة سيعزز ارتفاع أسعار الدولار، مضيفاً أن نظام الأولويات الذي يتبعه المركزي في توفير الدولار لمستوردي السلع الأساسية والاستراتيجية فقط، أدى إلى زيادة الطلب على السوق السوداء.
وفي المقابل، نفى رئيس شعبة الصرافة في الاتحاد العام للغرف التجارية محمد الأبيض، الاتهامات الموجهة لشركات الصرافة، قائلاً: "تتعامل الشركات وفق الآليات التي وضعتها الحكومة، وتبيع وتشتري من المواطنين والمستوردين بما لا يخالف القانون".
وأوضح أن "عمل شركات الصرافة يخضع للجهات الرقابية، وبالتالي لن تخاطر بالتلاعب حتى لا يتم إغلاقها".
وقال الخبير الاقتصادي محمد عطا، في تصريحات سابقة، إن سعر الدولار مرشح للصعود، "طالما لم تتمكن الحكومة من زيادة موارد الدولة من العملة الأجنبية من السياحة والاستثمارات الأجنبية والصادرات".
وأكد أنه "إذا توقفت الدول الخليجية عن دعم مصر، ستضطر إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يتطلب تحريراً تاماً للعملة، وبالتالي ارتفاع أسعار الصرف مجدداً".
وتتخوف الحكومة من تعرض احتياطي النقد الأجنبي لضغوط شديدة حال سداد الالتزامات الخارجية منه، بعد أن سجل نحو 16.8 مليار دولار، وهو ما يغطي 3.4 شهر من واردات البلاد السلعية فقط، حسب بيانات المصرف المركزي.
ويقول محللون اقتصاديون إن الحكومة لا يمكنها سحب أي أموال من الاحتياطي النقدي، حيث إن غالبية مكوناته عبارة عن مساعدات خارجية.
وتلقّت مصر مساعدات من السعودية والإمارات والكويت تتجاوز 20 مليار دولار، حسب ما ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلا أن وزارة المالية أعلنت عن دخول نصفها فقط تقريباً في الموازنة، ولم تعلن الحكومة حتى الآن عن مصير باقي المنح والمساعدات (10 مليارات دولار)، إذ يلف الغموض كيفية التصرف في هذا المبلغ.
ورغم المساعدات، إلا أن وزير المالية هاني قدري دميان، ذكر في تصريحات صحافية مؤخراً، أن بلاده تعاني من فجوة تمويلية خلال العام المالي الجاري قيمتها 11 مليار دولار، وهي الاحتياجات المطلوبة لمواجهة عجز الموازنة وتمويل الاستثمارات المطلوبة.
وأبدى المحلل الاقتصادي، أحمد إبراهيم، مخاوفه من أن ارتفاع الدولار سيتسبب في زيادة أسعار السلع ومعدلات التضخم، وبالتالي تآكل ودائع المدخرين في المصارف، ما يكون له نتاج سلبية على الاقتصاد المصري.