سريعاً، أتت ردود الفعل على خطوة الرئيس عون من الساحة المحلية وأفرقاء المحور السياسي نفسه، من بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يختلف مع عون على ملف التعيينات الإدارية أيضاً، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، بذريعة أنّ رئيس الجمهورية يريد فرض أسماء القضاة التي يريدها، وإقصاء أخرى، ما يشير إلى تزايد الخلاف في هذا الملف الذي سيرتد سلباً أيضاً على علاقة الرئيس عون بالرئيس حسان دياب، بعد تسجيل استياء الأخير، إلى جانب امتعاض وزيرة العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى من طريقة التعاطي مع التعيينات.
وأتت هذه التطورات في ظلّ ترقّب الموقف الدولي الذي يعتبر أنّ استقلالية القضاء هي الممرّ الإلزامي لأي خطة إصلاحية - اقتصادية تعتزم الحكومة تنفيذها، وتسعى من خلالها لنيل المساعدات المالية التي يطلبها لبنان من صندوق النقد الدولي والجهات المانحة، علماً أنّ ملف التعيينات هو الامتحان الأصعب الذي على الحكومة أيضاً أن تخوضه لكسب ثقة الشارع اللبناني المنتفض لتحرير القضاء من قبضة الطبقة السياسية وتدخلاتها في قراراته، والذهاب بعيداً في كشف الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاسبة المسؤولين عن انهيار البلد اقتصادياً ونقدياً ومعيشياً، لكنّها تثبت حتى السّاعة أنها تكملة للمنظومة السياسية نفسها، القائمة على منطق المحاصصة والصفقات ومقايضة مواقع الدولة.
الموقف الأبرز عبّر عنه رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، حليف "حزب الله"، في تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، حيث أعلن مقاطعة جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد بعد ظهر غد، الأربعاء، في قصر بعبدا برئاسة عون، ويبحث فيها ملف التعيينات الإدارية، معلّلاً قراره بـ"إنّ هذه التعيينات هي صورة وقحة لمحاصصة المصالح الطائفية والمذهبية والشخصية، ولن نشارك في جلسة الغد، علماً أنّه عرض علينا أن نكون جزءاً منها فرفضنا انسجاماً مع موقفنا الرافض لتعيينات من دون معيار أو آلية". وكما بات معروفاً بشكل علني ومعترف به من فرنجية شخصياً أنّ تياره ممثل في حكومة تصرّ حتى الساعة على توصيف نفسها بالتكنوقراط والمستقلة عبر وزيرين، هما وزير الأشغال العامة ميشال نجار، ووزيرة العمل لميا يمّين دويهي.
وسبق هذه التغريدة استقبال رئيس "تيار المردة" في دارته في بنشعي (شمال لبنان)، اليوم الثلاثاء، موفد رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، مستشاره رامي الريس، وتناول البحث الأجواء العامة في البلاد، مع التشديد على تعزيز العلاقات واستمرار التواصل لما فيه من مصلحة البلد.
وقال الريس، لـ"العربي الجديد"، إنّ اللقاء يأتي في إطار الجولة التي بدأت على القيادات والمراجع السياسية والدينية، واستكمالاً لحركة الاتصالات تحت عنوان "تعزيز الاستقرار وتحصين الوضع الداخلي إزاء المخاطر التي تتزايد، وحماية السلم الأهلي والتشاور حول القضايا والملفات المطروحة وعرض وجهات النظر". وأشار الريس إلى أنّ عقد لقاء ثنائي بين فرنجية وجنبلاط ليس مطروحاً الآن، لكن لا شيء يمنع من حصوله قريباً، ولا سيما أن العلاقة بين الرجلين جيّدة ونسعى إلى تعزيزها في إطار "الحوار الوطني".
وكان جنبلاط قد زار الرئيس نبيه بري في مقرّه في عين التينة، الأحد، واستقبل بعدها الرئيس الحريري في دارته بكليمنصو ضمن جولة وضعت في خانة التمهيد لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة على وقع الاحتقان المذهبي والطائفي الذي شهدته العاصمة اللبنانية ليل السبت، في حين شدّدت قيادات "الثلاثي" على أنّ اللقاءات تندرج في إطار التباحث الوطني في ظلّ المستجدّات الأمنية الدقيقة والخطرة. وعن عدم توقيع الرئيس عون على التشكيلات القضائية، شدّد مستشار رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، في اتصال مع "العربي الجديد"، على أنّ هذه الخطوة "هي إشارة سلبية للسلطة القضائية المستقلة التي نأمل أن تقوم يوماً، لأن انطلاق عملية مكافحة الفساد يبدأ من قيام قضاء مستقلّ، وبدونه عبثاً نحاول".
بدوره، يرى رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري، في سلسلة "تغريدات على "تويتر"، أنّه "من التراجع عن قرار مجلس الوزراء بشأن معمل سلعاتا، إلى رد التشكيلات القضائية بعد أن وقع عليها رئيس الحكومة، إلى الحملة المريبة على الأمين العام لمجلس الوزراء ومحاولة الهيمنة على مجلس الخدمة المدنية، إلى التخبط المتمادي في الملفات الاقتصادية والمالية، إلى اعتبار التعيينات ملكاً حصرياً لجهة حزبية واحدة، وإلى اتخاذ الرئاسة الأولى متراساً للدفاع عن مطالب حزب العهد.. مسارٌ واحدٌ من السياسات العشوائية التي تقع تحت سقف خرق الدستور وتجاوز الصلاحيات وتقديم المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية".
وأشار الحريري تبعاً لذلك إلى أنّ "العهد القوي ينافس الرئيس القوي بسرعة الفشل والتخبّط وخرق الدستور، وإثارة العصبيات والجوع المزمن للإمساك بالتعيينات والمواقع الإدارية والمالية والاقتصادية".
وفي وقت تتخبّط فيه الطبقة السياسية بخلافات على الحصص والمواقع الإدارية والقضائية، سطّر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، اليوم الثلاثاء، استنابة قضائية إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يكلفها بموجبها إجراء الاستقصاءات والتحقيقات اللازمة توصلاً لمعرفة هوية جميع الأشخاص الذين أقدموا على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وقاموا بالاعتداء على القوى الأمنية والعسكرية، وألحقوا الأضرار بالممتلكات العامة والخاصة، سواء كانوا فاعلين أو مشاركين أو متدخلين، أو محرضين، وذلك في المناطق الآتية ضمن نطاق بيروت: "بربور، طريق الجديدة، الشياح وعين الرمانة"، و"بيان كل ما من شأنه إنارة التحقيق ومخابرتنا بالنتيجة"، وذلك في ما خصّ تظاهرة 6 يونيو/حزيران في ساحة الشهداء، وما رافقها من إشكال عند تقاطع عين الرمانة – الشياح في ضواحي العاصمة اللبنانية بين شبان من المنطقتين، هذا المكان الذي اندلعت منه الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية، ومن توتر أمني في بيروت بعد انتشار مقطع مصوّر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحتوي هتافات مسيئة لزوجة النبي السيدة عائشة أطلقها مناصرون لـ"حركة أمل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، و"حزب الله" خلال مواجهتهم التظاهرة.