لم يجد مصنعو الورق والدفاتر المدرسية في تونس، مخرجاً لنزاعهم مع المغرب، في ظل عدم بتّ منظمة التجارية العالمية بعد، في فرض الرباط رسوماً جمركية كبيرة على الورق التونسي، ما أدى إلى فشل موسم هذا العام، بعد أن هوت الصادرات إلى المملكة بنحو 90 في المائة، وفق مسؤولين تونسيين، بينما تتمسك الرباط بإجراءاتها التي تهدف إلى حماية أسواقها من الإغراق، وفق وصفها.
وبدأت الأزمة بفرض وزارة التجارة المغربية، في مايو/أيار 2018، رسماً يصل إلى 51 في المائة، لمدة أربعة أشهر فقط، قبل أن يتم مطلع العام الجاري تمديد الرسوم لخمس سنوات، وذلك بحسب قرار نشرته الجريدة الرسمية المغربية، في السابع من يناير/كانون الثاني الماضي.
ودعا القرار المغربي، تونس، إلى التقدم بطلب إلى منظمة التجارة العالمية، في فبراير/شباط الماضي، لفتح مشاورات مع المغرب، بشأن فرض هذه الرسوم على الورق والدفاتر المدرسية.
وقال معز الوكيل، عضو الغرفة النقابية للطباعة والورق في الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، لـ"العربي الجديد"، إن القطاع يمر بفترة صعبة، وإن أصحاب المصانع قاموا بتسريح مئات العمال، بعد الفشل في إيجاد تسوية بين السلطات الرسمية التونسية والمغربية.
وأضاف الوكيل أن القطاع خسر نحو 90 في المائة من الصادرات، بينما لا توجد أي بوادر لتجاوز الأزمة قريباً، مشيرا إلى أن المصنعين يسعون إلى ترميم خسائرهم والمحافظة على نشاط المصانع، بالبحث عن أسواق جديدة في أوروبا وأفريقيا، لكن هذا الأمر يحتاج إلى وقت.
ولفت إلى أن بلوغ 7 آلاف طن من صادرات الدفاتر والورق إلى السوق المغربية استغرق 20 عاماً من الجهد، معتبرا أن الأزمة الحالية تهدد القطاع بأسره.
وينتظر المصنّعون بتّ منظمة التجارة العالمية في شكوى تقدمت بها تونس قبل نحو ثمانية أشهر إلى منظمة التجارة العالمية ضد الرسوم الجمركية المغربية، على أمل أن يفتح لهم قرار من المنظمة عودة التصدير من جديد خلال المواسم المقبلة، بعد أن خسروا موسم العودة المدرسية الحالي.
واعتبرت تونس أن الخطوة المغربية تصرّف غير ملائم، بينما قالت الرباط لدى اتخاذ قرارها، في مارس/آذار من العام الماضي، إن الرسوم جاءت لحماية أسواقها من الإغراق، بعد إجراء تحقيق في شكوى تقدمت بها ثلاث شركات في المغرب.
وحسب تقارير رسمية، يحتل الكراس المدرسي والورق المرتبة الثالثة في تشكيلة الصادرات التونسية نحو المغرب، فيما تحتل التمور وكابلات السيارات المرتبتين الأولى والثانية على التوالي. وتصدّر تونس زهاء 7 آلاف طن من الورق المستخدم في صناعة الكراس إلى المغرب.
ويخشى المصنعون في تونس من أن تطاول القرارات المغربية منتجات أخرى، وسط مناخ تنافسي شرس بين البلدين، لا سيما أن كفة الميزان التجاري لمصلحة تونس بقيمة صادرات ناهزت 448 مليون دينار تونسي (186 مليون دولار) عام 2017، مقابل 291 مليون دينار (121 مليون دولار) من الواردات المغربية.
وتسيّر العمليات التجارية بين تونس والمغرب في إطار اتفاقية أغادير التي وقّعت عليها الدول الأعضاء، في يناير/كانون الثاني 2004، لإقامة منطقة للتبادل الحر في مرحلة أولى بين تونس ومصر والأردن والمغرب.
وفي 2005، أفضت الاتفاقية إلى اتفاق حول إعفاء كلي بالنسبة للسلع الصناعية (100 في المائة) بين هذه البلدان، إلى جانب الاتفاق على تحرير المنتجات الزراعية والغذائية طبقاً لبرنامج تنفيذي للاتفاقية، مع تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية لإقامة منطقة تجارة حرة عربية كبرى مع تحرير قطاع الخدمات، طبقاً لما ورد في الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات لمنظمة التجارة العالمية.
وكان مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة المغربية، قد قال، في مارس/آذار الماضي، إن قرار بلاده فرض رسوم إضافية على الدفاتر المدرسية القادمة من تونس، يتوافق مع قوانين منظمة التجارة العالمية، في مواجهة "عمليات إغراق" للسوق المحلية.
ويعني الإغراق أن تقوم شركة بتصدير منتج ما بسعر أقل من الذي يباع به في السوق المحلية، وتتيح القوانين للدولة المتضررة فرض رسوم مؤقتة لوقف هذا الإغراق لكي لا يتضرر اقتصادها.
ووفق السلطات المغربية، فإنها أجرت تحقيقاً في مكافحة الإغراق منذ مايو/أيار 2017، بشأن واردات الكراس والورق التونسي، أثبتت نتائجه أن لهذه الواردات تأثيراً سلبياً على القطاع بشكل عام، نتيجة لذلك، عانت صناعة الكتب الوطنية المغربية من تدهور عام لمؤشراتها الاقتصادية بين 2013 و2017.
لكن درة البرجي، المديرة العامة للتجارة الخارجية في وزارة التجارة التونسية، قالت لـ"العربي الجديد" إن "الملف الذي تقدمت به المغرب لمنظمة التجارة العالمية بشأن إغراق المصنعين التونسيين لسوقها يفتقد إلى الأدلة الكافية".
وأضافت البرجي أن وزارة التجارة متمسكة بمرافقة الصناعيين في كافة مراحل التقاضي لدى منظمة التجارة العالمية، من أجل إيجاد حل نهائي لهذا الإشكال ومنع تنفيذ القرار المغربي، الذي يتنافى مع اتفاقية أغادير، التي تمنح الصادرات التونسية امتيازات جمركية تسهل التبادل التجاري في المنطقة المغاربية.
وتابعت أن الملف التونسي يستند إلى أدلة قوية تعزز موقفه لدى منظمة التجارة، من بينها حدوث آثار سلبية بسبب فرض المغرب رسوما جمركية على المنتجات التونسية من الدفاتر المدرسية.
لكنها في المقابل عبرت عن مخاوفها من تواصل الأزمة إلى سنوات قادمة، بسبب طول إجراءات التقاضي والتحكيم في مثل هذه الملفات. مشيرة إلى أن قوانين منظمة التجارة العالمية تسمح بتمديد القرار الذي اتخذه المغرب بشأن التصدي لما اعتبرته إغراقا تونسيا لمدة 5 سنوات أخرى بصفة آلية، ما يعني إقصاءً تاما للمصنعين التونسيين من هذه السوق.
بدوره، قال بنيل مبارك، المسؤول في مجمع صناعي للورق والدفاتر المدرسية في تونس، إن "القطاع لم يخسر فقط سوقا مهمة (المغرب) بل أيضا قدرته على ضخ استثمارات جديدة وتوسعة المطابع، في ظل تطور كبير تشهده سوق الطباعة في العالم".
وأضاف مبارك لـ"العربي الجديد" أن كسب أسواق تصديرية جديدة يتطلب إمكانيات أكبر من أجل جلب أحدث التكنولوجيات في ميدان الطباعة، لافتا إلى أهمية تمسّك الصناعيين بكل سوق يكسبونها في ظل منافسة شرسة على أسواق الكراس التي تعد مواد حيوية.