04 نوفمبر 2024
الزعماء في محكى العالم
تنعقد، في سبتمبر من كل عام، اجتماعات سنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، يحضرها قادة الدول الأعضاء وزعماؤها. وتجسد تلك الاجتماعات حالة المنظمة الدولية، فهي "مكلمة" يتبادل خلالها قادة الدول وزعماؤها الخطب والكلمات. لا يقدمون فيها جديداً، فإما تأكيد لما هو قائم بالفعل، أو مزاعم وادعاءات يدرك العالم أنها كاذبة.
لكن هذا لا يعني أن تلك الاجتماعات السنوية غير ذات جدوى بالكلية، فهي من ناحية تسمح بلقاءات جانبية ومباحثات بين أطراف متعددة من دون صبغة رسمية، ولا اهتمام إعلامي قد يفسدها أو يمنع إجراءها أصلاً. وكثيراً ما أدت تلك اللقاءات إلى تذويب الجليد، وتسهيل تفاهمات بين الدول، سواء بشكل مباشر أو بواسطة أطراف ثالثة.
في الوقت نفسه، يستطيع قادة الدول توجيه رسائل سياسية، من خلال الكلمات التي يلقونها أمام العالم أجمع، تحت سقف المنظمة الدولية. وبدا ذلك واضحاً في رسائل مباشرة واتهامات متبادلة بين بعض القادة العرب، برعاية الإرهاب. وكان أكثر وضوحاً في كلمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيث هاجم صراحة وبالاسم إيران وكوريا الشمالية، قبل أن يرد إليه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بعض كلماته، ويقول إن الولايات المتحدة هي الدولة "المارقة".
صحيح أن استعراض قادة الدول مواقف بلادهم وانشغالاتها هو هدف أساسي لتلك الاجتماعات السنوية، إلا أن الحكمة وراء هذه الفضفضة الأممية أن تكون الجمعية العامة ساحة لتبادل الأفكار والمواقف، والتشاور حول سبل التنسيق والتفاهم بشأن مواجهة القضايا والتحديات، وحل المشكلات ذات الأولوية في المنظور الجماعي للدول الأعضاء. أي أن الهدف ليس مجرد تبادل الكلمات واستعراض المواقف. وإنما تحويل تلك المواقف إلى مادة للنقاش وترجمة الأفكار والاقتراحات إلى قراراتٍ وتحركاتٍ تنفيذية، تتبناها الدول، سواء داخل الجمعية العامة أو في مجلس الأمن. غير أن الاجتماعات السنوية للجمعية العامة، توقفت عند كونها مكلمة، وساحة للتراشق بين قادة الدول وزعمائها. بينما تجري التحركات والتنسيقات طول الوقت خارج أروقة المنظمة الدولية، وفق موازين القوى وحسابات المصالح. ولا تنطلق بالضرورة من المبادئ المثالية التي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة، وبالطبع لا تلتزم بمواثيقها أو تتبع آلياتها.
في حالاتٍ كثيرة، تكشف اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عورات الزعماء، خصوصا في مجال الخطابة والقدرة على إلقاء الكلمات في المحافل العامة، سواء عند تلاوة الكلمات المكتوبة بالنسبة لبعضهم، أو عند الارتجال والخروج عن النص المكتوب بالنسبة لآخرين. وكثيراً ما يستغل القادة الاجتماعات في ممارسة هواية الخطابة والكلام أوقاتا طويلة، وصلت، في بعض الحالات، إلى أرقام قياسية. في عام 1960، ظل فيدل كاسترو يخطب أربع ساعات ونصف الساعة. وبعده بسنوات، عام 2009، استغرقت كلمة معمر القذافي ساعة ونصف الساعة.
لكن بشكل عام، تأتي الخطب الطويلة دائماً من الرؤساء الأميركيين، ربما لأهمية الولايات المتحدة دولة عظمى لديها قائمة طويلة من الاهتمامات والقضايا. وعلى الرغم من أن تعليمات المنظمين التي تقضي بألا تزيد الكلمة عن 15 دقيقة، إلا أن كلمات أوباما كانت تتجاوز دائماً 40 دقيقة، وهو تقريباً زمن كلمة ترامب في أول مرة له أمام الأمم المتحدة.
وحدث كثيراً أن شهدت قاعة الجمعية العامة مشاهد درامية سجلها التاريخ، فلا أحد ينسى أن رئيساً رفع الحذاء في وجه العالم. عندما أراد، رئيس الاتحاد السوفياتي السابق، نيكيتا خروشوف، التعبير عن غضبه من انتقاداتٍ غربيةٍ لبلاده بالتدخل في شؤون دول شرق أوروبا. ثم بعدها بسنوات، عندما شارك ياسر عرفات للمرة الأولى في الاجتماعات، ورفض المنظمون أن يدخل إلى القاعة، قبل أن يتخلى عن مسدسه الذي كان لا يفارقه. تلك الوقائع الاستثنائية تكسر ملل وروتينية الاجتماعات المتشابهة، لكنها في الوقت نفسه تؤكد السمة الأساسية المميزة لتلك المناسبة المتكرّرة سنوياً، أنها مجرد مكلمة ومناسبة للفضفضة بين الأمم.
لكن هذا لا يعني أن تلك الاجتماعات السنوية غير ذات جدوى بالكلية، فهي من ناحية تسمح بلقاءات جانبية ومباحثات بين أطراف متعددة من دون صبغة رسمية، ولا اهتمام إعلامي قد يفسدها أو يمنع إجراءها أصلاً. وكثيراً ما أدت تلك اللقاءات إلى تذويب الجليد، وتسهيل تفاهمات بين الدول، سواء بشكل مباشر أو بواسطة أطراف ثالثة.
في الوقت نفسه، يستطيع قادة الدول توجيه رسائل سياسية، من خلال الكلمات التي يلقونها أمام العالم أجمع، تحت سقف المنظمة الدولية. وبدا ذلك واضحاً في رسائل مباشرة واتهامات متبادلة بين بعض القادة العرب، برعاية الإرهاب. وكان أكثر وضوحاً في كلمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيث هاجم صراحة وبالاسم إيران وكوريا الشمالية، قبل أن يرد إليه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بعض كلماته، ويقول إن الولايات المتحدة هي الدولة "المارقة".
صحيح أن استعراض قادة الدول مواقف بلادهم وانشغالاتها هو هدف أساسي لتلك الاجتماعات السنوية، إلا أن الحكمة وراء هذه الفضفضة الأممية أن تكون الجمعية العامة ساحة لتبادل الأفكار والمواقف، والتشاور حول سبل التنسيق والتفاهم بشأن مواجهة القضايا والتحديات، وحل المشكلات ذات الأولوية في المنظور الجماعي للدول الأعضاء. أي أن الهدف ليس مجرد تبادل الكلمات واستعراض المواقف. وإنما تحويل تلك المواقف إلى مادة للنقاش وترجمة الأفكار والاقتراحات إلى قراراتٍ وتحركاتٍ تنفيذية، تتبناها الدول، سواء داخل الجمعية العامة أو في مجلس الأمن. غير أن الاجتماعات السنوية للجمعية العامة، توقفت عند كونها مكلمة، وساحة للتراشق بين قادة الدول وزعمائها. بينما تجري التحركات والتنسيقات طول الوقت خارج أروقة المنظمة الدولية، وفق موازين القوى وحسابات المصالح. ولا تنطلق بالضرورة من المبادئ المثالية التي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة، وبالطبع لا تلتزم بمواثيقها أو تتبع آلياتها.
في حالاتٍ كثيرة، تكشف اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عورات الزعماء، خصوصا في مجال الخطابة والقدرة على إلقاء الكلمات في المحافل العامة، سواء عند تلاوة الكلمات المكتوبة بالنسبة لبعضهم، أو عند الارتجال والخروج عن النص المكتوب بالنسبة لآخرين. وكثيراً ما يستغل القادة الاجتماعات في ممارسة هواية الخطابة والكلام أوقاتا طويلة، وصلت، في بعض الحالات، إلى أرقام قياسية. في عام 1960، ظل فيدل كاسترو يخطب أربع ساعات ونصف الساعة. وبعده بسنوات، عام 2009، استغرقت كلمة معمر القذافي ساعة ونصف الساعة.
لكن بشكل عام، تأتي الخطب الطويلة دائماً من الرؤساء الأميركيين، ربما لأهمية الولايات المتحدة دولة عظمى لديها قائمة طويلة من الاهتمامات والقضايا. وعلى الرغم من أن تعليمات المنظمين التي تقضي بألا تزيد الكلمة عن 15 دقيقة، إلا أن كلمات أوباما كانت تتجاوز دائماً 40 دقيقة، وهو تقريباً زمن كلمة ترامب في أول مرة له أمام الأمم المتحدة.
وحدث كثيراً أن شهدت قاعة الجمعية العامة مشاهد درامية سجلها التاريخ، فلا أحد ينسى أن رئيساً رفع الحذاء في وجه العالم. عندما أراد، رئيس الاتحاد السوفياتي السابق، نيكيتا خروشوف، التعبير عن غضبه من انتقاداتٍ غربيةٍ لبلاده بالتدخل في شؤون دول شرق أوروبا. ثم بعدها بسنوات، عندما شارك ياسر عرفات للمرة الأولى في الاجتماعات، ورفض المنظمون أن يدخل إلى القاعة، قبل أن يتخلى عن مسدسه الذي كان لا يفارقه. تلك الوقائع الاستثنائية تكسر ملل وروتينية الاجتماعات المتشابهة، لكنها في الوقت نفسه تؤكد السمة الأساسية المميزة لتلك المناسبة المتكرّرة سنوياً، أنها مجرد مكلمة ومناسبة للفضفضة بين الأمم.