الزمن الذي توقّف عند العاشرة، وعند الفقر واللّجوء.. يشير إلى انقطاعاتٍ عديدةٍ في زمنٍ عربيٍّ لم تتغيّر فيه إلا أسماء اللصوص والمرتزقة والخونة، ولم تزددْ فيه إلا انحرافات الثورة ووقاحة دعاة "كامب ديفيد"، بينما ظلّ الفقراء فقراء يتطلّعون إلى غدهم عبر حبرٍ أسود هو الأكثر بلاغة في التعبير عن واقعهم، وذلك من خلال ألبوم قاسٍ بطلُه فتى حافٍ، ممزّق الثياب، يدير قفاه للعالم.. ذلك هو زمننا الذي رسمه ناجي العلي ومضى.
لكنّ حنظلة الذي فقد زمنه، وتوقّف أيضاً عن إطلالاته علينا، بعد رحيل أبيه وصانعه، استطاع أن يغادر ألبومات الحبر الأسود ليذهب، كما هو، حافيّاً مُديراً ظهره، إلى مكانه اللائق في الرمز والأسطورة، لينافس الرموز الوطنية والدينية. انتقل الفتى من الورق والأحْبَار إلى الجدران رسماً، وأذرع الشّباب وشماً، وأعناق الصبايا قلائدَ. صحيحٌ أنّه فقد زمانه لأنّه -بالأساس- فقد مكانه، لكنّ الأمكنة اتسعت له ولفكرته ولمعناه، ليؤكّد أنّ فلسطين ستكبر، وأنّ الفلسطينيّ لن يبقى فلسطينيّاً فحسب، بل عليه أن يصير عربيّاً، كما كان على العربي أن يكون فلسطينياً، في اجتراح استثنائيّ جعل الهوية موشوراً.
بدأ حنظلة ولم ينته، سنواته العشر صارت زمناً عربيّاً. فقره ولجوءه تعانقا مع كلّ الآلام فصارا فقراً ولجوءاً أمميّين.
توقّف زمن حنظلة قبل رحيل ناجي، رسمهُ جامداً ثابتاً ما لم يحقّ الحق. ولأننا لا نزال في لحظة البدء والتأسيس صار عليه مواصلة تأمّل الزمن، أو الوقوف للشماتة به، أو رفضه الكامل والكليّ، بذلك الوجه الذي لا يبين، لنمنح وجوهنا الفرصة في أن تحلّ محله، في أن تواصل مهمته؛ مهمّة الشاهد الرافض، حتى يحين زمننا.