أقرّت وزارة العدل السعودية بالتأخير الحاصل في المحاكم من جديد، مؤكدة على أن نسبة الإنجاز في محكمة الأحوال الشخصية لم تتعدّ 20 في المائة في عام 2015. وهو الأمر الذي تسبّب بتضرر آلاف الأسر وكذلك النساء المطلقات اللاتي تأخّر النظر في قضايا النفقة الخاصة بهنّ لأشهر عدّة.
لم يصمد النظام الذي كانت وزارة العدل قد أطلقته في مطلع العام المنصرم، والذي يقضي بتسريع النظر في القضايا الأسرية. وسرعان ما دخلت المحاكم الأسرية التي أنشئت في منتصف عام 2014 في دوامة العمل اليومي، وأجبرت القضايا التي زادت عن 58 ألف قضية في العام الماضي، القضاة على التأخير. وهو ما يرهق النساء خلال مطاردتهنّ المعاملات الخاصة بقضايا العنف والطلاق والخلع والحضانة والإرث، في المحاكم. هنّ يضطررن إلى الانتظار طويلاً قبل الحصول على حقوقهن التي كفلها لهنّ الشرع والقانون.
تؤكد الناشطة الحقوقية الدكتورة منى الرسي على أن "لا شيء يبرر التأخير الكبير في النظر في القضايا الأسرية، وخصوصاً أنّ القانون حدّد أسبوعين كحدّ أقصى للنظر فيها، وقد صُنّفت قضايا مستعجلة". تضيف لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ سنوات طويلة، تعاني المرأة في أروقة المحاكم من مُعوّقات عدّة. تفاءلنا عند إصدار الأنظمة الجديدة التي قلّصت فترة التقاضي، إلا أنّ الأمر لم يدم طويلاً، فكثرة القضايا أجبرت القضاة على التأخير. في نهاية المطاف، العدد محدود والقضايا أكثر من المتوقع بكثير".
وتشدد الرسي على أن "المرأة السعودية تتحمّل أعباءً إضافية إلى معاناتها الأصلية. ولا يعرف مدى ولا عمق تلك المعاناة النفسية التي تخبرها، إلا من عاش التجربة نفسها". وتشرح أن "المرأة السعودية تعاني منذ اللحظة الأولى التي تطأ قدماها المحكمة وحتى تنهي قضيتها. لا أحد يساعدها، حتى القضاة يتعنتون ضدها، ولا تجد من يراعي أو يفكر في احتياجاتها هي وأولادها. للأسف، لا تجد من يقدّر وضعها، وتضطر إلى تحمّل المعاناة طوال أشهر ترددها على المحاكم".
وقد حاول وزير العدل وليد الصمعاني، الذي هو أيضاً رئيس المجلس الأعلى للقضاء، معالجة الأمر من خلال تشكيل لجنة وزارية لدراسة المعوّقات التي تتعرض لها المرأة في المحاكم منذ فترة. وكان أبرز ما صدر عن تلك اللجنة، تجهيز مداخل وأماكن جلوس ومصاعد مخصصة لهن. وتشير الرسي هنا إلى أن "اللجنة لن تتطرق إلى المعاناة الحقيقية للمرأة في المحاكم. هي ليست مجرّد مدخل ومصعد، لذا لا بدّ من تشكيل لجنة من نساء قانونيات وحقوقيات لرصد المعاناة الحقيقية".
وتكثر القصص المأساوية في المحاكم. لا تبدأ من قضيّة مدرّسة قضت 14 عاماً من حياتها وهي تطالب بالخلع من زوجها، ولا تنتهي عند قضية امرأة في القصيم حرمها القاضي من أولادها من دون سند قانوني فيما منح زوجها، مدمن المخدرات، الوصاية عليهم.
وتوضح المحامية نوال سندي أن "التأخير الطويل في إجراءات التقاضي، تقود إلى كثير من المشاكل. النساء يضطررن إلى مطاردة معاملاتهن لأشهر، مع أن تفاؤلاً كان قد سجّل عند إقرار المحاكم الأسرية بخفض مدّة النظر في القضايا. لكن هذا لم يحدث". وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "المماطلة في قضايا العنف والطلاق والخلع والحضانة والإرث تتسبب في استنزاف النساء، لدرجة تصل إلى حدّ الابتزاز في بعض الحالات للتنازل عن بعض من حقوقهن. وذلك لأن طول الانتظار يقود إلى مشاكل كبيرة، أهمها أن المرأة لا تجد، طوال الوقت الذي تلاحق فيه قضيتها، من ينفق عليها وعلى أولادها".
إلى ذلك، تتحدّث سندي عن "تحسّن في الأحكام. لكن المشكلة تكمن في فترة التقاضي الطويلة وبسبب تفاوت الحكم من قاضٍ إلى آخر، لدرجة تجبر بعض النساء على القبول بالقليل والرضى بالظلم". تضيف: "كل ما تحتاجه المرأة هو قاض يبتّ في قضيتها ويقرّب مواعيد جلساتها من دون أن يتجاوز الأشهر الستة. كذلك، فإن كثيرات منهن يعانين من عدم احترام الخصم مواعيد جلسات المحكمة. وهو لا يُستدعى بالقوة الجبرية، إلا بعد أن يتخلّف عن حضور جلسات عدّة. وطوال هذه الفترة، تضطر المرأة إلى التسوّل لكي تنفق على نفسها وأولادها".
وتؤكد سندي على أن "من أبرز أسباب معاناة المرأة أنها لا تجد محامياً يوافق على الترافع عنها لضعف المردود المالي، وحجم الإرهاق الكبير الذي يستنزفه هذا النوع من القضايا". وتتابع أن "ثمة نظرة سلبية لدى القضاة للمحامين بشكل عام، خصوصاً لدى من يعمل لكسب قضية خلع أو طلاق أو ولاية، مع أن هذا لا يتفق مع الشرع والقانون".
اقرأ أيضاً: مطاعم النساء في السعودية .. نكهة تحرر