04 نوفمبر 2024
السعودية.. سياسة الترفيه واستراتيجية الإلهاء
أمجد أحمد جبريل
باحث فلسطينيّ مُتخصِّص في الشؤون العربية والإقليمية، له كتاب عن "السياسة السعودية تجاه فلسطين والعراق"، صادر عن مركز "الجزيرة" للدراسات، وعدد من الدراسات المحكمة المنشورة في الدوريات العلمية.
بعد مرور أربعة أشهر على جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لا تزال الرياض على "نهجها القديم"؛ إذ تحاول إقناع دول العالم بأنها "تتغير"، تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، في اتجاه التصنيع/ التحديث، وجذب الاستثمارات الخارجية، وحل مشكلاتها المزمنة من مكافحة الفساد المستشري، وصولاً إلى توفير فرص العمل للشباب العاطل، مع توجّه الدولة نحو الانفتاح والاعتدال والتسامح والوسطية، على الصعيدين، الثقافي والديني.
في إطار هذا النهج الذي يرمي في جوهره إلى الالتفاف على الإصلاح السياسي، وإعادة إنتاج التسلطية، ضمن مملكة آل سلمان أو "الدولة السعودية الرابعة"، تتحرّك الرياض على مستويين؛ أحدهما خارجي؛ إذ يجري استغلال المناسبات الدولية (جديدها تصريحات رجال المال والاقتصاد في منتدى دافوس العالمي في يناير/كانون الثاني الماضي)، من أجل طيّ قضية خاشقجي نهائياً، تحسباً من احتمالات تدويلها تدريجياً، في ظل انشغال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأزماته وصراعاته الداخلية المتصاعدة، ما يحد من قدرته على الاستمرار في الدفاع عن بن سلمان.
في هذا السياق، تعيد الرياض رسم صورتها الخارجية عبر ثلاث أدوات متكاملة؛ أولاها إغراء المستثمرين في العالم بالفرص الاستثمارية الموجودة في "السعودية الجديدة". وثانيتها تقديم "الفن السعودي وابتعاث المواهب الوطنية"، لتقديم العروض في أنحاء العالم. وثالثتها تكليف شركات/ وكالات علاقات عامة، وكتاب صحافيين وباحثين غربيين، بترويج صورة السعودية وتحسينها في دول الغرب، خصوصاً قبل جولات بن سلمان الخارجية وفي أثنائها.
أما المستوى الآخر في حركة السعودية فهو داخلي؛ إذ يجري التركيز على جدية محمد بن سلمان في مكافحة الفساد، واستمراره في تنفيذ "رؤية 2030" على الصعيدين الثقافي/ الترفيهي، والاقتصادي/ التصنيعي. وقد جرى أخيرا اتخاذ ثلاث خطوات مترابطة في هذا المستوى: الإعلان عن السياسة الجديدة للهيئة العامة للترفيه، وإطلاق "برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجيستية"، وعن انتهاء عمل "اللجنة العليا لقضايا الفساد العام".
وبعيداً عن الصورة الإعلامية التي يجري ترويجها للسعودية "الجديدة" في عام 2019، والتي يتوقع أن تتواصل بهدف تجاوز الأزمات الداخلية والخارجية، التي تشابكت بصورة غير
مسبوقة بعد جريمة اغتيال خاشقجي، فقد أعاد هذا الحدث تسليط الضوء بكثافة على سياسات الرياض الداخلية والخارجية، ولا سيما نتائج الحرب السعودية - الإماراتية على اليمن، وكذلك تفاقم سياسة اعتقال الدعاة والمفكرين والناشطين الحقوقيين والنسويات السعوديات وجميع معارضي سياسات بن سلمان من الأمراء ورجال الأعمال. وفي هذا السياق، ثمة ثلاث ملاحظات:
سياسياً، تتسم أغلب الخطوات السعودية بدرجة عالية من "شخصنة" القرار، واختزاله في بن سلمان وقليل من رجاله الثقات، مع الحرص على إظهار تأييد الملك لهذه الخطوات. وليس مصادفة التزامن بين تصاعد الأزمات والتغيير الوزاري، أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبين نشوء لجان وانفراطها بشأن قضايا محدّدة تتعلق بمكافحة الفساد، أو إعادة هيكلة بعض أجهزة الدولة؛ فالرابط بينها إعادة تركيز السلطة في يد ولي العهد.
اقتصادياً، ليس واضحاً أن ثمّة "تغيراً كبيراً" في التوجه الاقتصادي للدولة، وانكشافها المتزايد على مسألة انخفاض أسعار النفط، على الرغم مما تبشّر به "رؤية 2030"، فلا تزال هناك إخفاقات اقتصادية تعيد التذكير بالمشكلات التي كانت تواجهها الخطط الخمسية في السعودية منذ منتصف السبعينيات، علماً أن نهج "النيوليبرالية" قد لا ينقذ الاقتصاد، لكنه سيخلف آثاراً اجتماعية وغضباً كامناً قد ينفجر مع تراكم الضغوط.
ثقافياً/ مفاهيمياً، تتقدّم سردية "الدولة السعودية الرابعة" باضطراد، مع تكرار مصطلح احترام "الخصوصية السعودية" في برامج الترفيه.
وقد لا تجدي سياسة الإلهاء التي يتبعها محمد بن سلمان نفعاً في المديين، المتوسط والبعيد؛ فمن المتوقع فشل مشروعه التحديثي/ التسلطي، وتفاقم الأزمات الداخلية والخارجية، بسبب نمط الاستبداد الكامن في المشروع، وتجاهل مراكز القوة التقليدية في السعودية (الأسرة الحاكمة، المؤسسة الدينية، القبائل والعشائر الرئيسة، ومجتمع التجار والمال والأعمال)، خصوصاً أنه يصعب بناء علاقةٍ جديدة بين الدولة وشعبها، عبر مشروع سريع وصدامي.
باختصار، لا يمكن تغيير نمط السعودية التقليدي/ المحافظ، عبر سياسات نيوليبرالية/ استهلاكية تتصادم مع موروث الدولة وتقاليد مجتمعها.
في هذا السياق، تعيد الرياض رسم صورتها الخارجية عبر ثلاث أدوات متكاملة؛ أولاها إغراء المستثمرين في العالم بالفرص الاستثمارية الموجودة في "السعودية الجديدة". وثانيتها تقديم "الفن السعودي وابتعاث المواهب الوطنية"، لتقديم العروض في أنحاء العالم. وثالثتها تكليف شركات/ وكالات علاقات عامة، وكتاب صحافيين وباحثين غربيين، بترويج صورة السعودية وتحسينها في دول الغرب، خصوصاً قبل جولات بن سلمان الخارجية وفي أثنائها.
أما المستوى الآخر في حركة السعودية فهو داخلي؛ إذ يجري التركيز على جدية محمد بن سلمان في مكافحة الفساد، واستمراره في تنفيذ "رؤية 2030" على الصعيدين الثقافي/ الترفيهي، والاقتصادي/ التصنيعي. وقد جرى أخيرا اتخاذ ثلاث خطوات مترابطة في هذا المستوى: الإعلان عن السياسة الجديدة للهيئة العامة للترفيه، وإطلاق "برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجيستية"، وعن انتهاء عمل "اللجنة العليا لقضايا الفساد العام".
وبعيداً عن الصورة الإعلامية التي يجري ترويجها للسعودية "الجديدة" في عام 2019، والتي يتوقع أن تتواصل بهدف تجاوز الأزمات الداخلية والخارجية، التي تشابكت بصورة غير
سياسياً، تتسم أغلب الخطوات السعودية بدرجة عالية من "شخصنة" القرار، واختزاله في بن سلمان وقليل من رجاله الثقات، مع الحرص على إظهار تأييد الملك لهذه الخطوات. وليس مصادفة التزامن بين تصاعد الأزمات والتغيير الوزاري، أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبين نشوء لجان وانفراطها بشأن قضايا محدّدة تتعلق بمكافحة الفساد، أو إعادة هيكلة بعض أجهزة الدولة؛ فالرابط بينها إعادة تركيز السلطة في يد ولي العهد.
اقتصادياً، ليس واضحاً أن ثمّة "تغيراً كبيراً" في التوجه الاقتصادي للدولة، وانكشافها المتزايد على مسألة انخفاض أسعار النفط، على الرغم مما تبشّر به "رؤية 2030"، فلا تزال هناك إخفاقات اقتصادية تعيد التذكير بالمشكلات التي كانت تواجهها الخطط الخمسية في السعودية منذ منتصف السبعينيات، علماً أن نهج "النيوليبرالية" قد لا ينقذ الاقتصاد، لكنه سيخلف آثاراً اجتماعية وغضباً كامناً قد ينفجر مع تراكم الضغوط.
ثقافياً/ مفاهيمياً، تتقدّم سردية "الدولة السعودية الرابعة" باضطراد، مع تكرار مصطلح احترام "الخصوصية السعودية" في برامج الترفيه.
وقد لا تجدي سياسة الإلهاء التي يتبعها محمد بن سلمان نفعاً في المديين، المتوسط والبعيد؛ فمن المتوقع فشل مشروعه التحديثي/ التسلطي، وتفاقم الأزمات الداخلية والخارجية، بسبب نمط الاستبداد الكامن في المشروع، وتجاهل مراكز القوة التقليدية في السعودية (الأسرة الحاكمة، المؤسسة الدينية، القبائل والعشائر الرئيسة، ومجتمع التجار والمال والأعمال)، خصوصاً أنه يصعب بناء علاقةٍ جديدة بين الدولة وشعبها، عبر مشروع سريع وصدامي.
باختصار، لا يمكن تغيير نمط السعودية التقليدي/ المحافظ، عبر سياسات نيوليبرالية/ استهلاكية تتصادم مع موروث الدولة وتقاليد مجتمعها.
دلالات
أمجد أحمد جبريل
باحث فلسطينيّ مُتخصِّص في الشؤون العربية والإقليمية، له كتاب عن "السياسة السعودية تجاه فلسطين والعراق"، صادر عن مركز "الجزيرة" للدراسات، وعدد من الدراسات المحكمة المنشورة في الدوريات العلمية.
أمجد أحمد جبريل
مقالات أخرى
31 أكتوبر 2024
29 سبتمبر 2024
13 سبتمبر 2024