27 أكتوبر 2024
السعودية و"الإخوان".. وفاق ثم شقاق ثمّ فراق
شنّ وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، هجوماً حاداً على مشروع "الصحوة". وتوعّد، في جلسة نقاشية على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، أصحاب الأفكار المتطرّفة بالتدمير، كما تعهّد بالقضاء على بقايا التطرّف، مؤكّداً رغبته في عيش بلاده حياة طبيعية تترجم مبادئ الدين السمح، بالرهان على ما وصفه بالإسلام المعتدل المُنفتح على الثقافات، والتعايش مع العالم والمساهمة في تنميته على حدّ قوله.
لا يمكن فصل تصريحات بن سلمان عن مشاهد أخرى سبقتها، كان أبرزها الحضور البارز لجماعة الإخوان المسلمين في الأزمة الخليجية، والخلاف الكبير بين دول الحصار وقطر تجاهها، والهجوم المتكرر لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عليها، كما لا يمكن فصلها عن مشهد حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات السعودية ضدّ شيوخ "الصحوة" منذ أكثر من شهر.
لهذه التصريحات أهميتها وخطورتها، وتستحقّ التوقّف بالتأمّل والتحليل لعدّة اعتبارات، أولها محورية الموقع ومركزية الدور الذي يلعبه محمد بن سلمان في النظام السعودي، وصعوده السريع داخله خلال الفترة الماضية، وسط تقارير غربية، تتحدّث عن اقتراب تنصيبه ملكا للسعودية في المدى القريب. وهو ما يجعلها تخرج عن نطاق التصريحات العادية، أو الملاسنة الكلامية، إلى درجة اعتبارها استراتيجية المرحلة المقبلة للنظام السعودي، فهي تُعدّ أعنف هجوم على الإطلاق من شخصية رسمية رفيعة من الأسرة الحاكمة في المملكة على جماعات الإسلام الحركي (يُعد تيار الصحوة أحد تجليّاته في السعودية، وهو مصطلح له دلالات خاصة في
الفضاء الديني السعودي، يعرفها جيداً دارسو الحركات الإسلامية) منذ الهجوم الحادّ للأمير الراحل، نايف بن عبد العزيز، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، حينما كان وزيراً للداخلية، على جماعة الإخوان المسلمين، عندما اتهمها بخيانة العهد، ونكران الجميل، بالعمل ضدّ مصلحة المملكة، عبر تجنيد الناس وإنشاء التيارات، وإفساد الأمّة، وأنها سبب المشكلات في العالميْن العربي والإسلامي. وقد مرّت علاقة المملكة بجماعة الإخوان المسلمين بمراحل عديدة، ظللتها مسحة درامية في بعض أطوارها، وتراوحت من التعاون إلى التحالف ثمّ الصدام.
تتعيّن الإشارة بداية إلى أنّ الصحوة، كما يذكر الباحث الفرنسي ستيفان لاكروا في كتابه "زمن الصحوة.. الحركات الإسلامية في السعودية"، حركة اجتماعية واسعة ظهرت في المجال الديني في المملكة السعودية في الستينيات والسبعينيات، مارست شكلاً عصرياً من النشاط الإسلامي، سرعان ما استطاعت التأثير في جيل من الشباب السعودي، اعتماداً على مؤسسات الدولة نفسها، ومثّلت العناصر المَنفيّة من جماعة الإخوان المسلمين التي نزحت إلى المملكة هرباً من القمع في بلادها (خاصة مصر وسورية) النواة الأساسية التي شكّلت الصحوة فكرياً ووجدانياً.
وذكر حسام تمّام أنّ العلاقة بين المملكة و"الإخوان" بدأت مع تأسيس الجماعة نفسها، وكانت وثيقة، حتى صارت المملكة الدولة الأكثر تعاطفاً ودعماً للجماعة، إلا أنّ هذا لم يمنع الملك عبد العزيز من أن يرفض بلطف طلب البنّا فتح فرع للجماعة عام 1946 بقوله: كلّنا إخوان ومسلمون.
وفي أعقاب الصدام المدوّي بين نظام يوليو 1952 وجماعة الإخوان المسلمين، بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في 1954، كانت السعودية الملجأ الأول والملاذ الآمن لعناصر الإخوان الفارّين من البطش الناصري، حيث فتحت أبوابها أمام القيادات والكوادر الإخوانية، بل ومنحت جنسيتها لعدد كبير من قادتها. ومع اشتداد وتيرة الصراع الذي شهدته المنطقة في الستينيات، الذي عُرف بالحرب الباردة العربية، بالتزامن مع حرب اليمن، بين معسكر النظم الجمهورية الثورية بقيادة عبد الناصر ومعسكر النظم الملكية المحافظة بقيادة السعودية، دخلت مرحلة العلاقات السعودية – الإخوانية مرحلة "الدعم المُتبادَل" الذي توثّق إلى مرتبة التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، إذ احتضنت المملكة عناصر "الإخوان" الهاربين من مصر الذين تولوا مهمّة الدعاية السوداء المناوئة للنظام الناصري، باعتباره نظاماً علمانياً يحارب الدين.
بلغت العلاقة، في السبعينيات، بين السعودية و"الإخوان" ذروتها، فقد ازداد التمدّد الإخواني في المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والتربوية في السعودية، فضلاً عن قيام رجال الأعمال من الإخوان بنشاط اقتصادي كبير، في سياق الطفرة الاقتصادية والتنموية الهائلة التي شهدتها المملكة، جرّاء الوفرة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط حينذاك. وكان أهمّ متغيّر طرأ في تلك الفترة ظهور حركة الصحوة التي نتجت عن التلاقح بين مدرستين فكريتين جمعتهما مساحة من التقاطعات، وإن اختلفتا في أخرى من التوازيات، هما الوهّابية والإخوانية، مع غلبة واضحة للسردية القطبية داخلها على النزعة البنّاوية، حيث زاوجت "الصحوة" بين التوجّه العقدي للوهّابية، القائم على محاربة البدع والمنكرات، والتوجّه السياسي للأيديولوجيا الإخوانية، الداعية إلى مواجهة التغريب، مع جنوح كبير لتبني السردية القطبية ذات النزعة الصراعية الصفرية مع العلمانية، وكل مظاهر "الجاهلية" في المجتمعات الإسلامية.
وقد لعب محمّد قطب (الشقيق الأصغر لسيّد قطب)، دوراً محورياً في تشكيل الأرضية التنظيرية للصحوة، حيث كان بمثابة المُنظِّر الأول والأساسي لها، والأبّ الروحي لكثيرين من رموزها، حتى لقّبه بعضهم "شيخ الصحوة". ووفقاً لستيفان لاكروا، كان أغلب رموز "الصحوة" من تلامذته، كما هو حال سفر الحوالي، ومحمد سعيد القحطاني، وعلي نفيع العلياني، أو ممّن تأثّروا بكتاباته، مثل السوري محمد سرور زيْن العابدين، وسلمان العودة، وناصر العمر.
وبمرور الوقت، تمدّد دور الصحوة لتصير الفاعل الرئيسي، وربّما الوحيد، في الفضاء الديني السعودي في السبعينيات، وكانت الإذاعة السعودية آنذاك تُفرد مساحات مطوّلة للحديث عن سيّد قطب، وكتابه "في ظلال القرآن"، بل إنّ الملك فيصل نفسه كان يقتبس نقولاً منه في خُطبه الرسمية.
كان الغزو العراقي للكويت 1990 نقطة التحوّل الكبرى في مسار العلاقات السعودية – الإخوانية، فعلى الرغم من موقف الجماعة الرسمي الرافض للغزو، إلا أنّ النقد الشديد الذي أبدته الجماعة (خصوصا موقف مشايخ الصحوة) للنظام السعودي، لاستقدامه قوات أجنبية لتحرير الكويت، والسماح بوجودها في الجزيرة العربية، ترك ندوباً بارزة في العلاقة بين الطرفين، تحوّلت، مع الوقت، إلى شقوق وشروخ كبيرة، جاءت آثارها بإفساح النظام السعودي المجال أمام الجامية أو المدخلية (أتباع ربيع بن هادي المُدخلي) للظهور في الفضاءين، الديني والإعلامي، والذين تفننّوا في أساليب الهجوم الحادّ على جماعة الإخوان المسلمين ورموزها، والطعن الشديد فيهم، وصولاً إلى التحريض عليهم، خصوصا سيّد قطب الذي يصل هجومهم عليه إلى الإسفاف والبذاءة، وازداد ظهور المدخلية ومساحة دورهم قبيل الغزو الأميركي
للعراق، إذ كانت تصريحات الأمير نايف ضد الإخوان المسلمين في عام 2002 بمثابة الضوء الأخضر لهم، للانطلاق والعمل بأقصى قوّة من جهة، بقدر ما كانت الضربة القاضية للعلاقات السعودية – الإخوانية من جهة أخرى.
اللافت هنا هو التحوّل الدرامي الذي تمثّله تصريحات محمد بن سلمان نقطة تاريخية مفصلية في علاقة المملكة بجماعات الإسلام الحركي، ولا سيّما جماعة الإخوان المسلمين، حيث مرّت هذه العلاقة بمراحل عديدة، وتأتي التصريحات الأخيرة لتكون بمثابة المشهد الختامي لها. وعقب تصريحات نايف في 2002، كتب الراحل حسام تمّام متسائلاً: هل دقّت ساعة الفراق؟ ويبدو الآن جلياً أنّ الفراق الذي كان مُحتملاً في الماضي أصبح الآن مؤكَّداً ونهائياً. والواضح تماماً أنّ الجيل الجديد من الأسرة الحاكمة في السعودية يسير في توجّهه الجديد تجاه الإسلاميين الحركيين، بدافع كبير من تأثير تحالفه الوثيق مع حكّام الإمارات، الذين ينتهجون نهجاً استئصالياً تجاه الإسلاميين، على اختلاف ألوانهم، بإعلان حرب لا هوادة فيها عليهم جميعاً. لكن المعضلة في كيفية نجاح النظام السعودي في التوفيق بين آثار توجّهه الجديد وارتداداته المتوقّعة، وبين الحفاظ على ثابت ومكوِّن أساسي قامت عليه الدولة السعودية منذ نشأتها، بتحالف السياسي مع الديني الذي جمع بين آل سعود وآل الشيخ القائم على تقاسم النفوذ، وإضفاء الشرعية الدينية على التوجّهات السياسية، والذي يُمثّل رافداً رئيسياً لشرعيتها في الداخل والخارج، فضلاً عمّا يستتبعه هذا من تفكيك منظومة دينية واجتماعية راسخة، ومتجذّرة عبر عقود طويلة من تاريخ الدولة الآل سعودية، ولا سيّما المكوّن الوهّابي/ السلفي الذي مثّلت السعودية الحاضنة الدينية والثقافية له طوال العقود الماضية، بل وسعت، بكل قوّة، لتصديره وترويجه بطول العالم الإسلامي وعرضه.
لا يمكن فصل تصريحات بن سلمان عن مشاهد أخرى سبقتها، كان أبرزها الحضور البارز لجماعة الإخوان المسلمين في الأزمة الخليجية، والخلاف الكبير بين دول الحصار وقطر تجاهها، والهجوم المتكرر لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عليها، كما لا يمكن فصلها عن مشهد حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات السعودية ضدّ شيوخ "الصحوة" منذ أكثر من شهر.
لهذه التصريحات أهميتها وخطورتها، وتستحقّ التوقّف بالتأمّل والتحليل لعدّة اعتبارات، أولها محورية الموقع ومركزية الدور الذي يلعبه محمد بن سلمان في النظام السعودي، وصعوده السريع داخله خلال الفترة الماضية، وسط تقارير غربية، تتحدّث عن اقتراب تنصيبه ملكا للسعودية في المدى القريب. وهو ما يجعلها تخرج عن نطاق التصريحات العادية، أو الملاسنة الكلامية، إلى درجة اعتبارها استراتيجية المرحلة المقبلة للنظام السعودي، فهي تُعدّ أعنف هجوم على الإطلاق من شخصية رسمية رفيعة من الأسرة الحاكمة في المملكة على جماعات الإسلام الحركي (يُعد تيار الصحوة أحد تجليّاته في السعودية، وهو مصطلح له دلالات خاصة في
تتعيّن الإشارة بداية إلى أنّ الصحوة، كما يذكر الباحث الفرنسي ستيفان لاكروا في كتابه "زمن الصحوة.. الحركات الإسلامية في السعودية"، حركة اجتماعية واسعة ظهرت في المجال الديني في المملكة السعودية في الستينيات والسبعينيات، مارست شكلاً عصرياً من النشاط الإسلامي، سرعان ما استطاعت التأثير في جيل من الشباب السعودي، اعتماداً على مؤسسات الدولة نفسها، ومثّلت العناصر المَنفيّة من جماعة الإخوان المسلمين التي نزحت إلى المملكة هرباً من القمع في بلادها (خاصة مصر وسورية) النواة الأساسية التي شكّلت الصحوة فكرياً ووجدانياً.
وذكر حسام تمّام أنّ العلاقة بين المملكة و"الإخوان" بدأت مع تأسيس الجماعة نفسها، وكانت وثيقة، حتى صارت المملكة الدولة الأكثر تعاطفاً ودعماً للجماعة، إلا أنّ هذا لم يمنع الملك عبد العزيز من أن يرفض بلطف طلب البنّا فتح فرع للجماعة عام 1946 بقوله: كلّنا إخوان ومسلمون.
وفي أعقاب الصدام المدوّي بين نظام يوليو 1952 وجماعة الإخوان المسلمين، بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في 1954، كانت السعودية الملجأ الأول والملاذ الآمن لعناصر الإخوان الفارّين من البطش الناصري، حيث فتحت أبوابها أمام القيادات والكوادر الإخوانية، بل ومنحت جنسيتها لعدد كبير من قادتها. ومع اشتداد وتيرة الصراع الذي شهدته المنطقة في الستينيات، الذي عُرف بالحرب الباردة العربية، بالتزامن مع حرب اليمن، بين معسكر النظم الجمهورية الثورية بقيادة عبد الناصر ومعسكر النظم الملكية المحافظة بقيادة السعودية، دخلت مرحلة العلاقات السعودية – الإخوانية مرحلة "الدعم المُتبادَل" الذي توثّق إلى مرتبة التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، إذ احتضنت المملكة عناصر "الإخوان" الهاربين من مصر الذين تولوا مهمّة الدعاية السوداء المناوئة للنظام الناصري، باعتباره نظاماً علمانياً يحارب الدين.
بلغت العلاقة، في السبعينيات، بين السعودية و"الإخوان" ذروتها، فقد ازداد التمدّد الإخواني في المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والتربوية في السعودية، فضلاً عن قيام رجال الأعمال من الإخوان بنشاط اقتصادي كبير، في سياق الطفرة الاقتصادية والتنموية الهائلة التي شهدتها المملكة، جرّاء الوفرة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط حينذاك. وكان أهمّ متغيّر طرأ في تلك الفترة ظهور حركة الصحوة التي نتجت عن التلاقح بين مدرستين فكريتين جمعتهما مساحة من التقاطعات، وإن اختلفتا في أخرى من التوازيات، هما الوهّابية والإخوانية، مع غلبة واضحة للسردية القطبية داخلها على النزعة البنّاوية، حيث زاوجت "الصحوة" بين التوجّه العقدي للوهّابية، القائم على محاربة البدع والمنكرات، والتوجّه السياسي للأيديولوجيا الإخوانية، الداعية إلى مواجهة التغريب، مع جنوح كبير لتبني السردية القطبية ذات النزعة الصراعية الصفرية مع العلمانية، وكل مظاهر "الجاهلية" في المجتمعات الإسلامية.
وقد لعب محمّد قطب (الشقيق الأصغر لسيّد قطب)، دوراً محورياً في تشكيل الأرضية التنظيرية للصحوة، حيث كان بمثابة المُنظِّر الأول والأساسي لها، والأبّ الروحي لكثيرين من رموزها، حتى لقّبه بعضهم "شيخ الصحوة". ووفقاً لستيفان لاكروا، كان أغلب رموز "الصحوة" من تلامذته، كما هو حال سفر الحوالي، ومحمد سعيد القحطاني، وعلي نفيع العلياني، أو ممّن تأثّروا بكتاباته، مثل السوري محمد سرور زيْن العابدين، وسلمان العودة، وناصر العمر.
وبمرور الوقت، تمدّد دور الصحوة لتصير الفاعل الرئيسي، وربّما الوحيد، في الفضاء الديني السعودي في السبعينيات، وكانت الإذاعة السعودية آنذاك تُفرد مساحات مطوّلة للحديث عن سيّد قطب، وكتابه "في ظلال القرآن"، بل إنّ الملك فيصل نفسه كان يقتبس نقولاً منه في خُطبه الرسمية.
كان الغزو العراقي للكويت 1990 نقطة التحوّل الكبرى في مسار العلاقات السعودية – الإخوانية، فعلى الرغم من موقف الجماعة الرسمي الرافض للغزو، إلا أنّ النقد الشديد الذي أبدته الجماعة (خصوصا موقف مشايخ الصحوة) للنظام السعودي، لاستقدامه قوات أجنبية لتحرير الكويت، والسماح بوجودها في الجزيرة العربية، ترك ندوباً بارزة في العلاقة بين الطرفين، تحوّلت، مع الوقت، إلى شقوق وشروخ كبيرة، جاءت آثارها بإفساح النظام السعودي المجال أمام الجامية أو المدخلية (أتباع ربيع بن هادي المُدخلي) للظهور في الفضاءين، الديني والإعلامي، والذين تفننّوا في أساليب الهجوم الحادّ على جماعة الإخوان المسلمين ورموزها، والطعن الشديد فيهم، وصولاً إلى التحريض عليهم، خصوصا سيّد قطب الذي يصل هجومهم عليه إلى الإسفاف والبذاءة، وازداد ظهور المدخلية ومساحة دورهم قبيل الغزو الأميركي
اللافت هنا هو التحوّل الدرامي الذي تمثّله تصريحات محمد بن سلمان نقطة تاريخية مفصلية في علاقة المملكة بجماعات الإسلام الحركي، ولا سيّما جماعة الإخوان المسلمين، حيث مرّت هذه العلاقة بمراحل عديدة، وتأتي التصريحات الأخيرة لتكون بمثابة المشهد الختامي لها. وعقب تصريحات نايف في 2002، كتب الراحل حسام تمّام متسائلاً: هل دقّت ساعة الفراق؟ ويبدو الآن جلياً أنّ الفراق الذي كان مُحتملاً في الماضي أصبح الآن مؤكَّداً ونهائياً. والواضح تماماً أنّ الجيل الجديد من الأسرة الحاكمة في السعودية يسير في توجّهه الجديد تجاه الإسلاميين الحركيين، بدافع كبير من تأثير تحالفه الوثيق مع حكّام الإمارات، الذين ينتهجون نهجاً استئصالياً تجاه الإسلاميين، على اختلاف ألوانهم، بإعلان حرب لا هوادة فيها عليهم جميعاً. لكن المعضلة في كيفية نجاح النظام السعودي في التوفيق بين آثار توجّهه الجديد وارتداداته المتوقّعة، وبين الحفاظ على ثابت ومكوِّن أساسي قامت عليه الدولة السعودية منذ نشأتها، بتحالف السياسي مع الديني الذي جمع بين آل سعود وآل الشيخ القائم على تقاسم النفوذ، وإضفاء الشرعية الدينية على التوجّهات السياسية، والذي يُمثّل رافداً رئيسياً لشرعيتها في الداخل والخارج، فضلاً عمّا يستتبعه هذا من تفكيك منظومة دينية واجتماعية راسخة، ومتجذّرة عبر عقود طويلة من تاريخ الدولة الآل سعودية، ولا سيّما المكوّن الوهّابي/ السلفي الذي مثّلت السعودية الحاضنة الدينية والثقافية له طوال العقود الماضية، بل وسعت، بكل قوّة، لتصديره وترويجه بطول العالم الإسلامي وعرضه.