06 نوفمبر 2024
السعودية والسودانيون في الحرب اليمنية
يشكّل الجنود السودانيون، المقاتلون في اليمن، القوام البشري الرئيس للقوات البرية للتحالف العربي، إذ لا ينهض عليهم فقط الشق البري من العمليات العسكرية للتحالف في اليمن، وقتال مقاتلي جماعة الحوثي وقوات علي عبدالله صالح في جميع الجبهات البرية المشتعلة، وإنما استمرار خوض الحرب بالنسبة للتحالف وتحريك الجبهات القتالية. وبقدر ما يكشف وجود الجنود السودانيين عن جزء من سردية الحرب في اليمن وتعقيداتها، فإن تضحياتهم تؤكد بشاعة حرب السعودية والإمارات في اليمن، وهما اللتان لا تجدان غضاضةً في استخدام بشر آخرين وقودا لحروبهما وأجنداتهما، إلا أن المأساوي هنا أن تضحيات الجنود السودانيين لا تُرى، مقارنة بتضحيات المقاتلين الخليجيين في اليمن، ففي حين أعفت السعودية جنودها من القتال في العمق اليمني، فإن الإمارات التي شاركت ببعض جنودها في معارك تحرير مدينة عدن، تعاطت مع قتلاها في اليمن كأنهم أبطال ينفذون واجبهم المقدس، في تحقيق مشروعهم الإقليمي. وبالتالي هم أبطال يشيّعون في مواكب رسمية حافلة، وكانت هذه العقيدة أيضا لدى الجنود الإماراتيين في اليمن، في حين لا يبدو أن الجنود السودانيين في اليمن يمتلكون مبرّراً سياسياً لقتالهم، أو مكاسب يترتب عليها تضحياتهم. لذا فإنهم يُقتلون بصمت، تماماً كصمت الصحاري والسهول اليمنية التي يقتلون فيها، والأنكى أن تضحياتهم في تلك المعارك وحسمها لا ينسب لهم، وإنما للسعودية والإمارات، في حين يدفنون في التراب اليمني بلا ضجيج، ولا حتى عزاء.
تبدأ مأساة الجنود السودانيين في اليمن من إدراك دوافع انخراط بلادهم تحت مظلة التحالف العربي، والأهداف السياسية والاقتصادية التي حصدتها حتى الآن مقابل تضحياتهم، إذ أن قرار السلطة السياسية السودانية، بقيادة الفريق عمر البشير، في الانضمام للتحالف العربي، وإرسال جنودها إلى اليمن كان خارج المضامين السياسية التي شكلت التحالف، كمزاعم نصرة السلطة الشرعية، كما لم يحرّكها أجندات سياسية تريد تحقيقها في اليمن، فالدافع الوحيد هو كسب
رضى السعودية، قائدة التحالف، عبر درء شبهة علاقاتها مع إيران، الخصم التقليدي للسعودية، فبمقتضى المنطق السعودي، كان على السودان، الذي احتفظ بعلاقات دبلوماسية جيدة مع إيران في مرحلة ما قبل "عاصفة الحزم"، أن يسدد ديونه المتأخرة، وتحديداً في الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن. وبالتالي، وجدت القيادة السياسية السودانية نفسها في سياق سباقٍ لإظهار الولاء، وبالتالي زج جنودها في اليمن، من دون استراتيجية واضحة أو رؤية شاملة لتعقيدات الحرب في اليمن.
وتدرك السعودية أن كلفة المعارك البرية باهظة بالنسبة لها، فإنها خططت في اختيارها للبلدان غير الخليجية المنضوية تحت تحالفها، بأن تكون تابعة اقتصادياً بمقتضى المعونات الخارجية، وبالتالي يكون قرارها السياسي مرهوناً بالإملاءات السعودية، أو أن تكون دولا معزولة، وبأمسّ الحاجة لكسر طوق الحصار عنها، لتتحمل هذه الدول أعباء الحرب البرية في اليمن. وبالتالي وجدت السعودية غايتها المنشودة في بلد كالسودان، لتحريك ماكينة الحرب البرية في اليمن.
إن مقارنة بسيطة بين عزوف مصر، المنضوية داخل التحالف العربي، في المشاركة في الحرب البرية في اليمن، والمقامرة السودانية بجنودها في اليمن، يكشف مقدار البون بين الحصافة والحماقة الراضخة لغلبة الأقوياء، إذ قامرت السلطات السودانية بإرسال جنودها إلى اليمن، من دون ضمانات محددة من السعودية لتأمينهم على الأرض، وتحمّل ما يترتب على مقتلهم أو جرحهم من مسؤوليات، فضلا عن تحديد فترة زمنية محددة للاستعانة بهم، لكن السلطة السودانية التي يبدو أنها زجّت جنودها في اليمن، من دون توافق القوى السياسية السودانية، إذ لم يكتسب تدخلها العسكري في اليمن، وتضحيات جنودها، بمشروعية شعبية ووطنية، وإنما تم بغرض مكاسب صغيرة للنظام. وعلى الرغم من تصاعد الأسئلة الأخلاقية من بعض القوى السياسية السودانية بشأن مشاركة جنود من بلادها في اليمن، إلا أن ذلك لم يشكل رأيا عاما سودانيا لوقف إرسال الجنود السودانيين إلى المحرقة.
وقد شارك الجنود السودانيون في المعارك البرية للتحالف العربي لتحرير عدن قبل عامين، ولأن مقتل أعداد منهم لم يُحدث أي تساؤل في المجتمع السوداني، وكذلك عند قيادتهم السياسية، فإن التحالف العربي اعتمد على الجنود السودانيين، بمعية المقاتلين المنضوين تحت مظلة السلطة الشرعية، بمهمة تحريك جبهة الساحل الغربي في بداية العام الحالي، وقامت على عاتقهم كسب المعارك على الأرض، وانحصرت الخسائر البشرية في صفوفهم، ليتحول الجنود السودانيون إلى وقود لحرب جبهات الساحل، ففي منطقة ميدي، التابعة لمدينة حجة، قُتل مئات منهم بقذائف مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح في غضون الثلاثة أشهر الأخيرة فقط، لكن تلك التضحيات لم تحرّك ضمير السلطات السودانية التي تكابر في الاعتراف بخسائرها في اليمن، وتفرض حصاراً إعلامياً على الصحف السودانية في تناول هذا الملف.
كدولة ترعى حربها في اليمن وتديرها، لا تتعامل السعودية بمسؤولية أخلاقية وإنسانية حيال الجنود السودانيين الذين يقاتلون نيابة عن جنودها في الأرض اليمنية، وينفذون أجنداتها، وهو ما يترتب عليها، وقبل أي شيء آخر، رعاية الجرحى من هؤلاء، وكفالة أسر القتلى، لكنها للأسف تتعاطى معهم كأنهم جنود سخرة، وأداة بشرية لتأكيد ولاء السلطة السودانية لها. وبالتالي تركت أعباء مشاركة السودانيين في اليمن على اقتصاد دولتهم الفقيرة، والمضحك أن الالتفاتة السعودية الوحيدة حيال هؤلاء قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز منح أسر ضحايا الجنود السودانيين في اليمن مكرمة الحج.
تُبنى المعادلة السياسية لتدخّل عسكري لطرف ثانوي في حرب رئيسية بالنسبة لطرف آخر على قواعد الربح والخسارة. وفي المثال السوداني في حرب اليمن، نجد في المحصلة أن السودانيين لم يجنوا شيئا من تضحيات مواطنيهم في الأرض اليمنية، فعلى الرغم من اعتبار محللين كثيرين القرار الأميركي، في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رفع عقوبات اقتصادية عن السودان بعد عشرين عاما من فرضها، مكافأة على خلفية مشاركة القوات السودانية في الحرب في اليمن إلى جانب السعودية، حليفها في المنطقة، إلا أنه ثمن لا يستقي والتضحيات السودانية في اليمن، وعدا عن إنعاشه الجزئي للاقتصاد السوداني، فإن القرار لا يفضي إلا لتعزيز نظام البشير.
يدرك يمنيون كثيرون أن الجنود السودانيين وقود للحرب في بلادهم، وليسوا مرتزقة أو جنجويد كما تطلق عليهم سلطة الانقلاب، وإنما ضحايا فقراء مثلهم، لا حول لهم ولا قوة، ضحايا مجّانيون لسلطتهم القاهرة لشراء الرضا السعودي، ولو على حساب جنود، متعبين، يُقتلون بلا هدف، ويدفنون بدون شواهد تدل حتى على أسمائهم، ويخلفون فقط أوجاعا في قلوب ذويهم.
تبدأ مأساة الجنود السودانيين في اليمن من إدراك دوافع انخراط بلادهم تحت مظلة التحالف العربي، والأهداف السياسية والاقتصادية التي حصدتها حتى الآن مقابل تضحياتهم، إذ أن قرار السلطة السياسية السودانية، بقيادة الفريق عمر البشير، في الانضمام للتحالف العربي، وإرسال جنودها إلى اليمن كان خارج المضامين السياسية التي شكلت التحالف، كمزاعم نصرة السلطة الشرعية، كما لم يحرّكها أجندات سياسية تريد تحقيقها في اليمن، فالدافع الوحيد هو كسب
وتدرك السعودية أن كلفة المعارك البرية باهظة بالنسبة لها، فإنها خططت في اختيارها للبلدان غير الخليجية المنضوية تحت تحالفها، بأن تكون تابعة اقتصادياً بمقتضى المعونات الخارجية، وبالتالي يكون قرارها السياسي مرهوناً بالإملاءات السعودية، أو أن تكون دولا معزولة، وبأمسّ الحاجة لكسر طوق الحصار عنها، لتتحمل هذه الدول أعباء الحرب البرية في اليمن. وبالتالي وجدت السعودية غايتها المنشودة في بلد كالسودان، لتحريك ماكينة الحرب البرية في اليمن.
إن مقارنة بسيطة بين عزوف مصر، المنضوية داخل التحالف العربي، في المشاركة في الحرب البرية في اليمن، والمقامرة السودانية بجنودها في اليمن، يكشف مقدار البون بين الحصافة والحماقة الراضخة لغلبة الأقوياء، إذ قامرت السلطات السودانية بإرسال جنودها إلى اليمن، من دون ضمانات محددة من السعودية لتأمينهم على الأرض، وتحمّل ما يترتب على مقتلهم أو جرحهم من مسؤوليات، فضلا عن تحديد فترة زمنية محددة للاستعانة بهم، لكن السلطة السودانية التي يبدو أنها زجّت جنودها في اليمن، من دون توافق القوى السياسية السودانية، إذ لم يكتسب تدخلها العسكري في اليمن، وتضحيات جنودها، بمشروعية شعبية ووطنية، وإنما تم بغرض مكاسب صغيرة للنظام. وعلى الرغم من تصاعد الأسئلة الأخلاقية من بعض القوى السياسية السودانية بشأن مشاركة جنود من بلادها في اليمن، إلا أن ذلك لم يشكل رأيا عاما سودانيا لوقف إرسال الجنود السودانيين إلى المحرقة.
وقد شارك الجنود السودانيون في المعارك البرية للتحالف العربي لتحرير عدن قبل عامين، ولأن مقتل أعداد منهم لم يُحدث أي تساؤل في المجتمع السوداني، وكذلك عند قيادتهم السياسية، فإن التحالف العربي اعتمد على الجنود السودانيين، بمعية المقاتلين المنضوين تحت مظلة السلطة الشرعية، بمهمة تحريك جبهة الساحل الغربي في بداية العام الحالي، وقامت على عاتقهم كسب المعارك على الأرض، وانحصرت الخسائر البشرية في صفوفهم، ليتحول الجنود السودانيون إلى وقود لحرب جبهات الساحل، ففي منطقة ميدي، التابعة لمدينة حجة، قُتل مئات منهم بقذائف مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح في غضون الثلاثة أشهر الأخيرة فقط، لكن تلك التضحيات لم تحرّك ضمير السلطات السودانية التي تكابر في الاعتراف بخسائرها في اليمن، وتفرض حصاراً إعلامياً على الصحف السودانية في تناول هذا الملف.
كدولة ترعى حربها في اليمن وتديرها، لا تتعامل السعودية بمسؤولية أخلاقية وإنسانية حيال الجنود السودانيين الذين يقاتلون نيابة عن جنودها في الأرض اليمنية، وينفذون أجنداتها، وهو ما يترتب عليها، وقبل أي شيء آخر، رعاية الجرحى من هؤلاء، وكفالة أسر القتلى، لكنها للأسف تتعاطى معهم كأنهم جنود سخرة، وأداة بشرية لتأكيد ولاء السلطة السودانية لها. وبالتالي تركت أعباء مشاركة السودانيين في اليمن على اقتصاد دولتهم الفقيرة، والمضحك أن الالتفاتة السعودية الوحيدة حيال هؤلاء قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز منح أسر ضحايا الجنود السودانيين في اليمن مكرمة الحج.
تُبنى المعادلة السياسية لتدخّل عسكري لطرف ثانوي في حرب رئيسية بالنسبة لطرف آخر على قواعد الربح والخسارة. وفي المثال السوداني في حرب اليمن، نجد في المحصلة أن السودانيين لم يجنوا شيئا من تضحيات مواطنيهم في الأرض اليمنية، فعلى الرغم من اعتبار محللين كثيرين القرار الأميركي، في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رفع عقوبات اقتصادية عن السودان بعد عشرين عاما من فرضها، مكافأة على خلفية مشاركة القوات السودانية في الحرب في اليمن إلى جانب السعودية، حليفها في المنطقة، إلا أنه ثمن لا يستقي والتضحيات السودانية في اليمن، وعدا عن إنعاشه الجزئي للاقتصاد السوداني، فإن القرار لا يفضي إلا لتعزيز نظام البشير.
يدرك يمنيون كثيرون أن الجنود السودانيين وقود للحرب في بلادهم، وليسوا مرتزقة أو جنجويد كما تطلق عليهم سلطة الانقلاب، وإنما ضحايا فقراء مثلهم، لا حول لهم ولا قوة، ضحايا مجّانيون لسلطتهم القاهرة لشراء الرضا السعودي، ولو على حساب جنود، متعبين، يُقتلون بلا هدف، ويدفنون بدون شواهد تدل حتى على أسمائهم، ويخلفون فقط أوجاعا في قلوب ذويهم.