06 نوفمبر 2024
السعودية ورهانات السيسي
مع تصويت نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى جانب القرار الروسي في مجلس الأمن بشأن سورية الشهر الماضي، يكون الرجل قد خطا خطوةً أبعد في طريق الالتحاق بنادي الأصدقاء. تقوم رهانات السيسي على أن في وسعه أن يكون منسجماً مع نفسه، وعلى سجيّته، عندما يعلن نفسه جزءاً من منظومة الاستبداد العالمي، الممتدة من بكين وموسكو إلى القاهرة والجزائر مروراً بطهران وبغداد ودمشق، وأن يحافظ، في الوقت نفسه، على دعم السعودية التي يختلف معها في الموقف السياسي.
واضح أن السيسي بات يتصرف في العلاقة مع السعودية وفق مبدأ أنكم إذا كنتم لا تريدون الدفع لقاء خيرٍ ترجونه مني، فعليكم الدفع اتقاءً لشري. ويبدو أن السعودية قد اشترت من السيسي بضاعته، وباتت تتصرف على هذا الأساس، بعد أن كانت دعمت نظامه، ووفرت له كل أسباب البقاء والصمود، راجيةً وقوفه إلى جانبها في مواجهة التغوّل الإيراني عليها. وعليه، وعلى الرغم من إشاراتٍ توحي بانزعاجها من تصرفاته، مثل استدعاء سفيرها في القاهرة، وتجميد شحنة وقود كانت متجهة إلى مصر، وتأخير تحويل وديعة مالية إليها، الا أن السعودية ما زالت بعيدةً عن اتخاذ قرار بالقطع مع السيسي، ورفض الرضوخ لابتزازه.
ينطلق السيسي، في سلوكه مع السعودية، من قراءته وضعها الإقليمي وعلاقاتها الدولية، ويراهن على أنه، في ظل انهيار النظام الإقليمي العربي، واشتداد الهجمة الروسية-الإيرانية، والشرخ الحاصل في العلاقة مع واشنطن، والمرشح لأن يتسع في الفترة المقبلة، فليس أمام السعودية سوى الاستمرار في الركون إلى أوهام الدعم المصري الذي لا يحتاج سوى "مسافة السكة" ليصل جهته.
واقع الأمر، وهو ما يجب أن تدركه السعودية، أن حاجة السيسي إليها أكبر بكثير من حاجتها إليه، ألا يكفي مثلاً أنها تهبه مالاً، وهو يدفع لها وهماً. لا شك أن في مقدور السيسي أن يذهب إلى المعسكر الروسي - الإيراني، وهو في واقع الأمر جزء منه، لكنه يدرك أيضاً أنه لن يجد هناك "صناديق زكاة" ليغرف منها، فالروس والايرانيون لا يدفعون من دون الحصول على مقابلٍ أكبر، وهم فوق ذلك في وضع اقتصادي لا يقل سوءاً، نتيجة انخفاض أسعار النفط، والعقوبات والتورّط في المستنقع السوري. من هنا، يمكن للسيسي أن يذهب إلى موسكو، وربما إلى طهران أيضاً، لكنه لن يعود بأكثر من بعض الصور يلتقطها مع "رفقائه" هنا وهناك.
وما يزيد من تمادي السيسي في ابتزاز السعودية إسهام الأخيرة في عزل نفسها، والتقليل من أصدقائها، فالتقارب السعودي مع تركيا مازال يتسم بالتردّد، وتغلب عليه الهواجس والمواقف الإيديولوجية التي لم يعد لها قيمة في تحالفات اليوم، علماً أن العلاقة مع دولة إقليمية، بحجم تركيا، أكثر عائدية بكثير من العلاقة مع نظام مترنّح، مثل نظام السيسي.
واقع الأمر أن مصر باتت تمثل ثقباً أسود، في جيب السعودية التي ضخت، حتى الآن، أكثر من 30 مليار دولار في شرايينها الاقتصادية، وتقول هل من مزيد. ومهما فعلت السعودية، فإنها لن تتمكن من مساعدة مصر على تبوؤ دور قيادي في مواجهة إيران، فمصر، في ظل النظام الحالي، لا تمتلك القيادة، ولا الرؤية، ولا الاستقرار السياسي، ولا الإمكانات للتصدّي لهذا الدور. لا بل إنه، ووفق المعطيات الراهنة، تبدو فرص مصر في تأدية دور قيادي في المنطقة أقلّ من أي وقتٍ مضى، فمصر التي يتجاوز عدد سكانها 90 مليون نسمة يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر، تقف وراء نيجيريا لجهة ناتجها الإجمالي القومي، ومهددة فوق ذلك بالسقوط في دوائر نفوذ قوى أكبر منها. في المقابل، تمثل تركيا قوة إقليمية صاعدةً، فهي تملك الاقتصاد 18 في العالم، ولديها نظام سياسي مستقر، وقاعدة صناعية متطورة، وقوة بشرية متعلمة، وخطة طموحة للتحول الى الاقتصاد العاشر في العالم في العقد المقبل.
لو كنت مكان السعودية لاتخذت قرارا استراتيجياً بالتحالف مع تركيا، ولساعدتها على التحرّر من الابتزازين، الروسي والإيراني، في مجال الطاقة، ولحوّلت المليارات التي يتم ضخها في عروق نظام السيسي إلى استثمارات مشتركة مع أنقرة في قطاعات الأمن المائي والغذائي والصناعي والعسكري، ولتركت السيسي يستمتع برفقة أصدقائه في موسكو وطهران.
واضح أن السيسي بات يتصرف في العلاقة مع السعودية وفق مبدأ أنكم إذا كنتم لا تريدون الدفع لقاء خيرٍ ترجونه مني، فعليكم الدفع اتقاءً لشري. ويبدو أن السعودية قد اشترت من السيسي بضاعته، وباتت تتصرف على هذا الأساس، بعد أن كانت دعمت نظامه، ووفرت له كل أسباب البقاء والصمود، راجيةً وقوفه إلى جانبها في مواجهة التغوّل الإيراني عليها. وعليه، وعلى الرغم من إشاراتٍ توحي بانزعاجها من تصرفاته، مثل استدعاء سفيرها في القاهرة، وتجميد شحنة وقود كانت متجهة إلى مصر، وتأخير تحويل وديعة مالية إليها، الا أن السعودية ما زالت بعيدةً عن اتخاذ قرار بالقطع مع السيسي، ورفض الرضوخ لابتزازه.
ينطلق السيسي، في سلوكه مع السعودية، من قراءته وضعها الإقليمي وعلاقاتها الدولية، ويراهن على أنه، في ظل انهيار النظام الإقليمي العربي، واشتداد الهجمة الروسية-الإيرانية، والشرخ الحاصل في العلاقة مع واشنطن، والمرشح لأن يتسع في الفترة المقبلة، فليس أمام السعودية سوى الاستمرار في الركون إلى أوهام الدعم المصري الذي لا يحتاج سوى "مسافة السكة" ليصل جهته.
واقع الأمر، وهو ما يجب أن تدركه السعودية، أن حاجة السيسي إليها أكبر بكثير من حاجتها إليه، ألا يكفي مثلاً أنها تهبه مالاً، وهو يدفع لها وهماً. لا شك أن في مقدور السيسي أن يذهب إلى المعسكر الروسي - الإيراني، وهو في واقع الأمر جزء منه، لكنه يدرك أيضاً أنه لن يجد هناك "صناديق زكاة" ليغرف منها، فالروس والايرانيون لا يدفعون من دون الحصول على مقابلٍ أكبر، وهم فوق ذلك في وضع اقتصادي لا يقل سوءاً، نتيجة انخفاض أسعار النفط، والعقوبات والتورّط في المستنقع السوري. من هنا، يمكن للسيسي أن يذهب إلى موسكو، وربما إلى طهران أيضاً، لكنه لن يعود بأكثر من بعض الصور يلتقطها مع "رفقائه" هنا وهناك.
وما يزيد من تمادي السيسي في ابتزاز السعودية إسهام الأخيرة في عزل نفسها، والتقليل من أصدقائها، فالتقارب السعودي مع تركيا مازال يتسم بالتردّد، وتغلب عليه الهواجس والمواقف الإيديولوجية التي لم يعد لها قيمة في تحالفات اليوم، علماً أن العلاقة مع دولة إقليمية، بحجم تركيا، أكثر عائدية بكثير من العلاقة مع نظام مترنّح، مثل نظام السيسي.
واقع الأمر أن مصر باتت تمثل ثقباً أسود، في جيب السعودية التي ضخت، حتى الآن، أكثر من 30 مليار دولار في شرايينها الاقتصادية، وتقول هل من مزيد. ومهما فعلت السعودية، فإنها لن تتمكن من مساعدة مصر على تبوؤ دور قيادي في مواجهة إيران، فمصر، في ظل النظام الحالي، لا تمتلك القيادة، ولا الرؤية، ولا الاستقرار السياسي، ولا الإمكانات للتصدّي لهذا الدور. لا بل إنه، ووفق المعطيات الراهنة، تبدو فرص مصر في تأدية دور قيادي في المنطقة أقلّ من أي وقتٍ مضى، فمصر التي يتجاوز عدد سكانها 90 مليون نسمة يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر، تقف وراء نيجيريا لجهة ناتجها الإجمالي القومي، ومهددة فوق ذلك بالسقوط في دوائر نفوذ قوى أكبر منها. في المقابل، تمثل تركيا قوة إقليمية صاعدةً، فهي تملك الاقتصاد 18 في العالم، ولديها نظام سياسي مستقر، وقاعدة صناعية متطورة، وقوة بشرية متعلمة، وخطة طموحة للتحول الى الاقتصاد العاشر في العالم في العقد المقبل.
لو كنت مكان السعودية لاتخذت قرارا استراتيجياً بالتحالف مع تركيا، ولساعدتها على التحرّر من الابتزازين، الروسي والإيراني، في مجال الطاقة، ولحوّلت المليارات التي يتم ضخها في عروق نظام السيسي إلى استثمارات مشتركة مع أنقرة في قطاعات الأمن المائي والغذائي والصناعي والعسكري، ولتركت السيسي يستمتع برفقة أصدقائه في موسكو وطهران.