يزور جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، منطقة الشرق الأوسط كثيرا حاملا حقيبته الممتلئة بمشاريع اقتصادية عدة يمكن اقامتها بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أمل أن يؤدي الرخاء الاقتصادي تلقائيا إلى إحلال السلام بين الجانبين. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة، التي تسيطر على كيري لم تنجح حتى الآن، إلا أنه يصر عليها في جولاته المكوكية الى منطقة الشرق الاوسط. دوريس كاريون، الباحثة في مكتب الشرق الاوسط، وشمال افريقيا، بمركز "تشاتام للأبحاث والدراسات" في لندن ترفض الطرح الذي يقدمه، واستخدمت عبارة شهيرة جدا لبيل كلينتون، الرئيس الامريكي الأسبق، في الانتخابات الامريكية عندما قال: "انه الاقتصاد يا غبي"، لكن كاريون هذه المرة، تقول: "انه ليس الاقتصاد يا غبي".
وتقول كاريون: إن الفساد وعدم المساواة في الاراضي الفلسطينية يشكلان عاملا مهما وراء الشكوك والسخرية التي تحيط بتلك الخطط الاقتصادية، التي يروج لها كيري، فالفلسطينيون يدركون جيدا حجم الفساد في الاعمال التجارية في الاراضي الفلسطينية. وتشير كاريون الى المبادرة التي قدمها كيري في منتدى دافوس ومحافل دولية اخرى، والتي تسعى الى ضخ حوالي أربعة مليارات دولار في الاقتصاد الفلسطيني، وزيادة الناتج المحلي الاجمالي في الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة 50% على مدى ثلاث سنوات. وتقر الباحثة في مركز "تشاتام" أن الاقتصاد الفلسطيني يحتاج الى التغيير بشدة، فالبطالة تصل الى 21% ويعاني 40% من سكان غزة من عدم حصولهم على الغذاء الكافي، كما أن القيود الصارمة التي تضعها إسرائيل على حركة الناس والبضائع تؤدي إلى خنق النشاط الاقتصادي. وقد حاولت مبادرات اقتصادية عدة في التسعينيات، وفي العقد الاول من هذا القرن تحت اشراف رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض ان تضخ الدماء في الاقتصاد الفلسطيني، وبالفعل تحققت طفرات اقتصادية عدة بين وقت وآخر، لكن الجهات الدولية المانحة وعلى رأسها البنك الدولي تدرك أن هذه التنمية لا يجب ان تكون في صورة طفرات متقطعة، ولكنها يجب ان تقوم على أساس مستدام، وهو ما لن يتحقق أبدا في ظل القيود الاسرائيلية المستمرة على الواردات والصادرات الفلسطينية وحركة السفر، وهو الامر الذي يؤدي الى فشل الخطط الاقتصادية المتعاقبة التي تم طرحها منذ مؤتمر أوسلو.
وتشير كاريون، إلى أن العديد من مؤيدي عملية السلام يعتقدون أن تحسين حياة الفلسطينيين سيجعلهم اكثر استعدادا للسلام مع إسرائيل، لكن الواقع على الارض يقول: ان اراء الفلسطينيين في عملية السلام لم تتحسن حتى لو نجح الاقتصاد احيانا في تحسين نوعية حياتهم. ولا يستطيع الفلسطينيون تجاهل حجم الفساد في الاعمال التجارية والتفاوت الاقتصادي المرتفع بين الطبقات المختلفة، حيث يحصل 20% من الطبقات العليا من السكان على 40% من حصة الدخل في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويدرك معظم سكان الأراضي الفلسطينية انه حتى لو تدفقت الاستثمارات على قطاعات مثل السياحة والطاقة فإن طبقة الاثرياء هى التي ستستفيد من هذا التدفق، خاصة وان نشاط القطاع الخاص يرتبط بنخبة تتناول طعامها في المطاعم الراقية ويتلقون تعليمهم في أوروبا والولايات المتحدة وكثيرا ما يزورون إسرائيل للاجتماعات والترفيه.
وتؤكد كاريون، أن هناك حاجة لمزيد من الشفافية والمساءلة وتكافؤ الفرص في توجيه المساعدات الدولية للفلسطينيين، مشددة على ضرورة إجراء مشاورات حقيقية مع الجمهور في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يحتاج الى اشراك مجموعات واسعة من الناس، بما في ذلك الاكاديميون والناشطون وممثلو العمال وليس رجال الاعمال وحدهم. لكن المهم، هو أن يضغط الدبلوماسيون على إسرائيل لتخفيف القيود الاسرائيلية على حركة الفلسطينيين والتجارة والعمل ومنح الفلسطينيين حرية أكبر في الحركة من أجل تحقيق تنمية دائمة للاقتصاد الفلسطيني.