ثلاثة أشهر تفصل السودان عن الانتخابات العامة التي من المقرر أن تنطلق في الثالث عشر من أبريل/ نيسان المقبل بمقاطعة واسعة من قبل قوى المعارضة الرئيسية في البلاد، بينها حزب "الأمة"، بزعامة الصادق المهدي، والحزب "الشيوعي"، بقيادة مختار الخطيب، و"المؤتمر الشعبي"، بزعامة حسن الترابي.
وتأتي الخطوة في ظل إحجام دولي عن تمويل العملية الانتخابية التي رصدت لها المفوضية القومية للانتخابات 800 مليون جنيه سوداني (حوالي 140 مليون دولار أميركي)، ولا سيما أن تلك القوى راهنت على الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السوداني عمر البشير في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي وعمدت إلى تأييده ومحاولة إنجاحه بقوة، إلا أن هذا الحوار لم يبرَح نقطة الدعوة التي قاربت مدتها العام.
وأعلن سياسيان اثنان، الأسبوع الماضي، الترشح للانتخابات الرئاسية لمنافسة البشير، على الرغم من أن كل المؤشرات تحسم فوز البشير بالمنصب في ظل غياب المنافسة الحقيقية، والشكوك التي تثار حول حيادية مفوضية الانتخابات وميلها نحو الحزب الحاكم، إضافة إلى التشكيك في النظام نفسه وفتح الباب أمام جنوحه نحو تزوير العملية الانتخابية لصالحه.
فالشخصيتان، وهما رئيس حزب "الحقيقة" الفيدرالي المعارض، فضل السيد شعيب، ورئيس حزب "قوى اتحاد الامة" (سلفي)، محمود عبد الجبار، لا وجود لهما في الشارع السوداني، ويُعتبران من أضعف الأحزاب السياسية في البلاد. وهناك مَن ينظر لخطوة الرجلين في إطار اتفاق مع الحزب الحاكم الذي يبحث عن منافسين، وإن كانوا شكليين، لإضفاء شرعية على الانتخابات. وسبق للمؤتمر الوطني الحاكم أن أعلن، الأسبوع الماضي، التنازل عن عشرة دوائر جغرافية قومية في الخرطوم لعدد من الأحزاب والقوى الراغبة في خوض الانتخابات لدفع العملية إلى الامام.
وكان البشير قد اعتبر، في الاحتفالات بالذكرى 59 لاستقلال البلاد، أن الانتخابات في حد ذاتها تُعتبر حواراً، الأمر الذي عدّه مراقبون بمثابة تعليق للحوار الذي راهنت أحزاب معارضة عليه، لتأجيل الانتخابات. كما أن البشير أرسل رسالة تحذيرية لأحزاب المعارضة الموافِقة على الحوار يربط فيها مقاطعتها للانتخابات بعرقلة وتعطيل الحوار.
ويرى المحلل السياسي، الأستاذ الجامعي الطيب زين العابدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن البشير "حريص جداً على إعادة انتخابه لضمان فرصة جديدة في الحكم، باعتبار أن كافة الدساتير، بما فيها دستور حزبه ودستور الحركة الاسلامية، حددت فترة رئاسته بفترتين، بينما تعدى الرجل أربع فترات حكم، كما أن هناك مَن يعمل داخل الحزب الحاكم لإبعاده ويطمح لخلافته، ويريد البشير أن يقطع الطريق أمام هؤلاء".
ويعتبر زين العابدين أن "البشير يريد السلطة لأنها تمنحه حماية من ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً أن هناك قراراً من قبل الاتحاد الافريقي يرفض ملاحقة الرؤساء وهم في سدة الحكم".
ويؤكد أن خطوة إجراء الانتخابات ستؤدي عملياً لفشل الحوار الوطني، مشيراً إلى أن الانتخابات سيخوضها فقط الحزب الحاكم إضافة إلى ما يُعرف بأحزاب "الفكّة" (وهي الأحزاب المنشقّة عن القوى السياسية الكبيرة ويُتهم النظام بخلقها)، و"الحزب الاتحادي الديمقراطي"، بزعامة عثمان الميرغني، على الرغم من أن قاعدة عريضة من قواعد الحزب تطالب بالمقاطعة، لكن النظام سيعمد لإغراء الميرغني ببعض الدوائر الجغرافية ومناصب حكام الولايات.
ويرجّح زين العابدين أن تشهد العملية الانتخابية مقاطعة واسعة تطال كوادر من الحزب الحاكم، لافتاً إلى مقاطعة 127 عضواً لاجتماعات مجلس شورى حزب "المؤتمر الوطني"، الذي عُقد أخيراً لاختيار مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية، وفاز وقتها البشير بما نسبته 51 في المئة من أصوات المجلس، باعتبار أن 130 صوّتوا وقتها لصالح المرشحين الأربعة الذين ترشحوا مع البشير.
ويضيف: "هذا الأمر سيؤدي إلى مقاطعة واسعة للانتخابات، قد تكتمل حلقاتها في حال قادت الأحزاب المعارضة حملة واسعة لمقاطعتها"، مؤكداً أن نتائج هذه الانتخابات ستكون محسومة للبشير، لأن النظام سيعمد إلى أساليب ملتوية لتأكيد ذلك.
ويرى المحلل السياسي أن الانتخابات ستقود لمزيد من التعقيد في الأزمة السودانية إذا ما اقترنت باتجاه النظام نحو الحسم العسكري للتمرد ضده في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان، الأمر الذي سيرهق خزينة الدولة ويعمّق الأزمة الاقتصادية، كما سيزيد العزلة الدولية للنظام، لأن المجتمع الدولي لن يدخل في مصالحات مع نظام تتوفر فيه معطيات انهياره، ما سينعكس سلباً على البلاد والحزب الحاكم نفسه.
ويلفت زين العابدين إلى أن "خطوة النظام بتعديل الدستور لفتح الباب أمام الرئيس لتعيين حكّام الولاة بدلاً من انتخابهم، سيحيل بعض الولاة ممّن يرون أنهم يستندون إلى وضع أفضل يمكنهم من الفوز، إلى معارضة"، متوقّعاً أن "تشهد فترة الانتخابات وما بعدها احتجاجات كبيرة من الحزب الحاكم نفسه".
لكن رئيس الدائرة القانونية في الحزب الحاكم، الفاضل حاج سليمان، يدافع بقوة عن العملية الانتخابية المرتقبة مشدداً على شرعيتها.
ويقلّل حاج سليمان من أهمية مقاطعة الأحزاب المعارضة لها، معتبراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إحدى وسائل عمل الأحزاب هي المشاركة في الانتخابات، لذا أتفاجأ لحال أحزاب تُوقّع اتفاقات ومواثيق مع قوى حاملة للسلاح، وترفض المشاركة في الانتخابات التي تمثّل سلاحاً لها".
ويرى أن "عدم إجراء الانتخابات في موعدها هو ما سيخلق أزمة وليس العكس، إذ كيف لرئيس غير منتخب أن يدير شؤون البلاد وبأي حق"، معتبراً دعوات بعض الأحزاب لتأجيل العملية الانتخابية مع إجراء بعض التعديلات الدستورية في ما يتصل بشرعية الرئيس "أمراً بلا فائدة"، متسائلاً: "أيهما أسهل وأقرب للممارسة الدستورية الصحيحة، إجراء الانتخابات ومشاركة الاحزاب فيها، أم التعديل؟".
ويعتبر حاج سليمان أنه "كان على المعارضة المشاركة في الانتخابات والتكتّل مع بعضها للدفع بمرشح واحد تواجه به مرشح الحزب الحاكم وتسقطه، كما تدّعي"، مضيفاً أن "هذه الاحزاب لا توجد لديها مواقف وطنية قائمة على مبادئ وقواعد سليمة، لذلك هي ضد الانتخابات، ونحن لن نرهن البلاد ومستقبلها بتلك المواقف المترددة".