وقال بوتين، خلال استقباله السيسي ووزير الخارجية نبيل فهمي في مقر إقامته بضواحي موسكو: "أعرف أنكم قررتم الترشح لمنصب رئيس مصر. إنه قرار مسؤول". وأوضح بوتين أن السيسي أخذ على عاتقه هذه المهمة "التي يرتبط بها مصير الشعب المصري، وأنا شخصياً، وباسم الشعب الروسي، أتمنى لكم النجاح".
وأشار الرئيس الروسي، في هذا الخصوص، إلى أن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط مرتبط بدرجة كبيرة باستقرار مصر. وتابع: "أنا واثق من أنكم، بخبرتكم الكبيرة، ستتمكنون من حشد أنصاركم وإرساء العلاقات مع أطياف المجتمع المصري كافة". وشدد بوتين على أن موسكو "تراقب عن كثب تطور الأوضاع الداخلية في مصر"، معرباً عن أمله في أن "يتمكن البلدان من تشغيل جميع آليات التعاون القائمة بينهما بطاقاتها الكاملة، بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مصر المقررة الصيف المقبل، وبعد تشكيل حكومة جديدة".
وأشار بوتين إلى أن روسيا ومصر شريكان تقليديان، ويستند التعاون بينهما إلى العلاقة الودية غير المشروطة بينهما.
وأكد السيسي أن المجتمع المصري يسعى للتطور البناء وتعزيز الأمن، باعتبار أن هذه المهمة تكتسب أهمية كبرى ليس بالنسبة للبلاد فحسب، بل للمنطقة بأكملها. وذكر وزير الدفاع المصري أن مظاهر الإرهاب في مصر وفي دول أخرى، تهدد لا الدولة التي تحدث فيها فحسب، بل والمنطقة بأكملها، مشيراً الى الآثار الخطيرة للأحداث في ليبيا وسوريا، ودعا الى بذل جهود جماعية من أجل التصدي للتحدي الإرهابي. وفي الوقت نفسه أكد السيسي قدرة الجيش المصري على ضمان الأمن في البلاد.
السيسي يبحث عن شرعيته في موسكو
ويشير محللول الى أن زيارة المشير السيسي، والتي تعدّ الأولى من نوعها الى دولة أوروبية منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز، حملت الى روسيا رسائل عدة على المستويين الداخلي والخارجي. فالزيارة تهدف في الأساس الى الحصول على شرعية للانقلاب ولخارطة الطريق التي أعلنها في 3 يوليو الماضي، ومن ثم المضيّ قدماً نحو كرسي الرئاسة.
فالسيسي لم يذهب إلى موسكو إلا بعدما مُهّد له الطريق من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حتى يتمكن من الحصول على شرعية طالما سعى إليها طيلة الشهور الثماني الماضية، إلا أن القوانين والدساتير ذات الصبغة الديموقراطية في الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وقفت عائقاً أمام تحقيق تلك المطامع.
وكان ثمن تمهيد هذا الطريق شراء صفقة سلاح روسية مصرية مدفوعة الثمن بالريال السعودي والدرهم الإماراتي. إذ تبلغ قيمة صفقة السلاح 2 مليار دولار، وهو مبلغ يوازي حجم المعونات العسكرية الأميركية لمصر.
وتأتي الزيارة في هذا التوقيت تحديداً الذي يترقّب فيه الشارع المصري قرار السيسي خوض الانتخابات الرئاسية أم لا. كما تأتي بعد نجاح روسيا في خلق نديّة دولية جديدة مع الولايات المتحدة، تعكسها الأزمة السورية، لتحمل رسالة الى الداخل بأن مصر قادرة على مواجهة الولايات المتحدة، وهي رسالة للاستهلاك الإعلامي فقط.
وقد أكدت عليها تصريحات المتحدث باسم الخارجية المصرية بدر عبد العاطي، الذي قال أمس: "إن الهدف الأساس من زيارة الوزيرين المصريين (السيسي ووزير الخارجية نبيل فهمي)، هو العمل على إضافة شركاء جدد لمصر، وتطوير علاقات الدولتين الثنائية من مختلف الأوجه".
بينما تجد موسكو في تلك الصفقة السياسية فرصة لتجد موطئ قدم لها في الشرق الأوسط بعدما نجحت في دعم القوى الرافضة لحكم التيارات الاسلامية لبلدان الربيع العربي.
فالنظام المصري الحالي سعى خلال الفترة الماضية للحصول على دعم علني من الادارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، إلا أنه فشل، بل تشير بعض التقارير الرسمية لتلك الدول إلى انتقادات حادة للنظام الحالي في مصر، وليس أدلّ على ذلك من بيان الاتحاد الاوروبي الذي صدر أخيراً وانتقد تراجع حرية التعبير والانتهاك التي يتعرض لها المعارضون المصريون.
فالجنرال الجديد ذهب إلى موسكو بملابس مدنية رغم المنحى العسكري الذي روّجت له وسائل الإعلام للزيارة، ليقول إنه الرئيس القادم الذي يقتنص اليوم الشرعية من روسيا، وأنه قادر على خلق بدائل وتحالفات بعيداً عن الولايات المتحدة الأميركية واللعب على أوتار الصراع الأميركي ـ الروسي المتنامي.
فالسيسي يستخدم أسلوب الدعاية العنترية التي ورثتها المؤسسة العسكرية عن الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في الترويج لنفسه على المستوي الداخلي.
لكن هذا لا يعني بالضرورة أن مصر تسعى إلى التخلي عن دعم الولايات المتحدة الأميركية، فهذا ليس وراداً، وهو ما نفاه السيسي نفسه في حوار صحافي قبل شهرين، عندما أكد أن مصر بحاجة لدعم الولايات المتحدة وأنه متفهّم لموقف الإدارة الأميركية التي تحكمها قوانين تجعلها عاجزة عن دعم الارادة الشعبية المصرية في 3 يوليو/ تموز، كما أن هناك تنسيق كامل مع وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، فمنذ الإنقلاب على الرئيس المصري المنتخب وهيغل والسيسي على تواصل أسبوعي.
واللافت أن الرئيس المعزول محمد مرسي قام بزيارة إلى موسكو في إبريل/ نيسان العام الماضي، وتحفّظ الفريق السيسي عن مرافقة الرئيس المعزول في تلك الزيارة على الرغم من تضمّن جدول أعمالها لاتفاقيات عسكرية.
وكان عدم مشاركة السيسي أمراً لافتاً، إلا أن المتحدث العسكري برّر ذلك، حينها، بوجود ملحق عسكري في موسكو.
كما اختار السيسي هذا التوقيت بعدما رتّب وضعه أو رُتّب له وضعه على المستوى الإقليمي. فخلال الأسبوع المنصرم أوفد السيسي رئيس أركان قواته المسلحة صدقي صبحي إلى الأمارات، في زيارة ظاهرها عسكري، حيث أعلن عن تعاون مصري ـ إمارتي عسكري، وفي باطنها ترتيب عملية الترشح للرئاسة، خاصة بعدما دعا محمد آل مكتوم، حاكم دبي، السيسي إلى عدم خوض الانتخابات الرئاسية المصرية.في الوقت ذاته تم إيفاد حازم الببلاوي، رئيس الحكومة، إلى السعودية للحصول على مزيد من الدعم المادي. وكانت الزيارة إلى السعودية مهمة في هذا التوقيت، وخاصة أن المملكة تمثّل أحد ممولي صفقة السلاح المقرر إبرامها بين القاهرة وموسكو.
وأعقب ترتيب الوضع على المستوى الإقليمي، توجّه السيسي إلى موسكو شخصياً أمس، بينما كانت التقارير الاعلامية خلال الفترة الماضية تشير إلى أن رئيس الأركان المصري هو الذي يقود تلك الزيارة إلى موسكو لابرام صفقة سلاح، في ظل مطالبات أعضاء الكونغرس الأميركي بقطع المعونات العسكرية عن مصر بعد 3 يوليو/ تموز.
زيارة السيسي إلى موسكو احتفى بها الاعلام المصري بشكل مبالغ فيه، فهناك مَن وصفها بالزيارة التاريخية، بينما أشارت جريدة "الاهرام" الحكومية إلى أنها زيارة تُعدّ امتداداً لـ71 عاماً من العلاقات المصرية ـ الروسية التي أرساها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.