ولم تسْلم السلطة الفلسطينية، من توتر على خلفية دعم السيسي، بأشكال وطرق مختلفة، القيادي الأمني المفصول عن حركة "فتح" محمد دحلان، وما يتمتع به الأخير من علاقات قوية مع الأجهزة السيادية والأمنية المصرية، بحسب مصادر من السفارة الفلسطينية في القاهرة.
وبدا أن السيسي يحاول رسم العلاقات والأدوار بين الفصائل الفلسطينية، من خلال تحركات يعتبر مراقبون أنها "تضر بالقضية لحساب العدو الأول إسرائيل".
في السياق، بدأ النظام في توسيع العلاقات والتعاون مع الكيان الصهيوني، ليس فقط على مستوى التنسيق حول سيناء، في إطار ما يُسمّى الحرب على الجماعات الإرهابية، ولكن شمل تطبيعاً اقتصادياً بلغ ذروته قبل نحو أسبوع تقريباً.
تغيير المواقف
لا يمكن فصل شراء شركة مصرية (دولفينوس القابضة)، الغاز الطبيعي من حقل تمار الإسرائيلي، عن تصريحات السيسي، تزامناً مع المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ أخيراً، حول الكيان الصهيوني، والتي دعمت قوة العلاقة بين الطرفين خلال الفترة الحالية.
في المقابل، ساءت وتراجعت علاقات النظام المصري الحالي مع حركة "حماس"، عقب اعتبارها بحكم قضائي "إرهابية"، وسبقها جناحها العسكري "كتائب القسام". ويتهم النظام الحالي الحركة بدعم جماعة "الإخوان المسلمين"، في أعقاب الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، بيد أنه لم يقدم أي دليل على هذه الادعاءات.
ولم يقتصر تغيّر موقف الدولة المصرية من القضية الفلسطينية، على حركة "حماس" وقطاع غزة، ولكن امتد الأمر إلى خلافات "مكتومة" مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، على خلفية دعم السيسي لدحلان المقيم حالياً في دولة الإمارات.
ورسمت تصريحات السيسي، في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، حول العلاقات بين مصر وإسرائيل، شكل العلاقات الجديد مع الكيان الصهيوني، وهو ما يُعتبر مغازلة لهذا الكيان، بيد أن تلك المغازلة سرعان ما تحوّلت إلى خطوات تطبيقية على أرض الواقع.
وقال السيسي، في تصريحاته المشار إليها، إنه يتحدث كثيراً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في معرض رده على سؤال حول نوعية العلاقات بين البلدين في الوقت الراهن.
واستطرد، مادحاً الاتصالات مع نتنياهو: "أنا أريد فقط طمأنته بأن التوصل إلى اتفاق سلام سيكون صفقة تاريخية بالنسبة له ولإسرائيل، ونحن مستعدون لمدّ يد العون لتحقيق السلام"، مضيفاً أن الجانب المصري حرص على "احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل، بدءاً من اليوم الأول على توقيعها".
واستدلّ السيسي بمثال وصَفه بأنه "يجسّد عمق الثقة" بين مصر ودولة الاحتلال، وهو "سماح إسرائيل بنشر وحدات من الجيش المصري وسط وشرق صحراء سيناء، علماً أن اتفاقية السلام تحظر ذلك". وهذا يعني أن "المزاج العدائي والتشكيك تقلّصا بعد التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل".
ولم تمر أيام على تصريحات السيسي المثيرة للجدل والاستياء داخل المجتمع المصري، باعتبار أن تلك التصريحات صادرة من رأس الدولة حالياً، وممن كان قائداً في الجيش المصري، حتى وقّعت شركة مصرية اتفاقية مع أخرى إسرائيلية لاستيراد الغاز الإسرائيلي.
وبموجب الاتفاقية الجديدة، فإن الشركة المصرية ستشتري 5 مليارات متر مكعب من الغاز على الأقل، في أول ثلاث سنوات، وسيتم تصدير الغاز عبر خط أنابيب بحري تديره شركة غاز شرق المتوسط.
وكانت شركة "ديليك" الإسرائيلية للتنقيب، أحد شركاء مجموعة "تمار" الإسرائيلية للغاز البحري، قالت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن المجموعة ستمد خط أنابيب تحت المياه إلى مصنع تصدير في مصر، تديره شركة "يونيون فينوسا غاس" الإسبانية.
وكانت مصر حتى مطلع عام 2011، تُصدّر الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، وفق اتفاقٍ تم إبرامه في 2005، يقضي بتصدير 1,7 مليار متر مكعب سنوياً، لمدة 20 عاماً، بثمن يتراوح بين 70 سنتاً و1,5 دولارات للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر التكلفة آنذاك إلى 2,65 دولاراً، وفق محللين في قطاع الطاقة.
اقرأ أيضاً: مصر "الرسمية" لا تتبنى التصنيف "الإرهابي" لـ"حماس"
التطبيع الاقتصادي
وأثار توقيع الاتفاق الجديد بين الشركة المصرية ونظيرتها الإسرائيلية، تساؤلاً حول قوة العلاقات بين البلدين، وهل تحسّنت إلى حد التطبيع مع الكيان الصهيوني؟
يقول القيادي في التحالف الوطني لدعم الشرعية، حاتم أبو زيد، إن السلطة العسكرية الآن في مصر تعدّت مرحلة التطبيع، وهي في تماهٍ تام مع المصالح الإسرائيلية والمحافظة على أمن إسرائيل والعمل من أجل مستقبلها.
ويشير أبو زيد في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "أن النظام العسكري الذي يحكم مصر منذ سنوات، أهدر مخزون الغاز المصري وباعه لإسرائيل بـ1,5 دولارات، أي أقل من قيمة تكلفة استخراجه، فضلاً عن أن سعر بيعه كان 12 دولاراً في ذلك الحين".
ويلفت إلى أن "النظام الحالي تنازل عن حقول الغاز المصري في البحر لصالح إسرائيل، كل هذا خدمة وحرصاً على مستقبل الكيان الصهيوني، ثم يأتي اليوم ليقدّم أموال المصريين مرة أخرى للصهاينة بشراء الغاز منهم".
من جهته، يقول أحد شباب حركة "الاشتراكيين الثوريين"، محمد الشافعي، إن توصيف صفقة الغاز الجديدة بـ"التطبيع مع الكيان الصهيوني"، أمر هيّن لدرجة كبيرة، مقارنة بالتقارب الكبير الذي بدت عليه العلاقات مع إسرائيل أخيراً.
ويرى الشافعي في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "النظام الحالي بدا منفتحاً بشكل كبير على إسرائيل، وهو ما يضر بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن إرسال رسالة أن مصر تبحث عن مصلحتها فقط".
ويعتبر "أن الاتفاق الجديد ليس ببعيد عن تصدير مصر في عهد (الرئيس المخلوع حسني) مبارك الغاز بأقل من تكلفة استخراجه إلى إسرائيل، فالقائمون على الحكم في مصر ورجال الأعمال يتمتعون بعلاقات قوية مع إسرائيل"، مؤكداً أن موقف الشعب المصري واضح من إسرائيل باعتبارها العدو الأول.
من جهته، يقول خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، إن الاتفاق الجديد باستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، أمر ليس مستغرباً عن النظام الحالي، وخصوصاً أن العلاقات قوية منذ 3 يوليو/ تموز الماضي.
ويضيف الخبير، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التعاون بين مصر وإسرائيل بات واضحاً على كل المستويات سواء العسكري أو الاقتصادي، وأخيرا لوأد المقاومة الفلسطينية، أو على الأقل تطويعها وبقائها تحت السيطرة.
ويوضح "أنه بموجب اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل، يجوز توقيع عقود اتفاق للنشاط التجاري من حيث المبدأ والمصوغات القانونية، بيد أن الأمر والعلاقات مع إسرائيل لا يمكن الحكم عليها في ضوء اتفاقية جمّدت الصراع مؤقتاً"، مشدداً على أن "النظام المصري الحالي يتمتع بعلاقات قوية مع إسرائيل، وهذا يمكن ملامسته في أكثر من جانب وتصريح، آخرها حديث السيسي لصحيفة "واشنطن بوست"، وسبقها التنسيق العسكري العالي المستوى بشأن العمليات في سيناء، من دون معرفة جوهر وحقيقة هذا التنسيق".
ويرى أن إسرائيل تحاول التسلل إلى قضية التطبيع عبر الاقتصاد، من خلال شركات مصرية خصوصاً أو غير مصرية، ويتم تصوير أن الدولة ليست طرفاً في العقود المبرمة، متسائلاً "لو أن الدولة المصرية ليست موافقة على عقود استيراد الغاز الأخيرة من إسرائيل، هل كانت الصفقة لتتم؟"، مشدداً على أن أجهزة الأمن القومي والاستخبارات والجيش لو رفضوا الصفقة، لما تمت وهذا بشكل قاطع وصريح، لا مجال فيه للتجمل لحفظ ماء الوجه تجاه العدو الأول لمصر.
حماس "إرهابية"
من جهة أخرى، ساءت علاقة مصر خلال عهد السيسي بحركة "حماس"، عقب حكم محكمة القضاء المستعجل، باعتبار حركة حماس منظمة "إرهابية"، في 28 فبراير/شباط الماضي. ولم يكن حكم القضاء المصري ضد حركة "حماس" الأول من نوعه، فسبقه حكم آخر باعتبار الجناح العسكري للحركة (كتائب القسام) حركة إرهابية.
وأصدر السيسي مطلع الشهر الحالي، قانون الكيانات الإرهابية، الذي توسّع بشكل كبير ليسمح بضم كيانات وجماعات معارضة ضمن القائمة باعتبارها "إرهابية". وبدأ النظام المصري الجديد حالة من العداء لحركة "حماس"، في مقابل العلاقات التي توطدت بشكل كبير مع إسرائيل عقب 3 يوليو/تموز 2013، بالانقلاب على مرسي.
بيد أن مراقبين اعتبروا الحكم القضائي الخاص بحركة "حماس"، ما هو إلا محاولة للضغط على الحركة أكثر، للمساعدة في ضبط الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة، وضبط حركة التهريب، وانتقال السلاح عبر الحدود.
ويقول الخبير في العلاقات العربية في مركز الأهرام للدراسات السياسية، وحيد عبد المجيد، إن علاقات النظام الحالي مع حركة "حماس" متوترة للغاية، لجهة إمكانية تقديم الحركة دعماً بشكل أو بآخر لجماعة "الإخوان المسلمين" بالداخل المصري.
ويلفت إلى "أن هناك محاولات للضغط على الحركة، في سبيل التعامل مع الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، ووقف حركة التهريب وتحديداً الأسلحة وانتقال المتشددين عبر الحدود"، مشيراً إلى أن "حماس عليها مسؤوليات باعتبارها المسيطر على قطاع غزة، وبالتالي فهي مطالبة بالتعاون مع الجانب المصري في القضايا المتعلقة بالأمن القومي المصري".
لكن عبد المجيد يعتبر أن النظام المصري الحالي يتعامل مع "حماس" ليس باعتبارها "إرهابية"، وهو ما ظهر في الطعن على الحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة قبل نحو شهر تقريباً، مؤكداً أن "حماس تظل "مقاومة"، ولكن لا بد من الاتجاه بقوة لتشكيل حكومة موحّدة في فلسطين، وما تقوم به مصر هو نوع من الضغط في هذا الإطار".
اقرأ أيضاً: هنية بذكرى مؤسس "حماس": لا معارك مع أشقائنا العرب
في المقابل، يقول الدبلوماسي المصري السفير إبراهيم يسري، إن العلاقات مع "حماس" لا يجب أن تتأثر كثيراً بالعلاقة مع "الإخوان"، نظراً لأن الحركة تُعتبر حركة مقاومة، والتعامل معها بالصورة الحالية يُضعف من مقاومتها للنظام الحالي.
ويلفت يسري إلى أن النظام الحالي لم يُقدّم أدلة على تورط الحركة في أعمال عنف، سواء في سيناء أو غيرها، معتبراً الموقف السلبي من أي حركة مقاومة مخزياً، مشيراً إلى أن "النظام الحالي يمارس ضغوطاً على الحركة، ولكن لا يجب أن تصل إلى ساحات القضاء ويكون هناك موقف سلبي، لأن أي موقف كهذا يُعدّ انتصاراً لإسرائيل".
وفي سياق الضغوط المصرية على الحركة بشأن تأمين الحدود بين سيناء وقطاع غزة، تكشف مصادر في حركة "حماس"، لـ"العربي الجديد"، أن الحركة نشرت قوات أمنية تابعة لها على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، بغرض تأمينها ومنع تسلل أي من العناصر بين المنطقتين.
وتقول المصادر، التي فضّلت عدم نشر اسمها، إن خطوة الحركة جاءت بغرض تأكيد التعاون مع الجانب المصري لتأمين الحدود، وردّ أي اتهامات حول تورط الحركة في الحوادث الإرهابية التي تشهدها شبه جزيرة سيناء المحاذية للقطاع، موضحة أن نشر القوات الحدودية الفلسطينية جاء بعد اللقاء الذي أجرته قيادة حركة "الجهاد الإسلامي"، مع رئيس جهاز الاستخبارات المصري اللواء خالد فوزي، خلال زيارة وفد "الجهاد" لمصر، مطلع الشهر الحالي.
ويأتي تأكيد "حماس" على تأمين الحدود بعد أربعة أيام على طعن الحكومة المصرية، في 11 مارس/آذار الحالي، على الحكم باعتبار الحركة منظمة إرهابية.
السيسي ودحلان
وبدا أن هناك أزمة "مكتومة" بين السلطة الفلسطينية والنظام المصري، خصوصاً مع دعم الأخير لدحلان، الذي لم يَكُف عن مهاجمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في لقاءات إعلامية، متهماً إياه بـ"تدمير حركة فتح والنسيج الاجتماعي للفلسطينيين ومؤسسات القضاء".
في المقابل امتدح دحلان، السيسي، قائلاً: "هبة من الله لإنقاذ الشعب المصري ومصر وإنقاذ فلسطين وأهلها، وإنقاذ العرب كذلك من التفكك والدمار الذي تعاني منه أمتهم على مدار السنوات الماضية".
فيما قالت مصادر في السفارة الفلسطينية في القاهرة، إن هناك حالة غضب لدى السلطة جراء حماية النظام المصري شخصيات مطلوبة للعدالة في فلسطين، على خلفية قضايا منظورة أمام القضاء تتعلق بفضائح مالية.
ووجّهت هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية مذكرة إلى وزارة الخارجية في رام الله، لمخاطبة السفارات الفلسطينية في خمس دول، للطلب من السلطات فيها تسليم "متهمين بقضايا فساد"، على صلة بدحلان. وطلبت السلطات القضائية الفلسطينية من السفارة في القاهرة التدخل لدى السلطات المصرية، لتسليم قائد جهاز الأمن الوقائي السابق في قطاع غزة رشيد أبو شباك.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2013، رفضت مصر طلباً للسلطة لتسليم أبو شباك، الذي يقيم في مصر ويتنقل إلى الإمارات. وتشير المعلومات المتوفرة، إلى أن الطلب الفلسطيني لتسليم أبو شباك، جاء وفق القنوات الرسمية المخصصة لتلك الأمور، إلا أن قراراً سياسياً مصرياً رفض تسليمه للسلطة على الرغم من أنه يعيش في القاهرة الجديدة.