بات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مدركاً أكثر من أي وقت مضى لاتّساع الهوّة بينه وبين الشباب، تحديداً مع الفئة العمرية دون الـ30 عاماً، التي شاركت، أو كانت شاهدة، على ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ومراحل صعود وهبوط الحراك الثوري المصري على مدار السنوات الخمس الماضية. وهي نفسها الشريحة العمرية التي شكّلت النسبة الأكبر من المشاركين، يوم الجمعة، في تظاهرات "جمعة الأرض"، التي طالبت بإسقاط النظام، لا فقط على خلفية ترسيم جزيرتي تيران وصنافير مع السعودية، بل لتردّي الأوضاع الحقوقية والاقتصادية بشكل عام وسوء الإدارة السياسية، وهو ما انعكس على هتافات المتظاهرين. كما يتوقع كثر تكرار مشهد "جمعة الأرض" في 25 أبريل/ نيسان الحالي، في ذكرى تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.
ويبدو أن بروز فكرة الدعوة لـ"جمعة الأرض" وانتشارها في أوساط الشباب، تحديداً على مواقع التواصل الاجتماعي، كان الدافع الرئيسي للسيسي لإجراء زيارة استثنائية إلى منطقة هضبة الجلالة بصحراء السويس، التي من المقرر أن ينشئ فيها الجيش مدينة وجامعة باسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز وميناءً لليخوت السياحية، محاولاً التغطية على أحداث وتأثير التظاهرات ضد النظام بالقاهرة، وأن يصطحب معه عدداً من الشباب وأن يتعمّد توجيه رسائله لهم، باعتبار أنه سبق وأعلن أن "عام 2016 مخصص للشباب والنهوض بهم".
وكانت هذه الزيارة ملائمة تماماً ليعلن السيسي للمرة الأولى نيته في إنشاء كيان جامع للشباب المصري، تحت اسم "شباب دعم مصر"، وهي الفكرة التي انفرد "العربي الجديد" بكشف تفاصيلها في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بالتزامن مع بدء العمل في "البرنامج الرئاسي لإعداد الشباب للقيادة". وهو البرنامج الذي صمّمته الدائرة الاستخباراتية ـ الرقابية التي شكلها السيسي لإدارة المشهد السياسي، وتجهيز جيل جديد من الشباب المنتمين للنظام والمؤيدين للسيسي، بعد التأكد أمنياً من عدم انتمائهم ﻷي تيار معارض، ووضعهم في مواقع المسؤولية الحكومية.
ويتكامل المشروعان: "الكيان الجديد للشباب" و"برنامج إعداد القادة". وذلك في محاولة لإعادة صياغة المشاريع السياسية السابقة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، مثل "التنظيم الطليعي" و"منظمة الشباب" في ستينيات القرن الماضي، و"جمعية جيل المستقبل" و"شباب أمانة السياسات" بالحزب الوطني المنحلّ، في مطلع الألفية الجديدة. وكانت هذه المشاريع تقوم على تفريخ مسؤولين شباب جدد موالين للنظام الحاكم، وضمّهم لهيئة حزبية شبه نظامية موحّدة، تضمن استمرارية تحكّم النظام في مفاصل الدولة، وتوغله في الأوساط الشبابية.
وتكشف مصادر حكومية مصرية، أن السيسي أصدر توجيهات منذ الشهر الماضي، لوزير الشباب المقرّب منه خالد عبد العزيز، لوضع تصور شامل لإنشاء هذا الكيان الجديد للشباب. على أن يضمّ في عضويته جميع المقبولين للدراسة في "برنامج إعداد القادة"، وكذلك المجموعة المعروفة بـ"شباب الإعلاميين"، الذين اختارهم مكتب السيسي منذ أشهر عدة، وقرّبهم على حساب الحرس القديم في الإعلام المصري، وتم توزيعهم على الصحف والمؤسسات الإعلامية الموالية للنظام لتحسين صورته.
وتضيف المصادر بأن "السيسي أمر بأن يكون هذا الكيان الجديد في شكل هيئة حكومية ذات أنشطة اجتماعية، لا في صورة حزب سياسي، محاولاً تلافي عيوب النماذج السابقة في عهدي ناصر ومبارك، على أن تفتح هذه الهيئة فروعاً لها في جميع مراكز الشباب التي تديرها وزارة الشباب على مستوى الجمهورية. بالإضافة إلى تقديمها خدمات دراسية وتعليمية ورياضية واجتماعية للشباب، المنتسبين لهذه الهيئة".
وتوضح المصادر أن "وزير الشباب يعقد اجتماعات مكثفة مع مستشاريه القانونيين، بمتابعة خاصة من اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي، لصياغة طريقة عمل الهيئة وشكلها القانوني بصورة نهائية خلال شهر مايو/ أيار المقبل، على أن يعلن السيسي إطلاقها رسمياً في إحدى المناسبات الرسمية قبل نهاية العام الحالي".
ويرى مراقبون أن "السيسي يعمد بإنشاء هذا الكيان الجديد وربطه ببرنامج إعداد القادة، الذي بدأ في استقبال الراغبين في الالتحاق بالدفعة الثانية منه، للتأكيد على أن الانتماء لنظامه والمساعدة في نجاحه، هو السبيل الوحيد أمام الشباب الطامح للعمل أو الانخراط في الوظيفة الحكومية. كما يحاول بذلك تحقيق خرق في أوساط الشباب في المراحل الدراسية والجامعية وما بعد الجامعية، وخلق تيار موالٍ له في مواجهة التيارات المعارضة".
ويأتي إعلان السيسي عن إنشاء هذا الكيان الشبابي كإجراء شكلي آخر، سيتم تسويقه والترويج له، كدليل على اهتمام النظام الحاكم في مصر بالشباب وتشغيلهم، فضلاً عن اهتمامه بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهم، قبل زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، القاهرة، اليوم الأحد. ومن المتوقع أن تطرح أسئلة فرنسية "ملحّة" عن أوضاع حقوق الإنسان والشباب في مصر، تحديداً على خلفية قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وإعادة فتح قضية التمويل الأجنبي لمنظمات حقوق الإنسان، ورصد التوسّع الحكومي في عمليات الإخفاء القسري للطلاب والشباب، وإحالتهم للمحاكمات وإصدار أحكام سياسية ضدهم لكونهم معارضين للنظام.
في هذا السياق، تقول مصادر دبلوماسية مصرية، إن "الدفعة الثالثة من مساعدي الرئيس الفرنسي التي وصلت القاهرة صباح الجمعة، طرحت أسئلة عن سبب خروج تظاهرات جمعة الأرض، كما عبّرت في اجتماعات بمسؤولين دبلوماسيين مصريين عن قلقها إزاء ما نقلته منظمات حقوقية مصرية وأخرى دولية عاملة في مصر إلى قصر الرئاسة الفرنسية، من معلومات عن تراجع الاهتمام بحقوق الإنسان في مصر، وتصدي الدولة بعنف للحركات الشبابية السياسية والحقوقية".
وتضيف المصادر الدبلوماسية أن "مستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الدبلوماسية التقى مساء الخميس، بممثلين لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، والرابطة الفرنسية الحقوقية، الذين أبلغوه بأن مصر تشهد حالياً تدهوراً كارثياً في المجال الحقوقي، وأن السجون تمتلئ بعشرات الآلاف، معظمهم من الشبان والطلاب المتهمين بالانتماء لتنظيمات إسلامية، أو الانخراط في مجموعات مناهضة للنظام تطالب بتحقيق أهداف ثورة 2011".
كما توضح المصادر أن "التساؤلات الفرنسية لن تجد في الغالب إجابات شافية من السيسي، الذي سيركز كالعادة على مستجدات التعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي والعسكري"، مرجّحة أن "يقتصر حديث السيسي في هذا الملف من واقع أحاديثه السابقة عن الشباب وحقوق الإنسان، وأن يبرز إعلانه الأخير بإنشاء الكيان الموحد للشباب وبدء تخريج قادة إداريين شبان من برنامجه الرئاسي لإعداد القادة كدلائل على اهتمام نظامه بالشباب".