بعد 3 ساعات من مغادرته موقعه عاد الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي المصري السابق، من جديد إلى البنك، وذلك عبر بوابة المجلس التنسيقي الذي تقرر تفعيله مجدداً، للمساعدة في وضع أهداف السياسة النقدية للبلاد التي تواجه أزمة عملة طاحنة، والتنسيق ما بين السياسات المالية والاقتصادية والنقدية المختلفة والمتضاربة في بعض الأحيان.
وأشاعت عودة المحافظ السابق فاروق العقدة من جديد إلى المركزي من خلال المجلس التنسيقي جواً من التفاؤل بين المصرفيين في وقت تواجه فيه مصر أزمة عملة ومتاعب اقتصادية جمة.
ومن خلال موقعه الجديد سيساهم العقدة -الذي قاد البنك المركزي طوال نحو عشر سنوات حتى استقالته في فبراير/ شباط 2013- في وضع أهداف السياسة النقدية مع عدد من أبرز المسؤولين الحكوميين والخبراء الاقتصاديين.
ويأتي الإعلان عن تشكيل المجلس التنسيقي قبل يوم واحد من تولي المحافظ الجديد للبنك المركزي طارق عامر مهام منصبه خلفاً لهشام رامز.
ووفقاً للقانون "يضع المجلس التنسيقي أهداف السياسة النقدية بما يحقق الاستقرار في الأسعار وسلامة النظام المصرفي".
ونشرت الجريدة الرسمية المصرية، اليوم الخميس، قراراً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإعادة تشكيل المجلس التنسيقي للبنك المركزي، وتعيين العقدة ومحمد العريان وعبلة عبداللطيف فيه كأعضاء من ذوي الخبرة.
والعريان خبير اقتصادي عالمي مصري الأصل يشغل حالياً منصب كبير المستشارين الاقتصاديين في مجموعة أليانز الألمانية. ويعد واحداً من أبرز مديري الأموال حول العالم وفي العام الماضي استقال العريان من منصب الرئيس التنفيذي بشركة بيمكو أكبر شركة في العالم لإدارة صناديق السندات.
وتشغل عبلة عبد اللطيف منصب رئيسة المجلس الاستشاري الاقتصادي للسيسي.
كما يضم المجلس التنسيقي للبنك المركزي المصري، الذي يرأسه، حسب القانون، رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، سبعة أعضاء من الحكومة والبنك المركزي، هم: محافظ البنك المركزي ووزراء الاستثمار والمالية والتجارة والصناعة ونائبا محافظ المركزي ووكيل المحافظ للسياسة النقدية.
وقال أحد أعضاء البنك المركزي المصري لرويترز اليوم الخميس مشترطاً عدم نشر اسمه "قرار تشكيل المجلس اليوم هو إعادة إحياء وتفعيل للمجلس من جديد. لكن كنت أعتقد أن وزير التخطيط لابد أن يكون ضمن أعضاء المجلس وهو ما لم يحدث".
وأضاف: "المجلس يحتاج لخبراء مستقلين لهم دراية واسعة بالسياسات النقدية والسياسات المالية وهو ما يتوافر في القيادات السابقة التي عملت في البنك المركزي".
وجرى تشكيل أول مجلس تنسيقي للبنك المركزي في عام 2005، ولكن لم يضطلع فعلياً بدور نشط في رسم سياسات البنك منذ ذلك الحين، رغم أن القانون ينص على أن يعقد المجلس اجتماعاته مرة واحدة على الأقل كل ثلاثة أشهر، أو كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
وعلى مدى عقد كامل، كان فاروق العقدة أهم شخصية مصرفية في مصر منذ توليه منصب محافظ المركزي في العام 2003 إلى أن ترك منصبه في نهاية عام 2012، ونجح خلال تلك الفترة في إعادة هيكلة القطاع المصرفي في البلاد ومواجهة مشكلة الديون المتعثرة التي كادت أن تعصف بالقطاع وإعادة الاستقرار لسوق الصرف ووضع نظم قوية للرقابة على القطاع المصرفي وإدخال تقنيات جديدة للعمل المصرفي بالبلاد، كما تم اختيار العقدة كأفضل محافظ بنك مركزي على مستوى منطقة الشرق الأوسط من قبل مؤسسات عربية وعالمية كبرى منها اتحاد المصارف العربية.
اقرأ أيضاً: احتياطي مصر الأجنبي بالسالب لأول مرة منذ 23 عاماً
وسبق أن عمل طارق عامر المحافظ الجديد للبنك المركزي مع العقدة كنائب له في الفترة بين عامي 2003 و2008.
وتواجه مصر، التي تعتمد بشدة على استيراد الأغذية وغيرها من السلع الاستراتيجية كالكسر والزيوت والقمح والذرة، أزمة نقد أجنبي يعزوها كثير من الخبراء الاقتصاديين، إلى أن الجنيه مقوم بأعلى من قيمته الحقيقية، إضافة إلى تراجع موارد البلاد من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية.
كما تمر مصر بمصاعب اقتصادية منذ ثورة يناير 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك الذي استمر 30 عاماً. ومنذ ذلك الحين يحجم المستثمرون الأجانب والسياح الذين تعتمد عليهم مصر كمصدر للعملة الأجنبية عن المجيء. وساءت الأوضاع بدرجة أكبر إثر تحطم طائرة روسية في مصر الشهر الماضي تقول موسكو إنه حدث بسبب قنبلة محلية الصنع.
وتراجعت احتياطيات العملة الأجنبية من 36 مليار دولار قبل ثورة 2011 إلى حوالى 16.4 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مما لا يتيح للبنك المركزي الذخيرة الكافية للدفاع عن الجنيه المصري في مواجهة الضغوط المتزايدة.
وقال السيد القصير رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية والعمال المصري لرويترز "عودة العقدة للمشهد تمثل إضافة هامة للمجلس لأنه على اطلاع وعلم وخبرة بما يدور في الشأن الاقتصادي المصري وتحديات المرحلة".
ووصف هاني جنينة رئيس البحوث في شركة فاروس القابضة في تصريحات لقناة العربية قرار عودة العقدة للبنك المركزي بأنه "جاء في وقت مناسب جداً، قائلاً إن أهمية المجلس التنسيقي في هذه المرحلة أن مصر ستشهد تحولاً تدريجياً من سياسة تثبيت سعر الصرف إلى سياسة أكثر مرونة.
ويرى أحمد خير الدين وهو محلل ومصرفي سابق أن العقدة سيكون "حلقة وصل جيدة" بين المركزي وقطاع الأعمال وشركات الصرافة، لكنه قال "الوضع صعب والاصلاحات الآن أهم من الأشخاص... المهم هو إجراء إصلاحات في سوق الصرف وفي ميزان المدفوعات والميزان التجاري".
وتابع "نتمنى أن يلعب العريان دوراً أكثر فاعلية في المجلس التنسيقي الجديد".