يشهد لبنان حرب شائعات منظّمة، تهدف لإسقاط الانتفاضة الشعبيّة، وتعتمد على الفبركة والتحريض والتقصير الإعلامي لبثّ فتنةٍ طائفيّة لا يزال الوعي في الشارع ينتصر عليها.
شائعات من كلّ حدبٍ وصوب تصل إلى اللبنانيين في بيوتهم والشارع عبر تطبيق التراسل الفوري "واتساب"، لحظةً بلحظة، تهدف إلى ترهيبهم، وتتمحور حول التخويف من الحرب الأهلية والاشتباكات الداخلية، وفق نظرية "شارع مقابل شارع" التي حاولت السلطة السياسية التسويق لها، من دون أن تلقى حتى الآن مَن ينجرّ إليها، رغم اعتداءات البلطجية على المتظاهرين. كلّ ذلك، في ظلّ تقصير إعلامي بفتح ملفات الفساد وفوضى على الشاشات تلاحق المتظاهرين وتنقل أحاديثهم الخاصّة مباشرةً على الهواء باستثناء حلقة عرضتها قناة "الجديد" ليل أمس، عنوانها "يسقط حكم الفاسد"، وتضمنت تحقيقات سابقة لصحافييها تكشف ملفات فساد، إضافةً إلى حملة التحريض التي لم يوقفها إعلام "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، يجعل من الصورة اليومية في لبنان متوتّرة طوال النهار إلى حين اتّضاحها ليلاً مع الكشف عن الحقائق وفضح الأكاذيب.
ليس في لبنان مَن كان يتوقّع انفجار الشارع واستمرار الانتفاضة الشعبية 15 يوماً متتالياً. وليس في لبنان مَن كان يتوقّع حجم المؤامرة المنظّمة على تلك الانتفاضة، أو يتحضّر لها جيداً، خصوصاً في ظلّ دخول أكثر من طرفٍ على خطّ التحريض، وانشغال أجهزةٍ وأحزاب بنشر دعواتٍ مفبركة مختلفة لتظاهرات وبياناتٍ عسكرية، بالإضافة إلى تبادل مقاطع صوتيّة تتضمّن تهديداتٍ للمتظاهرين في بيروت، على غرار هجوم بلطجية "حركة أمل" و"حزب الله" عليهم هذا الأسبوع. ولعلّ انشغال قسم كبير الصحافيين اللبنانيين في التغطية على الأرض أو المشاركة في التظاهرات ومحاولة التحقّق من الأخبار ومقاطع الفيديو التي تصل من مختلف المناطق، وسرعة تدفّقها، كلّها عوامل تتسبّب في انتشار الشائعات قبل القدرة على نفيها. هنا، تتدخل السلطة، بأحزابها ومؤامرتها والبروباغندا الرافضة لتحصيل اللبنانيين لحقوقهم، على الخطّ لخلق بلبلةٍ حول العنف الطائفي والاشتباك مع القوى الأمنية، ما يدفع قسماً من المتظاهرين للانسحاب خوفاً من تكرار سيناريو الاعتداء.
اقــرأ أيضاً
استمرّ هذا المشهد خلال الأسبوعين الماضيين، لكنّ أسوأ لحظاته كانت ليل الأربعاء والتي استمرّت تأثيراتها حتى أمس الخميس. إذ إنّ أخباراً من مختلف المناطق اللبنانية وردت عبر "واتساب" تحدّثت عن إعلان عصيان مدني واشتباكات مع الجيش وإغلاق طرقات بالإطارات المشتعلة وغيرها، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية السنية (قيل إنّ ذلك تضامناً مع رئيس الحكومة المخلوعة سعد الحريري)، في ظلّ تعتيم إعلامي لساعات (كانت تبثّ مسلسلاتها) استنكره اللبنانيون على مواقع التواصل فبثّوا صوراً ومقاطع فيديو وردت إليهم كي لا تبقى الصورة معتمة، متسائلين عن حقيقة ما يحدث. وبعد حوالى ثلاث ساعات، عادت القنوات لتنقل مباشرةً من مناطق لم يكن فيها أي إشكالات، ليتبيّن بعدها أنّ تهويلاً كبيراً حصل، مدفوعاً بشائعات وأخبار كاذبة، جلّها يتضمّن تحريضاً طائفياً (خصوصاً في الشارعين السني والشيعي)، كان يمكن أن يؤدي "لأحداث لا تحمد عقباها"، وجرى احتواؤه عبر تضامن اللبنانيين مع بعضهم، ورفضهم الانجرار وراء الفتنة، وبثّهم للأخبار الحقيقية.
"التعتيم الإعلامي" أتى بعد انتشار أخبار خلال الأسبوعين الماضيين عن ضغوطات مورست على الإعلام اللبناني كي يُخفض نسبة التغطية تمهيداً لإيقافها لاحقاً، تحت طائلة فتح ملفات فساد تطاول تلك القنوات. وقامت بعدها قنوات "إم تي في" و"إل بي سي آي" و"الجديد" بإعادة فتح الهواء للسياسيين، بعدما كانت تأخذ تصريحات مواطنين فقط. هذا في ظلّ لعب قنوات "المنار" و"إن بي إن" و"أو تي في" دور المحرّض على المتظاهرين، متذرعةً بنظريّة المؤامرة. واستمرّت تلك القنوات بلعب هذا الدور، بدفعٍ كبير من الكتائب الإلكترونيّة المؤيّدة لخطّها. إذ بعد استخدام "حلف العهد" للعنصرية والطائفية والتخويف كذريعةٍ لبثّ الفتنة، ذهبوا أمس الخميس إلى اتّهام المتظاهرين بالتطبيع مع العدو الإسرائيلي، مركزين على فتاةٍ ظهرت فجأة على القنوات الإعلامية تقول إنّها "ضد الكراهية"، فسارع المتظاهرون إلى إصدار بيانٍ يؤكّد عداءهم لإسرائيل.
كما يستمرّ هذا الحلف بتهديد المتظاهرين مع انتشار دعواتٍ إلى التظاهر في عين التينة (مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري)، إذ نشر مؤيدون لحركة أمل (من المشاركين في الاعتداء على المتظاهرين في وسط بيروت) تدويناتٍ ساخرة ومحرّضة، تقول إنّ "التظاهر يوم الجمعة والدفن يوم الأحد".
أصرّ اللبنانيون المشاركون في الانتفاضة على عدم الإنجرار للفتنة، مشدّدين على انتصار الوعي، ومطالبهم بإسقاط النظام الطائفي وليس فقط الحكومة، داعين إلى حكومة تكنوقراط وانتخابات نيابية مبكرة خارج القيد الطائفي وانتخابات رئاسيّة. صمودٌ تعمل السلطة في مقابله على زعزته بشائعات أخرى وتنمّر وتحريض وتشهير أكبر.
ليس في لبنان مَن كان يتوقّع انفجار الشارع واستمرار الانتفاضة الشعبية 15 يوماً متتالياً. وليس في لبنان مَن كان يتوقّع حجم المؤامرة المنظّمة على تلك الانتفاضة، أو يتحضّر لها جيداً، خصوصاً في ظلّ دخول أكثر من طرفٍ على خطّ التحريض، وانشغال أجهزةٍ وأحزاب بنشر دعواتٍ مفبركة مختلفة لتظاهرات وبياناتٍ عسكرية، بالإضافة إلى تبادل مقاطع صوتيّة تتضمّن تهديداتٍ للمتظاهرين في بيروت، على غرار هجوم بلطجية "حركة أمل" و"حزب الله" عليهم هذا الأسبوع. ولعلّ انشغال قسم كبير الصحافيين اللبنانيين في التغطية على الأرض أو المشاركة في التظاهرات ومحاولة التحقّق من الأخبار ومقاطع الفيديو التي تصل من مختلف المناطق، وسرعة تدفّقها، كلّها عوامل تتسبّب في انتشار الشائعات قبل القدرة على نفيها. هنا، تتدخل السلطة، بأحزابها ومؤامرتها والبروباغندا الرافضة لتحصيل اللبنانيين لحقوقهم، على الخطّ لخلق بلبلةٍ حول العنف الطائفي والاشتباك مع القوى الأمنية، ما يدفع قسماً من المتظاهرين للانسحاب خوفاً من تكرار سيناريو الاعتداء.
استمرّ هذا المشهد خلال الأسبوعين الماضيين، لكنّ أسوأ لحظاته كانت ليل الأربعاء والتي استمرّت تأثيراتها حتى أمس الخميس. إذ إنّ أخباراً من مختلف المناطق اللبنانية وردت عبر "واتساب" تحدّثت عن إعلان عصيان مدني واشتباكات مع الجيش وإغلاق طرقات بالإطارات المشتعلة وغيرها، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية السنية (قيل إنّ ذلك تضامناً مع رئيس الحكومة المخلوعة سعد الحريري)، في ظلّ تعتيم إعلامي لساعات (كانت تبثّ مسلسلاتها) استنكره اللبنانيون على مواقع التواصل فبثّوا صوراً ومقاطع فيديو وردت إليهم كي لا تبقى الصورة معتمة، متسائلين عن حقيقة ما يحدث. وبعد حوالى ثلاث ساعات، عادت القنوات لتنقل مباشرةً من مناطق لم يكن فيها أي إشكالات، ليتبيّن بعدها أنّ تهويلاً كبيراً حصل، مدفوعاً بشائعات وأخبار كاذبة، جلّها يتضمّن تحريضاً طائفياً (خصوصاً في الشارعين السني والشيعي)، كان يمكن أن يؤدي "لأحداث لا تحمد عقباها"، وجرى احتواؤه عبر تضامن اللبنانيين مع بعضهم، ورفضهم الانجرار وراء الفتنة، وبثّهم للأخبار الحقيقية.
"التعتيم الإعلامي" أتى بعد انتشار أخبار خلال الأسبوعين الماضيين عن ضغوطات مورست على الإعلام اللبناني كي يُخفض نسبة التغطية تمهيداً لإيقافها لاحقاً، تحت طائلة فتح ملفات فساد تطاول تلك القنوات. وقامت بعدها قنوات "إم تي في" و"إل بي سي آي" و"الجديد" بإعادة فتح الهواء للسياسيين، بعدما كانت تأخذ تصريحات مواطنين فقط. هذا في ظلّ لعب قنوات "المنار" و"إن بي إن" و"أو تي في" دور المحرّض على المتظاهرين، متذرعةً بنظريّة المؤامرة. واستمرّت تلك القنوات بلعب هذا الدور، بدفعٍ كبير من الكتائب الإلكترونيّة المؤيّدة لخطّها. إذ بعد استخدام "حلف العهد" للعنصرية والطائفية والتخويف كذريعةٍ لبثّ الفتنة، ذهبوا أمس الخميس إلى اتّهام المتظاهرين بالتطبيع مع العدو الإسرائيلي، مركزين على فتاةٍ ظهرت فجأة على القنوات الإعلامية تقول إنّها "ضد الكراهية"، فسارع المتظاهرون إلى إصدار بيانٍ يؤكّد عداءهم لإسرائيل.
كما يستمرّ هذا الحلف بتهديد المتظاهرين مع انتشار دعواتٍ إلى التظاهر في عين التينة (مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري)، إذ نشر مؤيدون لحركة أمل (من المشاركين في الاعتداء على المتظاهرين في وسط بيروت) تدويناتٍ ساخرة ومحرّضة، تقول إنّ "التظاهر يوم الجمعة والدفن يوم الأحد".
أصرّ اللبنانيون المشاركون في الانتفاضة على عدم الإنجرار للفتنة، مشدّدين على انتصار الوعي، ومطالبهم بإسقاط النظام الطائفي وليس فقط الحكومة، داعين إلى حكومة تكنوقراط وانتخابات نيابية مبكرة خارج القيد الطائفي وانتخابات رئاسيّة. صمودٌ تعمل السلطة في مقابله على زعزته بشائعات أخرى وتنمّر وتحريض وتشهير أكبر.