31 أكتوبر 2024
الشباب المغربي وعدم الثقة في السياسة
تدرك الحكومات والتنظيمات الحزبية الدور المركزي والحيوي للشباب في العمل السياسي في أي دولة، فهم طليعة كل المعارك الديمقراطية والسياسية، وهم قاطرة التغيير، بل الشباب شرط أساسي لأي تغيير، ولأي تقدم سياسي أو اجتماعي. وتقع معارضتهم العفوية والتلقائية ضمن هذه الزاوية، والشباب هو، بمعنى من المعاني، مشتل الإبداع والابتكار والتجديد، وليست هذه الظاهرة جديدة، فعلى امتداد كل الحركات الجماهيرية الكبرى التي بصمت تاريخ الشعوب، فالشباب هم الذين كانوا يتقدّمون الصفوف، مدفوعين برغبةٍ قويةٍ في التغيير بحماسة وشجاعة وحيوية. وتفاعلا مع هذه العناصر، يجري السؤال هنا: هل يمكن اعتبار الشباب المحرّك الأساسي للتاريخ، أم هو أداة طيعة في يد قادته الذين يستغلون مؤهلاته وأخطائه على حد سواء لصالحهم؟
شباب اليوم أكثر توجها وانتماء إلى المستقبل، لا يهتمون إلا نادرا بالماضي ووقائع التاريخ. وليس للتقاليد قيمة كبيرة برأيهم مقارنة مع الآفاق المستقبلية، وهذا طبيعي، لأن الثورات التكنولوجية عمقت الفارق بين انشغالات الأمس واليوم. وهذا ما يحتم على القوى السياسية، خصوصا في المنطقة العربية، تكييف أفكارها وأطروحاتها ومشاريعها وممارستها السياسية مع التطور الحاصل في كل المجالات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واعتماد منهجية جديدة ومقاربة بديلة في التعامل مع الشباب، وهذه مسألة ضرورية وحتمية تاريخية.
في السياق المغربي، وفي ظل تراجع الفعالية التنظيمية والتأطيرية للأحزاب، أصبحت شبكات
التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدي هي التي تلعب الدور المحوري في تشكيل الوعي السياسي للشباب، وداخل المجتمع، خصوصا في ظل التعامل التقليدي الذي تتبناه الأحزاب في كيفية إشراك الشباب في صناعة القرار وتحمل المسؤولية في الهياكل الحزبية، ما يضع عراقيل وحواجز موضوعية أمام عملية تجديد النخب، وإفساح مجال أوسع للشباب للتعبير عن آرائه وأفكاره وطموحاته. وكون فئات عريضة من الفعاليات الشبابية تواجه هذه الصعوبات، وتجد نفسها مطوّقة بقواعد جامدة، ومعايير غير متحرّكة ومرنة، تختار الانسحاب من معترك السياسية مجسّدة بذلك حالة من النفور، وسلوكا متمرّدا فيه جرعة كبيرة من السخط والاستياء تجاه القيادات الحزبية السلطوية، كما أن هذا الواقع يكرّس، أحببنا أم كرهنا، العزوف الانتخابي وعدم الثقة في خطاب الفاعل السياسي وممارسته، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بغياب مشاريع سياسية واضحة ومقنعة.
يتشكل الحقل السياسي المغربي من أزيد من 30 حزبا، فهل معنى هذا أن كل حزب يمتلك مشروعا سياسيا، أم أن معظم الأحزاب دكاكين انتخابية، لكونها لا تنشط ولا تتحرّك إلا مع اقتراب المواعيد الانتخابية؟
هناك مؤشرات تسائل كل مكونات الحقل الحزبي المغربي، منها التي تنطوي على دلالة قوية، هو ابتعاد أغلب وأهم الأحداث الأساسية للأحزاب عن شريحة الشباب والعالم القروي، وكأنه ليس من حق هؤلاء الشباب أن يشاركوا في تدبير الشأن العام، أو أنهم مجرد خزان احتياطي من الأصوات التي تمكّن عددا من السياسيين من الوصول إلى السلطة وادعاء الدفاع عن مصالح هذه الشريحة الاجتماعية، وإن كان هؤلاء السياسيون لا يعرفون بدقة لا الحاجيات ولا السياق الاقتصادي والاجتماعي الذي يحكم انشغالات الشباب وتطلعاتهم.
وما يلاحظ أيضا أن إيمان شباب اليوم بالسياسة في انحسار وتراجع، ولا يحتل سوى مساحة ضيقة، لأن نسبة انخراط الشباب في الأحزاب السياسية المغربية بناء على معطيات المندوبية السامية للتخطيط ضئيلة جدا، وتعكس وضعا مأساويا ومقلقا بامتياز.
مؤكد أن فئة الشباب تقدّم جملة من الأسباب التي تزرع فيها بذور اليأس، وتوطد بدواخلها مشاعر الإحباط والتفكير العدمي والسلبي، فهي تعتبر أن رجال السياسة وقادة الأحزاب، والذين يمسكون بزمام الأجهزة التقريرية، ويتحكّمون في تحديد التوجهات والاختيارات، هم الذين
يظهرون عدم اهتمامهم بالشباب، حيث يرون فيهم أشخاصا غير ناضجين، ولا متزنين بما يكفي، ويريدون فقط الوصول إلى القمة، من دون تقديم تضحياتٍ أو بذل مجهودات، وبسرعة ينفد صبرهم. هذا التمثل غير العلمي وهذا الإدراك القابل للنقاش والمثير للجدل، والذي ينطلق منه بعض المسؤولين الحزبيين، يدفع جزءا كبيرا من الشباب إلى كبح جماح طموحاتهم، والحد من اندفاع تفاؤلهم تجاه الآفاق التي يتطلعون إليها، والمسارات التي كانوا ينوون السير فيها، والتدرج عبرها للمشاركة في بناء مشروع سياسي، قد يجدون فيه ما يستجيب لانتظاراتهم.
ولا تخفي نسبة كبيرة من الشباب المغربي تذمّرها من سيادة الزبونية والمحسوبية داخل الأحزاب، ومن غياب الديمقراطية الداخلية، وهذا ما يجعل هذه الأحزاب عائقا في وجه التطور الديمقراطي، وتجديد النخب والمشاريع المبتكرة للحلول، علما أن الدستور المغربي ينص على أن من مهام الأحزاب السياسية تأطير المواطنين وتكوينهم، وتطوير مشاركتهم في الحياة الوطنية وإدارة الشأن العام، غير أن بعض القناعات التي ترسّخت لدى الشباب لا تخرج عن نطاق أن الأحزاب التي دبّرت الشأن العام، سواء خلال التناوب التوافقي الذي قاده الاتحادي عبد الرحمن اليوسفي، أو بعد الاستفتاء على دستور 2011، تحولت إلى مجرد أحزابٍ تعرض بعض الخدمات، عوض امتلاك مشاريع سياسية واضحة ومقنعة، بما تتضمنه من أهداف ومشاريع. وهذا ما أصاب الشباب بالنفور وعدم الثقة في السياسة، وفي مختلف الاستحقاقات الانتخابية. وفي المقابل، فضل اللجوء إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تمثل بالنسبة له فضاء مثاليا للتعبير عن شتى المواقف، وفي مختلف الميادين، ولا أعتقد أن هناك من ينفي أن شبكات التواصل الاجتماعي باتت تمارس تأثيرا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتربويا على كل مكونات المجتمع، وفي طليعتها فئة الشباب.
ومن البديهي أن الشعب، وليس الشباب فقط، يهتم بالسياسة، عندما تهتم السياسة بهم. هذه الفكرة يمكن أن تختصر جوهر الشعور الذي يخامر الشباب المغربي تجاه العمل السياسي. وهل تسمح هذه الوضعية بصياغة السؤال: هل يمكن الحديث عن شباب غير متسيس لا يعير اهتماما لما يجري حوله، ولا يبدي رغبةً في الانخراط في أي تنظيم أو المشاركة في أي معركة انتخابية؟ لا يملك هذا السؤال نسبة من المصداقية في السياق المتحدث فيه، لأن التحولات الاجتماعية والمتغيرات الثقافية ومنجزات الثورات التكنولوجية وتطوراتها المتسارعة، خصوصا في مجال الاتصال والتواصل، مكّنت نسبة كبيرة من الشباب من الجنسين من امتلاك وعي سياسي حاد وقادر على اجتراح الحلول والإتيان بالجديد، لكن خيبات الأمل والمواقف غير المشجعة، وتسييج هؤلاء الشباب في تنظيمات موازية للأحزاب، حيث تختزل مساهماتهم في مناقشة بعض القضايا إذا توفرت شروط هذا النقاش.
ويبدو أن الصورة السلبية التي تسوقها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي عن
الأحزاب والقيادات الحزبية، وغياب استراتيجيات فاعلة للتواصل السياسي، وخريطة طريق لتسويق مهني وفعال للمؤسسة الحزبية والمشروع الذي تحمله، هو ما يزكّي الصورة النمطية والسلبية للعمل السياسي، فمعظم منصّات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإلكترونية والورقية لا تكفّ عن الحديث عن انتشار الريْع السياسي، وزرع المقرّبين في الأجهزة الحزبية. وسواء كان هذا صحيحا أم مجرّد تكهنات، فإن مختلف وسائل الإعلام ساهمت في إبعاد الشباب عن السياسة، وقصرت في صناعة نخب جديدة، كونها عمدت إلى تسويق خطابٍ متخشّبٍ، ومتحجر مخالفٍ لما يحبل به الواقع من ديناميات ومعاكس لحقيقة ما يتمتع به الشباب من كفاءات وطاقات كامنة وغير محدودة، علما أن الشباب يهتمون بالسياسة، وشغوفون بها، ويمارسونها يوميا، خصوصا في الوقت الراهن. وهذا لا يمكن تفسيره بشكل ميكانيكي عبر التسجيل في اللوائح الانتخابية، أو عبر نسب المشاركة الانتخابية والانخراط في الأحزاب.
هناك خطاب غير عقلاني وغير واقعي عدمي، يبدع في نشر ثقافة اليأس. وعندما يذهب إلى القول إن شريحة الشباب سلبية بنسبة عالية، تشعر بأن الديمقراطية المغربية لا تشتغل جيدا، وهي مجرد شعارات، وهناك اختلالات بنيوية كثيرة، مقارنة مع ديمقراطيات صاعدة.
شباب اليوم أكثر توجها وانتماء إلى المستقبل، لا يهتمون إلا نادرا بالماضي ووقائع التاريخ. وليس للتقاليد قيمة كبيرة برأيهم مقارنة مع الآفاق المستقبلية، وهذا طبيعي، لأن الثورات التكنولوجية عمقت الفارق بين انشغالات الأمس واليوم. وهذا ما يحتم على القوى السياسية، خصوصا في المنطقة العربية، تكييف أفكارها وأطروحاتها ومشاريعها وممارستها السياسية مع التطور الحاصل في كل المجالات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واعتماد منهجية جديدة ومقاربة بديلة في التعامل مع الشباب، وهذه مسألة ضرورية وحتمية تاريخية.
في السياق المغربي، وفي ظل تراجع الفعالية التنظيمية والتأطيرية للأحزاب، أصبحت شبكات
يتشكل الحقل السياسي المغربي من أزيد من 30 حزبا، فهل معنى هذا أن كل حزب يمتلك مشروعا سياسيا، أم أن معظم الأحزاب دكاكين انتخابية، لكونها لا تنشط ولا تتحرّك إلا مع اقتراب المواعيد الانتخابية؟
هناك مؤشرات تسائل كل مكونات الحقل الحزبي المغربي، منها التي تنطوي على دلالة قوية، هو ابتعاد أغلب وأهم الأحداث الأساسية للأحزاب عن شريحة الشباب والعالم القروي، وكأنه ليس من حق هؤلاء الشباب أن يشاركوا في تدبير الشأن العام، أو أنهم مجرد خزان احتياطي من الأصوات التي تمكّن عددا من السياسيين من الوصول إلى السلطة وادعاء الدفاع عن مصالح هذه الشريحة الاجتماعية، وإن كان هؤلاء السياسيون لا يعرفون بدقة لا الحاجيات ولا السياق الاقتصادي والاجتماعي الذي يحكم انشغالات الشباب وتطلعاتهم.
وما يلاحظ أيضا أن إيمان شباب اليوم بالسياسة في انحسار وتراجع، ولا يحتل سوى مساحة ضيقة، لأن نسبة انخراط الشباب في الأحزاب السياسية المغربية بناء على معطيات المندوبية السامية للتخطيط ضئيلة جدا، وتعكس وضعا مأساويا ومقلقا بامتياز.
مؤكد أن فئة الشباب تقدّم جملة من الأسباب التي تزرع فيها بذور اليأس، وتوطد بدواخلها مشاعر الإحباط والتفكير العدمي والسلبي، فهي تعتبر أن رجال السياسة وقادة الأحزاب، والذين يمسكون بزمام الأجهزة التقريرية، ويتحكّمون في تحديد التوجهات والاختيارات، هم الذين
ولا تخفي نسبة كبيرة من الشباب المغربي تذمّرها من سيادة الزبونية والمحسوبية داخل الأحزاب، ومن غياب الديمقراطية الداخلية، وهذا ما يجعل هذه الأحزاب عائقا في وجه التطور الديمقراطي، وتجديد النخب والمشاريع المبتكرة للحلول، علما أن الدستور المغربي ينص على أن من مهام الأحزاب السياسية تأطير المواطنين وتكوينهم، وتطوير مشاركتهم في الحياة الوطنية وإدارة الشأن العام، غير أن بعض القناعات التي ترسّخت لدى الشباب لا تخرج عن نطاق أن الأحزاب التي دبّرت الشأن العام، سواء خلال التناوب التوافقي الذي قاده الاتحادي عبد الرحمن اليوسفي، أو بعد الاستفتاء على دستور 2011، تحولت إلى مجرد أحزابٍ تعرض بعض الخدمات، عوض امتلاك مشاريع سياسية واضحة ومقنعة، بما تتضمنه من أهداف ومشاريع. وهذا ما أصاب الشباب بالنفور وعدم الثقة في السياسة، وفي مختلف الاستحقاقات الانتخابية. وفي المقابل، فضل اللجوء إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تمثل بالنسبة له فضاء مثاليا للتعبير عن شتى المواقف، وفي مختلف الميادين، ولا أعتقد أن هناك من ينفي أن شبكات التواصل الاجتماعي باتت تمارس تأثيرا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتربويا على كل مكونات المجتمع، وفي طليعتها فئة الشباب.
ومن البديهي أن الشعب، وليس الشباب فقط، يهتم بالسياسة، عندما تهتم السياسة بهم. هذه الفكرة يمكن أن تختصر جوهر الشعور الذي يخامر الشباب المغربي تجاه العمل السياسي. وهل تسمح هذه الوضعية بصياغة السؤال: هل يمكن الحديث عن شباب غير متسيس لا يعير اهتماما لما يجري حوله، ولا يبدي رغبةً في الانخراط في أي تنظيم أو المشاركة في أي معركة انتخابية؟ لا يملك هذا السؤال نسبة من المصداقية في السياق المتحدث فيه، لأن التحولات الاجتماعية والمتغيرات الثقافية ومنجزات الثورات التكنولوجية وتطوراتها المتسارعة، خصوصا في مجال الاتصال والتواصل، مكّنت نسبة كبيرة من الشباب من الجنسين من امتلاك وعي سياسي حاد وقادر على اجتراح الحلول والإتيان بالجديد، لكن خيبات الأمل والمواقف غير المشجعة، وتسييج هؤلاء الشباب في تنظيمات موازية للأحزاب، حيث تختزل مساهماتهم في مناقشة بعض القضايا إذا توفرت شروط هذا النقاش.
ويبدو أن الصورة السلبية التي تسوقها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي عن
هناك خطاب غير عقلاني وغير واقعي عدمي، يبدع في نشر ثقافة اليأس. وعندما يذهب إلى القول إن شريحة الشباب سلبية بنسبة عالية، تشعر بأن الديمقراطية المغربية لا تشتغل جيدا، وهي مجرد شعارات، وهناك اختلالات بنيوية كثيرة، مقارنة مع ديمقراطيات صاعدة.