شهد الشهر السابع من العام الجاري أول خطوة تعاونية بين وسائل الإعلام السوري الناشئ، حيث انطلقت "الشبكة السورية للإعلام المطبوع" بتنسيق مشترك بين مجموعة صحف سورية بديلة (صدى الشام، عنب بلدي، سوريتنا، كلنا سوريون، تمدن) ضمن رؤية مشتركة نحو الالتزام بالمعايير الأخلاقية للصحافة والتنسيق بكل ما من شأنه توفير الجهد وتوحيد الطاقات بما يترك أثراً أكبر لدى الجمهور المتلقي وبما يضمن استقلالية وخصوصية كل صحيفة.
ويقول منسق الشبكة السورية للإعلام المطبوع، جواد شربجي: "إن الإعلام السوري البديل ليس له أي تأثير واضح دولياً وحتى محلياً، هو فقط ناقل للأخبار، حتى أن السوريين يفضلون أخذ أخبارهم من الوكالات الدولية، الأمر الذي أدى بشكل أو بآخر لغياب سلطة الإعلام، وعدم اعتراف المعارضة به".
ويضيف شربجي في حديثه لـ"العربي الجديد": "هناك مشكلات عديدة نراها اليوم، منها غياب الرقابة عن مؤسسات المعارضة، وتخبط في اتخاذ القرارات، وعدم الاهتمام بمشاكل السوريين، أو متابعتها، وعندما كان يمارس الضغط الإعلامي عليها بشكل فردي لم يكن له أي تأثير، ولكن عندما تتفق خمس صحف لها وجودها، وجمهورها، على أن تتبنى ملفاً معيّناً أو تمارس ضغطها لإلغاء قرار أو تفعيله، فذلك سيؤدي إلى أصداء ونتائج فعالة".
وعن مرحلة التأسيس يتحدث رئيس تحرير جريدة "تمدن"، دياب سرية، فيقول: "فترة التأسيس كانت أصعب فترة بجهود فردية وتطوعية، إذ كانت أول تجربة على صعيد الإعلام السوري، أن تتحد 5 وسائل، وتؤسس كياناً جديداً. لم نرغب بداية بتوسيع القاعدة بشكل كبير حتى لا تضيع الجهود أو يتشتت الموضوع، لكن يبقى هدفنا الأساسي ضم أكبر عدد من الوسائل الإعلامية المطبوعة، فنحن مؤمنون بالمطبوع ونرى أن تأثيره هو الأكبر على الأرض، خاصة في الداخل السوري، فهي المصدر الوحيد لمتابعة الأخبار في ظل انقطاع الكهرباء والانترنت".
واستطاعت الشبكة من خلال هذا الاتحاد والتنسيق ضمان استمرارية الصحف القائمة من حيث العمل والطباعة والتوزيع، وبمدة لا تتجاوز الخمسة أشهر تمكنت من أن تثبت وجودها وجدارتها للاستمرار على عدة أصعدة، من خلال تغطية النقص بين بعضهم، وتطوير الأدوات، تبادل الخبرات، والدخول لعالم الإنتاج الصحفي، واستقطاب مؤسسات لدعم الطباعة، إذ يوزع اليوم أكثر من 5 آلاف نسخة لكل جريدة في تركيا وكافة المناطق المحررة من إدلب، وريف حلب الغربي، وريف حماه وريف اللاذقية مع وجود خطط للتوسع بالتوزيع في أماكن تواجد السوريين في كل من العراق والأردن ولبنان.
تعاون دولي
وحققت الشبكة تعاوناً مع جريدة "بوليتكن" الدنماركية، من أجل إطلاق حملة لدعم الإعلام السوري في أوروبا، إذ زودت الشبكة السورية للإعلام الصحيفة بمواد إعلامية وتحقيقات عن الداخل السوري، وغطت جانباً مغيباً لدى الإعلام الغربي، بعيداً عن داعش والنصرة والقصف اليومي، ومن خطواتهم المقبلة إنشاء موقع إلكتروني مشترك، مع ترجمة لأبرز المقالات في الصحف للتوجه للجمهور الغربي بمحتوى صحفي سوري خالص.
صحف الشبكة
تضم الشبكة السورية للإعلام المطبوع خمس صحف، انطلقت أغلبها مع بداية الثورة السورية. و"عنب بلدي" اسم لإحدى صحف الشبكة، تم اختياره لما له علاقة بالأرض من حيث الرمزية الوطنية وارتباطه بثقافة مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية، والتي تشتهر بزراعة العنب.
تُعرّف "عنب بلدي" عن نفسها كجريدة سورية مستقلة، تم تأسيسها في مدينة داريا وتعنى بالشأن السوري العام، مستقلة غير تابعة لأي جهة أو منظمة أو تيار حزبي أو سياسي. ويقوم عليها مجموعة من الشباب المنخرطين في الثورة، حيث كان بعضهم أعضاء في تنسيقة داريا، وتعتمد على فريق من الصحفيين والمراسلين المنتشرين على مختلف الجغرافية السورية. صدر العدد صفر في 29 يناير/ كانون الثاني 2011.
وصدر العدد الأول من "سوريتنا" في سبتمبر/ أيلول 2011. ويقول رئيس التحرير، جواد أبو المنى: "كان من أهم ما حرصنا عليه منذ البداية هو العمل مع الطاقات الإبداعية وخصوصاً عند الشباب السوري الذي اعتاد البحث عن منابر ديمقراطية خارج سورية (الصحف اللبنانية غالباً) تسمح له بممارسة الصحافة باستقلالية. هذه الطاقات هي المكوّن الأساسي لفريق عمل "سوريتنا"، بهدف بناء الرأي العام في سورية ودعمه ليكون من أهم وسائل التغيير".
أمّا صحيفة "تمدّن"، فهدفها إعادة الصوت المدني، بعد أن طغى صوت السلاح. ويقول سرية: "الناس خرجت من أجل الدولة المدنية، من أجل المساواة والمواطنة، والتمتع بحقوق الإنسان، نحاول قدر الإمكان من خلال الصحيفة خلق مساحة لترسيخ هذه المفاهيم التي غابت بالفترة الأخيرة حين صار صوت السلاح هو الأعلى". وبدأت بـ 8 صفحات، وحالياً 16 صفحة، كما كانت نصف شهرية وصارت أسبوعية.
وفي مطلع 2014 انتقل مشروع جريدة "كلنا سوريون" إلى حيز التنفيذ وصدر العدد صفر في 15 فبراير/ شباط 2014 وهي جريدة نصف شهرية يطبع 7000 نسخة من كل عدد، 5800 مخصصة للداخل السوري والباقي يتم توزيعه في سبع مدن تركية. ويشرح رئيس التحرير، بسام يوسف لـ"العربي الجديد" أنّ الصحيفة "جاءت بسبب الحاجة لإعلام جديد يلبّي متطلبات الحدث السوري ومتغيراته الجذرية التي تطال كامل بنية المجتمع والدولة في سورية، نحاول أن تكون صحيفتنا فضاءً إعلامياً مفتوحاً للشأن السوري في الداخل وفي بلاد اللجوء، وأن تكون ساحة لتبادل الرأي والمعلومة، وأن تساهم في صياغة وعي وطني سوري جامع".
أما "صدى الشام"، جريدة أسبوعية سياسية إخبارية منوعة، فيُشرف على تحريرها مجموعة من الصحافيين الأكاديميين، يغطون الشأن السوري بكل أنواع العمل الصحافي. ويتحدث رئيس تحرير "صدى الشام"، عبسي سميسم لـ"العربي الجديد"، "الصحيفة منحازة لتطلعات الشعب السوري في الكرامة والحرية، ومستقلة عن أي إيديولوجيا أو اتجاه سياسي معيّن، وتفسح المجال على صفحاتها لكافه الآراء والاتجاهات السياسية والمذاهب الفكرية والاجتماعية". ويضيف: "تهدف "صدى الشام" لأن تصبح إحدى الصحف السورية الوطنية، وبالتالي فإن مضمونها يستهدف الشعب السوري، ومع ذلك فإنها تركز أكثر على الناس الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كونهم الجمهور الذي يمكن توصيل النسخ الورقية إليه من خلال التوزيع في الوقت الحالي".
ميثاق شرف
ووضعت الشبكة نظاماً داخلياً، يحتوي على ميثاق شرف بخطوط عريضة يؤكد على المعايير المهنية والأخلاقية للصحافة. وعن هذا الميثاق، يوضح رئيس تحرير جريدة "سوريتنا"، جواد أبو المنى، أنّ "هدف الإعلام السوري الجديد بالدرجة الأولى هو التحول من صحافة الثورة للصحافة المستقلة، والمساهمة في بناء الرأي العام في سورية، ما يستدعي الاستناد إلى ميثاق يحدد الخطوط الأساسية للعمل الصحفي الأخلاقي، من عدم التحريض للعنف، أو التجييش الطائفي، شروط نشر الصورة... فهي الأساس والضابط الملزم لمجموعة الصحف المنتسبة، وذلك لخلق إعلام موضوعي يتلافى الأخطاء السابقة".