بدأ السوريون، مذ تأزّمت الأوضاع الأمنية في البلاد، يعانون من انقطاع في التيار الكهربائي ومن نقص في المياه ومن تراجع خدمات أخرى. كذلك، كانت معاناة كبيرة مع السكن، ولا سيّما أنّ كثيرين هُجّروا من منازلهم فتركوها خلفهم ونزحوا إلى مناطق أخرى أكثر أماناً. كذلك، تعرّضت مساكن عائلات كثيرة للقصف، فصارت من دون مأوى. ولا يبدو الوضع في الشمال السوري اليوم وردياً بالنسبة إلى النازحين وإلى السكان الأصليين على حدّ سواء، إذ إنّ المياه تؤمّن بالصهاريج والكهرباء بالمولدات، في حين أنّ السكن غير مؤمّن لكثيرين
تمثّل احتياجات المواطن السوري المرتبطة بالخدمات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال السوري، واحدة من أبرز المشكلات التي تواجه الفعاليات المدنية والدوائر الخدماتية التي نشأت هناك. وتجد تلك الدوائر التي أشرف عليها أشخاص غير مختصّين نفسها أمام صعوبات كثيرة في إدارة الملفات الخدمية في أغلب الأوقات، بعد سنوات من العمل.
قلة الدعم والاستهداف المستمر من قبل قوات النظام السوري وعدم توفّر الأمن من أبرز المعوّقات التي تحول دون تحسّن الخدمات، بحسب ما يقول المهندس أحمد عبد السلام، المشرف على مشروعات إحدى المنظمات التي تهتم بالمجال الخدماتي. يشير عبد السلام لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الاكتظاظ السكاني الناتج عن عمليات التهجير القسري الأخيرة يفوق قدرات المنظمات والمؤسسات العاملة على الأرض والتي تتجه في الأساس إلى تخفيض نشاطاتها".
وتمثّل الكهرباء هماً أساسياً من هموم المواطن السوري في شمال البلاد، نظراً إلى أنّ مقومات كثيرة للحياة اليومية تستلزم التيار الكهربائي، بالتالي صار ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في هذا العصر. أبو محمد من سكان بلدة أطمه، شمالي محافظة إدلب، يشكو لـ"العربي الجديد"، من أنّ "معاناة السكان مستمرة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وكلفته الباهظة نسبياً بالمقارنة مع سوء الخدمة ومدّتها". يضيف: "نحن ندفع أربعة آلاف ليرة سورية (نحو ثمانية دولارات أميركية) للأمبير الواحد شهرياً ولمدة خمس ساعات يومياً".
اقــرأ أيضاً
ويختلف مصدر الكهرباء التي تصل إلى بيوت السوريين في محافظة إدلب، بين شمال المدينة وجنوبها. فسكان ريف إدلب الجنوبي يحصلون على التيار الكهربائي من خطوط التوتر المتوسط التي يشغّلها النظام السوري، بينما تعمد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، إلى جباية ما يستهلكه المدنيون من هذه الطاقة، لقاء ألفَي ليرة (نحو أربعة دولارات) للأمبير الواحد، الأمر الذي يعدّ مصدر دخل كبيراً جداً للهيئة. أمّا سكان ريف إدلب الشمالي فيعتمدون على الأمبيرات التي يحصلون عليها من مولدات يملكها أفراد أو شركات صغيرة خاصة، وهي مرتبطة بحركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى في المحافظة التي وجدت في ذلك مصدراً للدخل والدعم الذاتي.
الكهرباء بمولّدات خاصة
أحمد خليل، من أصحاب المولدات في مدينة إدلب، يتحدث لـ"العربي الجديد"، عن آلية توزيع الكهرباء للمشتركين، شارحاً أنّ "هؤلاء يتنوّعون وفقاً لعدد الأمبيرات التي يحصلون عليها من المولد الذي أشغّله. بعضهم يشترك بأمبير واحد وآخرون بأمبيرَين أو ثلاثة أمبيرات، لكنّ ذلك قد يكون غير كافٍ لهم في كثير من الأحيان، خصوصاً في أثناء تشغيل مضخات المياه. وهو ما يضطرني إلى زيادتها مجاناً". يضيف خليل أنّهم يواجهون صعوبات كمشغلي مولدات، منها "تأمين الديزل، ومنها ارتفاع كلفة الصيانة، الأمر الذي يتسبب في ارتفاع تكاليف الكهرباء بالنسبة إلى المواطن كذلك".
في عفرين والقرى التابعة لها في ريف حلب والتي سيطرت عليها أخيراً فصائل مدعومة من تركيا ومن الجيش التركي، تقتصر التغذية بالكهرباء على المولدات التي توزّعها على بيوت المشتركين، والتي تعود ملكيتها إلى مقرّبين من فصائل غرفة عمليات "غصن الزيتون". ويتقاضى مشغّل المولد ما بين 1500 و2000 ليرة (ما بين ثلاثة دولارات وأربعة) للأمبير الواحد شهرياً.
في منبج وقراها، يعتمد السكان كذلك على الأمبيرات التي يحصلون عليها من أصحاب المولدات لقاء بدل، بالإضافة إلى تغذية لمدة خمس ساعات يومياً تؤمَّن لهم من سدّ "روج آفا" (سدّ تشرين سابقاً)، والذي يخضع لسيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد). محمود النعمان، من سكان منبج، يقول لـ"العربي الجديد": "ندفع 1000 ليرة (نحو دولارَين) شهرياً لمستثمر المولد، 20 في المائة من المبلغ يذهب له والباقي يعود إلى الإدارة الذاتية التي ألّفتها قوات سورية الديمقراطية. وهذه التغذية تستمر لمدة ستّ ساعات يومياً فقط". ويتابع: "أمّا الكهرباء التي تصلنا من سدّ روج آفا لمدّة خمس ساعات يومياً، فهي مجانية اليوم بعدما رفض الأهالي دفع أيّ مال لقوات سورية الديمقراطية، ونأمل بأن تبقى مجانية".
وفي مدينة الباب، فإنّ مصدر الطاقة الكهربائية الوحيد هو مولّدات الديزل التي توزّع على السكان عدد الأمبيرات الذي يطلبونه. وتستثمر شركات صغيرة خاصة وأحياناً أفراد، المولدات في المدينة، مع الإشارة إلى أنّ ثمّة مولّداً في كل حيّ. وتتوزّع خطوط التيار الكهربائي على البيوت من ضمن شبكات عشوائية لا تُراعى فيها شروط الأمان اللازمة. ويسدد المشترك مبلغ 5000 ليرة (نحو 10 دولارات) في مقابل كل أمبير شهرياً، بمعدّل 10 ساعات تغطية يومياً.
يقول سامر الأحمد، وهو مهندس كهرباء وموظف سابق في وزارة الكهرباء السورية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المولدات الكهربائية التي نستخدمها اليوم في مدينة الباب هي المصدر الوحيد الممكن للطاقة الكهربائية، في ظل صعوبة الحصول عليها من مناطق النظام البعيدة عن المدينة أو من السدود في شرق سورية، حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية". يضيف أنّ "التمديدات السابقة لكهرباء المدينة في حاجة إلى إعادة هيكلة وإصلاح كامل، وهذا أمر قد يكلف ملايين الدولارات".
اقــرأ أيضاً
المياه بالصهاريج
إلى جانب الكهرباء، يعاني السوريون في شمال البلاد من المياه التي تصل إلى البيوت مرة واحدة كل خمسة أو سبعة أيام. ولأنّ انقطاع المياه شبه دائم عبر التمديدات الواصلة إلى البيوت من الآبار الارتوازية والخزانات العامة، يلجأ سكان محافظة إدلب إلى شراء المياه من أصحاب الصهاريج المتخصصين في نقلها، ويدفعون مبلغ 2500 ليرة (نحو خمسة دولارات) في مقابل كلّ صهريج سعة 20 برميلاً من المياه الصالحة للشرب.
يقول زياد دهنية، من سكان مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنّه "بالنسبة إلى موضوع المياه، هذا أمر نعاني منه جميعنا. أحياناً، تنقطع المياه شهراً كاملاً، وفي أحسن الأحوال تأتينا كلّ أسبوع". وهو يعبّر عن استيائه من خدمة توصيل المياه، يضيف دهنية "نحن في حال يرثى لها. نساؤنا بتنَ يغسلنَ الثياب مرّة كلّ أسبوعَين، ولو استخدمنا صهاريج المياه للغسيل فسوف تكون التكاليف المادية كبيرة فوق طاقتنا". تجدر الإشارة إلى أنّ الحال لا تختلف كثيراً في ميدان إكبس وقرى منطقة راجو في عفرين، إذ إنّ الناس هناك يعتمدون كذلك على شراء صهاريج المياه لتأمين احتياجاتهم.
في مدينة الباب، يعتمد الأهالي على الصهاريج في تأمين حاجاتهم من مياه الشرب وكذلك مياه الاستخدام اليومي. في السياق، يتعاقد أصحاب الصهاريج مع أصحاب الآبار الارتوازية، وفي بعض الأحيان تكون الصهاريج ملك صاحب البئر. وتُنقل المياه إلى خزانات الأهالي في مقابل 200 ليرة (نحو نصف دولار) لكل برميل. يُذكر أنّ لا رقابة صحية على المياه للتأكد من صلاحيتها من خلال تحاليل دورية.
في سياق متصل، تبدو حالة شبكات الصرف الصحي جيدة في مدينة الباب. فبعد استلام المجلس المحلي للمدينة مهامه في العام الماضي، عمد المكتب المتخصص بالصرف الصحي فيه إلى معاينة التمديدات في المدينة، وعمل على إصلاح كل الأعطال لتصير الشبكة مؤهلة كلياً.
السكن غير مضمون
لا شك في أنّ نقص المياه والكهرباء يمثّل أزمة كبرى وأساسية، غير أنّ السكن يُعَدّ كذلك أزمة كبيرة. وتتمثّل الأزمة بقلة المنازل الصالحة للسكن والتي تتناسب مع الأعداد الكبيرة من قاطني الشمال السوري حالياً. وهي تواجه خصوصاً الوافدين الجدد المهجّرين من ريف حمص وريف دمشق وأحياء جنوب العاصمة، والذين تجاوز عددهم 130 ألف مهجّر خلال الشهرَين الحالي والماضي، وفق إحصاءات. يُذكر أنّ ثلاث عائلات وأحياناً أكثر، تسكن في بيت واحد، هو غير مجهّز في الأساس لاستيعاب الأعداد الكبيرة.
يقول رئيس بلدية مدينة إدلب، تامر غفير، لـ"العربي الجديد"، إنّ أسباب التقصير وسوء الخدمات التي يشكو منها السكان، تعود إلى ضعف الموارد المالية وقلة الدعم، بالإضافة إلى عدد الموظفين القليل في ملاك البلدية. من جهته، يقول طاهر، صاحب مكتب عقاري في مدينة الدانا، شمالي إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إدلب كلها لا تستطيع استيعاب الأعداد الوافدة. ولأنّ الطلب كبير جداً على المنازل، يُسجَّل ارتفاع كبير في بدلات الإيجار التي تراوح بين 75 دولاراً و300 دولار للمنزل وفقاً لحجمه ومميزاته".
وفي مدينة الباب، عاصمة الريف الشمالي الحلبي، لا تختلف الحال كثيراً عن المناطق الأخرى في شمال سورية. وتُعَدّ مشكلة السكن هنا أساسية والأكثر إلحاحاً، إثر موجات التهجير المتتالية من مناطق سورية عدّة، من حيّ الوعر الحمصي وأحياء جنوب العاصمة دمشق والغوطة الشرقية والرقّة ودير الزور.
يفيد مصدر من المجلس المحلي لمدينة الباب "العربي الجديد"، بأنّ "عدد النازحين الذين استقروا في المدينة تجاوز 150 ألفاً، من مختلف المناطق السورية. وما يفاقم أزمة السكن هو العدد الكبير من البيوت المدمرة من جرّاء المعارك التي شهدتها المدينة قبل طرد تنظيم داعش منها في العام الماضي". ويشير المصدر نفسه إلى شبه انعدام المنظمات الفاعلة أو الجهات التي تبنت أو اهتمت بإعادة الإعمار، باستثناء بعض المبادرات الصغيرة، من قبيل تلك التي أطلقتها منظمة أبناء حرب التي عرضت على بعض أصحاب البيوت التي تحتاج إلى إصلاح ترميمها في مقابل أن تحصل المنظمة على حقّ الانتفاع منها لفترة محددة. فهي تقدّمها مجاناً للنازحين".
ووفقاً لقانون العرض والطلب، ارتفعت بدلات إيجار البيوت في مدينة الباب بنسبة كبيرة، وقد وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 300 دولار للمنزل المؤلف من ثلاث غرف، أمّا المعدّل الوسطي لإيجار منزل في المدينة فهو 150 دولاراً شهرياً. ويشكو محمود صبحية، النازح من مدينة دوما، من ذلك، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّه يقيم في منزل مؤلّف من غرفة واحدة ومنتفعاتها في المدينة، مشيراً إلى أنّ "الأزمة أجبرتني على الإقامة في خيمة لمدّة 20 يوماً قبل أن أعثر على هذه الغرفة. كانت في حاجة إلى بعض الإصلاحات، وعلى الرغم من ذلك طلب منّي صاحبها 30 ألف ليرة (نحو 60 دولاراً) شهرياً".
النقل العام مفقود
إلى ذلك، يعتمد سكان مدينة الباب في الأساس على سياراتهم الخاصة أو دراجاتهم النارية للتنقل في المدينة أو بين مدينتهم والمدن والقرى المجاورة، في ظل غياب نقل عام تحت إشراف أي جهة رسمية مختصة. لكن ثمّة مشاريع خاصة لتأمين النقل الداخلي أو الخارجي لسكان المدينة، عبر ميكروباصات بملكية خاصة تجوب المدينة وتتقاضى 50 ليرة (نحو 0.1 دولار) عن الراكب الواحد، بينما تراوح تعرفة التنقّل في القرى والمدن المجاورة بين 300 ليرة (نحو 0.6 دولار) و700 ليرة (نحو 1.5 دولار) للراكب الواحد، وذلك تبعاً لبُعد المسافة.
محمود حاج قاسم، سائق واحد من تلك الميكروباصات، يخبر "العربي الجديد" بأنّهم يسعون من خلال خدمات النقل في المدينة إلى التخفيف من أزمة المواصلات. يضيف: "نعاني أحياناً من قلة توفّر المحروقات، مثلما تعيق حركتنا بعض حواجز الفصائل المنتشرة بين المدن. فعناصر بعضها يتعاملون بطريقة سيئة للغاية ويتقصدون أحياناً تأخير بعض الحافلات بحجج التفتيش والتدقيق".
وسط كلّ هذه الصعوبات، يرى المواطن السوري نفسه مضطراً للتحمّل، فلا خيار آخر أمامه. من الجنوب نظام وأجهزة أمنية تتوعده بالاعتقال أو التصفية، ومن الشمال حدود تركية مغلقة كانت حكومة أنقرة قد تعهدت يوماً بألا تغلقها في وجه الفارين من الموت.
تمثّل احتياجات المواطن السوري المرتبطة بالخدمات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال السوري، واحدة من أبرز المشكلات التي تواجه الفعاليات المدنية والدوائر الخدماتية التي نشأت هناك. وتجد تلك الدوائر التي أشرف عليها أشخاص غير مختصّين نفسها أمام صعوبات كثيرة في إدارة الملفات الخدمية في أغلب الأوقات، بعد سنوات من العمل.
قلة الدعم والاستهداف المستمر من قبل قوات النظام السوري وعدم توفّر الأمن من أبرز المعوّقات التي تحول دون تحسّن الخدمات، بحسب ما يقول المهندس أحمد عبد السلام، المشرف على مشروعات إحدى المنظمات التي تهتم بالمجال الخدماتي. يشير عبد السلام لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الاكتظاظ السكاني الناتج عن عمليات التهجير القسري الأخيرة يفوق قدرات المنظمات والمؤسسات العاملة على الأرض والتي تتجه في الأساس إلى تخفيض نشاطاتها".
وتمثّل الكهرباء هماً أساسياً من هموم المواطن السوري في شمال البلاد، نظراً إلى أنّ مقومات كثيرة للحياة اليومية تستلزم التيار الكهربائي، بالتالي صار ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في هذا العصر. أبو محمد من سكان بلدة أطمه، شمالي محافظة إدلب، يشكو لـ"العربي الجديد"، من أنّ "معاناة السكان مستمرة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وكلفته الباهظة نسبياً بالمقارنة مع سوء الخدمة ومدّتها". يضيف: "نحن ندفع أربعة آلاف ليرة سورية (نحو ثمانية دولارات أميركية) للأمبير الواحد شهرياً ولمدة خمس ساعات يومياً".
ويختلف مصدر الكهرباء التي تصل إلى بيوت السوريين في محافظة إدلب، بين شمال المدينة وجنوبها. فسكان ريف إدلب الجنوبي يحصلون على التيار الكهربائي من خطوط التوتر المتوسط التي يشغّلها النظام السوري، بينما تعمد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، إلى جباية ما يستهلكه المدنيون من هذه الطاقة، لقاء ألفَي ليرة (نحو أربعة دولارات) للأمبير الواحد، الأمر الذي يعدّ مصدر دخل كبيراً جداً للهيئة. أمّا سكان ريف إدلب الشمالي فيعتمدون على الأمبيرات التي يحصلون عليها من مولدات يملكها أفراد أو شركات صغيرة خاصة، وهي مرتبطة بحركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى في المحافظة التي وجدت في ذلك مصدراً للدخل والدعم الذاتي.
الكهرباء بمولّدات خاصة
أحمد خليل، من أصحاب المولدات في مدينة إدلب، يتحدث لـ"العربي الجديد"، عن آلية توزيع الكهرباء للمشتركين، شارحاً أنّ "هؤلاء يتنوّعون وفقاً لعدد الأمبيرات التي يحصلون عليها من المولد الذي أشغّله. بعضهم يشترك بأمبير واحد وآخرون بأمبيرَين أو ثلاثة أمبيرات، لكنّ ذلك قد يكون غير كافٍ لهم في كثير من الأحيان، خصوصاً في أثناء تشغيل مضخات المياه. وهو ما يضطرني إلى زيادتها مجاناً". يضيف خليل أنّهم يواجهون صعوبات كمشغلي مولدات، منها "تأمين الديزل، ومنها ارتفاع كلفة الصيانة، الأمر الذي يتسبب في ارتفاع تكاليف الكهرباء بالنسبة إلى المواطن كذلك".
في عفرين والقرى التابعة لها في ريف حلب والتي سيطرت عليها أخيراً فصائل مدعومة من تركيا ومن الجيش التركي، تقتصر التغذية بالكهرباء على المولدات التي توزّعها على بيوت المشتركين، والتي تعود ملكيتها إلى مقرّبين من فصائل غرفة عمليات "غصن الزيتون". ويتقاضى مشغّل المولد ما بين 1500 و2000 ليرة (ما بين ثلاثة دولارات وأربعة) للأمبير الواحد شهرياً.
في منبج وقراها، يعتمد السكان كذلك على الأمبيرات التي يحصلون عليها من أصحاب المولدات لقاء بدل، بالإضافة إلى تغذية لمدة خمس ساعات يومياً تؤمَّن لهم من سدّ "روج آفا" (سدّ تشرين سابقاً)، والذي يخضع لسيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد). محمود النعمان، من سكان منبج، يقول لـ"العربي الجديد": "ندفع 1000 ليرة (نحو دولارَين) شهرياً لمستثمر المولد، 20 في المائة من المبلغ يذهب له والباقي يعود إلى الإدارة الذاتية التي ألّفتها قوات سورية الديمقراطية. وهذه التغذية تستمر لمدة ستّ ساعات يومياً فقط". ويتابع: "أمّا الكهرباء التي تصلنا من سدّ روج آفا لمدّة خمس ساعات يومياً، فهي مجانية اليوم بعدما رفض الأهالي دفع أيّ مال لقوات سورية الديمقراطية، ونأمل بأن تبقى مجانية".
وفي مدينة الباب، فإنّ مصدر الطاقة الكهربائية الوحيد هو مولّدات الديزل التي توزّع على السكان عدد الأمبيرات الذي يطلبونه. وتستثمر شركات صغيرة خاصة وأحياناً أفراد، المولدات في المدينة، مع الإشارة إلى أنّ ثمّة مولّداً في كل حيّ. وتتوزّع خطوط التيار الكهربائي على البيوت من ضمن شبكات عشوائية لا تُراعى فيها شروط الأمان اللازمة. ويسدد المشترك مبلغ 5000 ليرة (نحو 10 دولارات) في مقابل كل أمبير شهرياً، بمعدّل 10 ساعات تغطية يومياً.
يقول سامر الأحمد، وهو مهندس كهرباء وموظف سابق في وزارة الكهرباء السورية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المولدات الكهربائية التي نستخدمها اليوم في مدينة الباب هي المصدر الوحيد الممكن للطاقة الكهربائية، في ظل صعوبة الحصول عليها من مناطق النظام البعيدة عن المدينة أو من السدود في شرق سورية، حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية". يضيف أنّ "التمديدات السابقة لكهرباء المدينة في حاجة إلى إعادة هيكلة وإصلاح كامل، وهذا أمر قد يكلف ملايين الدولارات".
المياه بالصهاريج
إلى جانب الكهرباء، يعاني السوريون في شمال البلاد من المياه التي تصل إلى البيوت مرة واحدة كل خمسة أو سبعة أيام. ولأنّ انقطاع المياه شبه دائم عبر التمديدات الواصلة إلى البيوت من الآبار الارتوازية والخزانات العامة، يلجأ سكان محافظة إدلب إلى شراء المياه من أصحاب الصهاريج المتخصصين في نقلها، ويدفعون مبلغ 2500 ليرة (نحو خمسة دولارات) في مقابل كلّ صهريج سعة 20 برميلاً من المياه الصالحة للشرب.
يقول زياد دهنية، من سكان مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنّه "بالنسبة إلى موضوع المياه، هذا أمر نعاني منه جميعنا. أحياناً، تنقطع المياه شهراً كاملاً، وفي أحسن الأحوال تأتينا كلّ أسبوع". وهو يعبّر عن استيائه من خدمة توصيل المياه، يضيف دهنية "نحن في حال يرثى لها. نساؤنا بتنَ يغسلنَ الثياب مرّة كلّ أسبوعَين، ولو استخدمنا صهاريج المياه للغسيل فسوف تكون التكاليف المادية كبيرة فوق طاقتنا". تجدر الإشارة إلى أنّ الحال لا تختلف كثيراً في ميدان إكبس وقرى منطقة راجو في عفرين، إذ إنّ الناس هناك يعتمدون كذلك على شراء صهاريج المياه لتأمين احتياجاتهم.
في مدينة الباب، يعتمد الأهالي على الصهاريج في تأمين حاجاتهم من مياه الشرب وكذلك مياه الاستخدام اليومي. في السياق، يتعاقد أصحاب الصهاريج مع أصحاب الآبار الارتوازية، وفي بعض الأحيان تكون الصهاريج ملك صاحب البئر. وتُنقل المياه إلى خزانات الأهالي في مقابل 200 ليرة (نحو نصف دولار) لكل برميل. يُذكر أنّ لا رقابة صحية على المياه للتأكد من صلاحيتها من خلال تحاليل دورية.
في سياق متصل، تبدو حالة شبكات الصرف الصحي جيدة في مدينة الباب. فبعد استلام المجلس المحلي للمدينة مهامه في العام الماضي، عمد المكتب المتخصص بالصرف الصحي فيه إلى معاينة التمديدات في المدينة، وعمل على إصلاح كل الأعطال لتصير الشبكة مؤهلة كلياً.
السكن غير مضمون
لا شك في أنّ نقص المياه والكهرباء يمثّل أزمة كبرى وأساسية، غير أنّ السكن يُعَدّ كذلك أزمة كبيرة. وتتمثّل الأزمة بقلة المنازل الصالحة للسكن والتي تتناسب مع الأعداد الكبيرة من قاطني الشمال السوري حالياً. وهي تواجه خصوصاً الوافدين الجدد المهجّرين من ريف حمص وريف دمشق وأحياء جنوب العاصمة، والذين تجاوز عددهم 130 ألف مهجّر خلال الشهرَين الحالي والماضي، وفق إحصاءات. يُذكر أنّ ثلاث عائلات وأحياناً أكثر، تسكن في بيت واحد، هو غير مجهّز في الأساس لاستيعاب الأعداد الكبيرة.
يقول رئيس بلدية مدينة إدلب، تامر غفير، لـ"العربي الجديد"، إنّ أسباب التقصير وسوء الخدمات التي يشكو منها السكان، تعود إلى ضعف الموارد المالية وقلة الدعم، بالإضافة إلى عدد الموظفين القليل في ملاك البلدية. من جهته، يقول طاهر، صاحب مكتب عقاري في مدينة الدانا، شمالي إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إدلب كلها لا تستطيع استيعاب الأعداد الوافدة. ولأنّ الطلب كبير جداً على المنازل، يُسجَّل ارتفاع كبير في بدلات الإيجار التي تراوح بين 75 دولاراً و300 دولار للمنزل وفقاً لحجمه ومميزاته".
وفي مدينة الباب، عاصمة الريف الشمالي الحلبي، لا تختلف الحال كثيراً عن المناطق الأخرى في شمال سورية. وتُعَدّ مشكلة السكن هنا أساسية والأكثر إلحاحاً، إثر موجات التهجير المتتالية من مناطق سورية عدّة، من حيّ الوعر الحمصي وأحياء جنوب العاصمة دمشق والغوطة الشرقية والرقّة ودير الزور.
يفيد مصدر من المجلس المحلي لمدينة الباب "العربي الجديد"، بأنّ "عدد النازحين الذين استقروا في المدينة تجاوز 150 ألفاً، من مختلف المناطق السورية. وما يفاقم أزمة السكن هو العدد الكبير من البيوت المدمرة من جرّاء المعارك التي شهدتها المدينة قبل طرد تنظيم داعش منها في العام الماضي". ويشير المصدر نفسه إلى شبه انعدام المنظمات الفاعلة أو الجهات التي تبنت أو اهتمت بإعادة الإعمار، باستثناء بعض المبادرات الصغيرة، من قبيل تلك التي أطلقتها منظمة أبناء حرب التي عرضت على بعض أصحاب البيوت التي تحتاج إلى إصلاح ترميمها في مقابل أن تحصل المنظمة على حقّ الانتفاع منها لفترة محددة. فهي تقدّمها مجاناً للنازحين".
ووفقاً لقانون العرض والطلب، ارتفعت بدلات إيجار البيوت في مدينة الباب بنسبة كبيرة، وقد وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 300 دولار للمنزل المؤلف من ثلاث غرف، أمّا المعدّل الوسطي لإيجار منزل في المدينة فهو 150 دولاراً شهرياً. ويشكو محمود صبحية، النازح من مدينة دوما، من ذلك، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّه يقيم في منزل مؤلّف من غرفة واحدة ومنتفعاتها في المدينة، مشيراً إلى أنّ "الأزمة أجبرتني على الإقامة في خيمة لمدّة 20 يوماً قبل أن أعثر على هذه الغرفة. كانت في حاجة إلى بعض الإصلاحات، وعلى الرغم من ذلك طلب منّي صاحبها 30 ألف ليرة (نحو 60 دولاراً) شهرياً".
النقل العام مفقود
إلى ذلك، يعتمد سكان مدينة الباب في الأساس على سياراتهم الخاصة أو دراجاتهم النارية للتنقل في المدينة أو بين مدينتهم والمدن والقرى المجاورة، في ظل غياب نقل عام تحت إشراف أي جهة رسمية مختصة. لكن ثمّة مشاريع خاصة لتأمين النقل الداخلي أو الخارجي لسكان المدينة، عبر ميكروباصات بملكية خاصة تجوب المدينة وتتقاضى 50 ليرة (نحو 0.1 دولار) عن الراكب الواحد، بينما تراوح تعرفة التنقّل في القرى والمدن المجاورة بين 300 ليرة (نحو 0.6 دولار) و700 ليرة (نحو 1.5 دولار) للراكب الواحد، وذلك تبعاً لبُعد المسافة.
محمود حاج قاسم، سائق واحد من تلك الميكروباصات، يخبر "العربي الجديد" بأنّهم يسعون من خلال خدمات النقل في المدينة إلى التخفيف من أزمة المواصلات. يضيف: "نعاني أحياناً من قلة توفّر المحروقات، مثلما تعيق حركتنا بعض حواجز الفصائل المنتشرة بين المدن. فعناصر بعضها يتعاملون بطريقة سيئة للغاية ويتقصدون أحياناً تأخير بعض الحافلات بحجج التفتيش والتدقيق".
وسط كلّ هذه الصعوبات، يرى المواطن السوري نفسه مضطراً للتحمّل، فلا خيار آخر أمامه. من الجنوب نظام وأجهزة أمنية تتوعده بالاعتقال أو التصفية، ومن الشمال حدود تركية مغلقة كانت حكومة أنقرة قد تعهدت يوماً بألا تغلقها في وجه الفارين من الموت.