دخلت الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة ضد الصين حيز التنفيذ، اليوم الإثنين، وسط تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، ما أثر بشكل سلبي في أداء الأسهم الأوروبية، وسط تنامي قلق الشركات من تضرر النمو العالمي.
وجاء تطبيق الرسوم الجديدة بواقع 10% حتى نهاية العام الجاري 2018، على أن ترتفع بعد ذلك إلى 25% على ما قيمته 200 مليار دولار من المنتجات الصينية.
ولم تستجب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحذيرات العديد من الكيانات الاقتصادية الكبرى في الولايات المتحدة وخارجها وكذلك الخبراء الاقتصاديين من تداعيات هذه الخطوة، لا سيما أن بكين أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستفرض في المقابل رسوماً بنسبة 10% على ما قيمته 60 مليار دولار من السلع الأميركية.
واتهمت بكين، الولايات المتحدة بأنها "وجّهت سلسلة من الاتهامات الكاذبة واستخدمت زيادة الرسوم الجمركية وغيرها من تدابير الترهيب الاقتصادي لفرض مصالحها الخاصة على الصين من خلال ممارسة ضغوط قصوى".
ونددت الحكومة الصينية في وثيقة سمّتها "الكتاب الأبيض" وفق وكالة أنباء شينخوا أمس، بسياسة "أميركا أولاً"، التي يعتمدها ترامب، مؤكدة أنها تقوم على "الأحادية والحمائية والهيمنة الاقتصادية".
ويطالب ترامب منذ أشهر الصين بوضع حد لممارسات تجارية يصفها بأنها غير نزيهة، وينتقد بصورة خاصة إرغام الشركات الأميركية الراغبة في الدخول إلى السوق الصينية على تقاسم مهاراتها التقنية مع شركاء محليين، متهما الصين بـ"سرقة" الملكية الفكرية.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لشبكة "فوكس نيوز"، يوم الأحد الماضي، إن "الحرب التجارية التي تخوضها الصين ضد الولايات المتحدة مستمرة منذ سنوات".
وتابع: "سنحقق نتيجة ترغم الصين على التصرف بالشكل الذي نتوقعه من قوة عالمية"، بما يضمن "الشفافية ودولة القانون، لا يمكن سرقة الملكية الفكرية".
وتفرض واشنطن منذ مارس/ آذار الماضي رسوما جمركية مشددة على واردات الصلب والألمنيوم بنسبة 25% و10% على التوالي، مبررة هذا الإجراء بدواعي "الأمن القومي".
وباتت الحرب التجارية واقعا بين واشنطن وبكين، وأصبح الحوار مقطوعا بين الطرفين. وأوردت صحيفة "وول ستريت جورنال"، يوم السبت الماضي، أن بكين ألغت زيارة مقررة لوفد من المفاوضين الصينيين في 27 و28 سبتمبر/أيلول الجاري إلى واشنطن، كما أن مفاوضات سابقة جرت في أواخر أغسطس/ آب لم تسفر عن نتيجة.
ورأت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، يوم الجمعة الماضي، أن "سياسات الولايات المتحدة التجارية الحمائية بلغت نقطة باتت فيها تؤثر فعليا في آفاق نمو عالمي".
وقد خفضت الوكالة توقعاتها للنمو في الصين إلى 6.1% للعام الجاري، بتراجع 0.2% عن توقعات يونيو/حزيران، فيما باتت تتوقع نمواً عالميا بنسبة 3.1% عام 2019 بتراجع 0.1%.
ولفتت فيتش إلى أن النمو الاقتصادي في العالم "أقل توازنا وأقل تناغما". وما يزيد من المخاطر على التوسع الاقتصادي دخول ترامب في نزاع تجاري مع كل الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة، فقد فتح ست جبهات أخرى بجانب الصين تمثلت في الاتحاد الأوروبي واليابان و(المكسيك وكندا شركاء اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية) وتركيا وإيران وروسيا.
وتوصلت إدارة ترامب في الوقت الحاضر إلى هدنة هشة مع الاتحاد الأوروبي والمكسيك، لكن إدارته تجري مفاوضات صعبة مع كندا.
ويبدو الآن أن اليابان التي تسجل الولايات المتحدة تجاهها عجزاً تجارياً بقيمة 56.6 مليار دولار، وفق تقرير لفرانس برس، باتت هدفا لترامب.
ويثير التصعيد الأميركي قلقا متناميا خارجيا وداخليا. وبعثت إدارة سلسلة متاجر "وولمارت" رسالة أخيرا إلى إدارة ترامب حذرت فيها من أنه في حال تمّ فرْض رسوم جمركية جديدة على البضائع الصينية، فقد تتمّ زيادة أسعارها على مجموعة واسعة من المنتجات التي تتراوح بين المواد الغذائية من أسماك وصلصة الصويا والطحين وغيرها، إلى لوازم العناية الشخصية والصحة مثل الشامبو والصابون وأدوية التنظيف.
وأشارت ساره ثورن التي كتبت الرسالة، وهي تعمل للترويج لـ"وولمارت"، إلى أن هذه الرسوم الجمركية ستزيد من نفقات الأسر على هذه المنتجات ذات الاستخدام اليومي.
وأضافت وفق فرانس برس، أمس، من جهة أخرى أن "أيا من هذه المواد غير مرتبط بالملكية الفكرية ولا بأي أسرار تجارية، ومن الصعب بالتالي أن نفهم كيف سيؤدي فرض رسوم على هذه المنتجات إلى حل هذه الإشكاليات المعقدة".
وضربت الحرب التجارية، بمعولها مجددا، لتنال من أسواق الأسهم الأوروبية، أمس، حيث تراجع العديد من أسهم شركات قطاعي السيارات والتعدين، وهما من القطاعات الأكثر اعتمادا على سلاسة التجارة العالمية.
وتتزايد مخاوف أوساط الأعمال مع تهديد ترامب باستهداف منتجات صينية إضافية بقيمة 267 مليار دولار، إن ردت بكين على الرسوم المفروضة على 200 مليار دولار من بضائعها.
وقال الخبير الاقتصادي كلاوس فولرابه في معهد إيفو، أمس الإثنين، إن تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين يخلق حالة من عدم التيقن في أوساط الشركات.
وأضاف كلاوس لرويترز، عقب تراجع مؤشر إيفو لمناخ الأعمال الألماني لشهر سبتمبر/ أيلول: "رغم المعنويات الجيدة، فإن عدم التيقن يتنامى تدريجيا بين الشركات".
وكانت غرفة التجارة الأوروبية في الصين، قد ذكرت يوم الثلاثاء الماضي، أن تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين يضر بالشركات الأوروبية، ويؤدي إلى اضطراب عمل شبكة إمداداتها العالمية. كما دعت الغرفة التجارية الأميركية في الصين، الثلاثاء الماضي إلى حل تفاوضي لوضع حد للمعركة التجارية.