تبدأ مشاكل المغتربين والمُهجَّرين العراقيين في تركيا باللغة وتعلّمها وإتقانها، ولا تنتهي عند الاندماج في المجتمع التركي والتأقلم مع عاداته وتقاليده وأنظمته وقوانينه. وبين اللغة والاندماج طيف واسع من العقبات، تعوّد العراقيون على إيجاد حلول آنية لها بجهود فردية، أو بالتعاون مع الأصدقاء والمعارف، كلّ بحسب تجربته بحثاً عن الاستقرار.
الطالب العراقي ربما يكون أكثر من تعرض للضغوط، فهل يلتحق بالمدارس التركية التي لا يتقن لغتها، أم يسجل في المدارس الأهلية العراقية التي وصل عددها إلى نحو 24 مدرسة، وتتراوح أقساطها السنوية بين 1500 و2000 دولار.
وبما أن المستوى الاقتصادي لأكثرية المُهجّرين واللاجئين هو مستوى متوسط يفي بالحاجات الضرورية للمعيشة، فإن حساباً بسيطاً لكلفة تعليم اثنين من الأبناء في المرحلة الابتدائية في المدارس الأهلية العراقية في تركيا يساوي التسجيل في كلية الصيدلة داخل العراق.
تقول أم سيف معلمة اللغة الإنكليزية في إحدى المدارس الأهلية العراقية في إسطنبول، في تصريح خاص: "واجهت صعوبات من أجل تعليم أولادي الأربعة باللغة العربية لصعوبة اللغة التركية، إلا أنني اصطدمت بواقع الأسعار المرتفعة في المدارس الأهلية، فاجتهدت بإيجاد وظيفة تعليمية في إحدى المدارس، تنازلت بموجبها عن راتبي لقاء تعليم أبنائي فيها".
ويقول بعض مدراء المدارس في تركيا إن وزارة التربية العراقية تقف وراء جزء كبير من المشاكل، إذ تدفع المدارس رسوماً كبيرة سنوياً للوزارة (رسمية وغير رسمية) لتجديد الإجازة السنوية والتي تتراوح بين 20 ألفاً و30 ألف دولار، ناهيك عن زيارات المشرفين، التي تتحمل المدارس نفقات النقل والإقامة ومصاريف الطعام وغيرها، إضافة إلى أجور المراقبين لسير الامتحانات الرسمية وإقاماتهم في تركيا طوال فترة الامتحانات.
مديرون رفضوا الإفصاح عن أسمائهم خوفاً من التبعات القانونية، أكدوا أنّ الإقبال على المدارس العراقية كبير، بسبب فارق اللغة أولاً والبيئة التي ترعرع عليها الطالب من عادات وتقاليد، إلا أن العوز المادي يحول بين رغبة الوالدين والواقع، ما دفع أغلبهم لتسجيل أولادهم كرهاً لا رغبة منهم في المدارس التركية.
المسؤولون العراقيون في العراق وتركيا رفضوا التحدث في الموضوع والخطط الكفيلة بتخفيف معاناة الطلبة العراقيين في تركيا، والذين تجاوز عددهم 800 ألف، بحسب أرقام دائرة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية.
زيد السامرائي، أستاذ سابق في إحدى المدارس العراقية أكد لـ"العربي الجديد" أن إدارات المدارس العربية عموماً في تركيا تستهلك الأستاذ إلى أبعد حدّ، دون إعطائه أبسط حقوقه من إقامة عمل أو تأمين سكن وما شابه، ناهيك عن أن الراتب زهيد جداً مقارنة بالراتب الذي تعطيه المدارس التركية للمدرس غير التركي مع كثير من الامتيازات.
ناشطون أكدوا أن أبرز ما يعانيه الطلبة العراقيون في تركيا، هو عدم وجود مدارس نموذجية ترقى إلى مستوى المدارس الأهلية التركية، بالإضافة إلى عدم توفر مدارس عراقية كافية موزعة على مختلف المناطق والمحافظات.
تكمن صعوبة الدراسة في تركيا بحسب رأي الإعلامي زيد الأعظمي، "باللغة الهجينة وتعقيدات تعلّمها، وهو ما يميز مفردات اللغة التركية عن نظيراتها من اللغات، وهذا لا يعني أنها غير قابلة للتعلم واستحالة ضبطها، لكنها تحتاج إلى مستوى مبكر من التعليم وبالتالي يلعب عامل السن دوراً في ذلك".
الأعظمي قال لـ"العربي الجديد": "فكرة تسجيل الطلبة في المدارس التركية لها بُعدان، الأول اقتصادي إذ إنّ تكلفة الدراسة بدت باهظة في المدارس العربية عموماً والعراقية خصوصاً، ولا تناسب معيلي العوائل العراقية الكبيرة، والثاني تطبيعي مع البيئة التركية التي يضمن التدريس فيها اندماجاً للطلبة مع ثقافتها وطبائعها المختلفة".
وفي المحصلة لا يختلف اثنان من المغتربين المُهجّرين العراقيين في تركيا على أن نسبة المشاكل والمعوقات والصعوبات التي يعانون منها تقترب أو ربما تزيد على المكتسبات التي حصلوا عليها في مقابل تركهم بلدهم بسبب الوضع الأمني المتردي.