إنّ الطّائفيّة قد صنعت في الغرب لتسوّق في الشّرق، والفئة الأكثر استهدافاً هم الشّباب. فالجماعات السّياسيّة الاقتصاديّة المختلفة تهدف إلى تمرير الخطاب الطّائفيّ حفاظًا على مصالحها، مستخدمة بهذا كلّ الطّرق الّتي تؤدّي إلى الفرقة والشّرذمة وإقصاء الآخر. لذا تحاول هذه الجماعات أن تجد أيّة وسيلة لإبراز خصوصيتّها واختلافها عن الآخر في المجتمع الواحد، وذلك باستخدام السّياسة الرّسميّة وغير الرّسميّة، بدءًا من المدارس والمؤسّسات، وانتهاء بأهمّ عامل جذب وتجييش: المساجد، الكنائس والحسينيّات.
في معظم الحالات نجد العلاقة واضحة بين الجماعات السّياسيّة الاقتصاديّة المختلفة وبعض الدول الغربيّة، بل يكاد يكون هناك تحالف ما، كما هو الحال في لبنان والعراق والدّاخل الفلسطينيّ المحتلّ.
لا شكّ في أنّ مصطلح الطّائفيّة جاء ليقسم ويشتّت شعوبنا العربيّة قاطبةً، ليكون التّشديد على الاختلاف وتحويله إلى صراع مع الآخر. وبما أنّ الشّباب هم الفئة الأكثر قبولًا للأفكار الجديدة، وفي ظلّ غياب مشاريع وطنيّة أو قوميّة جامعة، فهم يكونون الأكثر عرضة للمشاريع الطّائفيّة الّتي تزرع في مجتمعاتنا.
عند تبنّي أيّ خطاب طائفيّ لفئة سياسيّة صاحبة نفوذ، أو تبحث عن النّفوذ، فإنّها ستحاول تمرير خطابها الطّائفيّ في كلّ المجالات، وأهمّها المؤسّسات التّعليميّة، لأنّ التّركيز فيها سيكون على فئة الشّباب. وإن كانت هذه الجماعات أو الفئات لا تمتلك القوّة الكافيّة لتمرير خطابها، فإنّها ستكتفي بالمؤسّسات الدّينيّة مثل المساجد والكنائس والحسينيّات، وأيّة مؤسّسة أخرى يسيطرون عليها.
فإذا أردنا أن نرى النّموذج الفلسطينيّ لفلسطينييّ الدّاخل/48، نرى أنّ المؤسّسة الصهيونيّة حاولت بسط سيطرتها على فلسطينييّ الدّاخل، اعتمادا على قاعدة "فرّق تسد"، أي من خلال بثّ روح الطّائفيّة في المجتمع، فالمؤسّسة الصهيونيّة وبالتعاون مع أصحاب المصالح أقنعت الدّرزيّ بأنّه ليس عربيًا، وأنّ اختلاف دينه يجعله درزيًا وليس عربيًا، وأقنعت البدويّ بأنّ خصوصيّته تجعله مميّزًا عن العربيّ، ليكون بدويًا وليس عربيًا. هذه المؤسّسة لم تستطع أن تقنع كلّ الدّروز والبدو بسبب وجود القيادات الوطنيّة الّتي حافظت على البوصلة الهوياتية، ولكن إلى حدّ ما نجحت في اختراق وتمزيق المجتمع، مرّة بالدّين وأخرى بالعادات واختلاف نمط الحياة.
لقد قامت المؤسّسة الصّهيونية بتصنيف المدارس على أساس طائفيّ، وبهذا التّقسيم تكون قد سلخت المجموعة عن أبناء شعبها. لقد قسّمت المدارس إلى عربيّة ودرزيّة وبدويّة، وفيها يكون المنهاج التّعليميّ مختلفًا بين المدارس العربيّة والدرزيّة كما يختلف أيضًا في امتحانات الثّانويّة العامّة.
إنّ هذا الأمرَ يسلخ الطّلاب الدّروز والبدو عن بقية الطلاب العرب، وعن هويّتهم الأصيلة، ليسهل فيما بعد أمر "أسرلتهم" وانخراطهم التّدريجيّ في المؤسّسات العنصريّة. فالمؤسّسة الصهيونية تحاول أن تفرض الخطاب الطّائفيّ على الشّباب واستحدثت الهوية الدّرزيّة المنعزلة عن امتدادها العروبي، وكذلك البدويّة من خلال البرامج الموجودة والمعدّة في هذه المدارس، من أجل إقصاء الآخر، والآخر هنا هو الفلسطينيّ، لا يهمّ إن كان مسلمًا أو مسيحيًا.
ولأنّ المؤسّسة الصهيونية تملك القوّة لفرض أجندتها، فإنّها تنجح في كثير من الأحيان، ونرى أنّ الضّحيّة الكبرى هم هؤلاء الشّباب الّذين لم يشكّلوا هويّتهم بعد. إنّها تعمل أيضًا على تمرير خطابها الطّائفيّ من خلال بعض المساجد والكنائس، بالتّعاون مع حلفائها، لتقوم بإبراز نقاط الاختلاف وتحويله إلى صراع، حتّى لو كان طابعه شخصيًّا أو اجتماعيًّا. أستذكر هنا الأزمة الّتي حدثت في مدينة النّاصرة حول أرض النّاصرة وقضيّة مسجد شهاب الدّين عام 1999، هذه القضيّة الّتي اخترعت وتم تحويلها إلى قضيّة طائفيّة يعاني المجتمع من آثارها حتّى اليوم. وهي تحاول مرارًا ضرب الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة في الدّاخل من خلال الأسرلة ومحاولة بثّ وترويج الدّعايات العنصريّة والفتن بين المسلمين والمسيحيين تحديدًا، وذلك من خلال محاولاتها سنّ بعض القوانين لاستقطاب الشّباب المسيحيّين للخدمة المدنيّة والخدمة العسكريّة مقابل بعض الامتيازات. ولكنّ دور الحركة الوطنية كان واضحًا في هذه المعركة الوجوديّة. ونجد اليوم أعدادًا كبيرة من الشّباب الدروز والبدو يرفضون ما هو قائم، ويعزّزون الانتماء إلى عروبتهم، رفضًا للطّائفية والتّمزيق. فالشّباب هم الأكثر قدرةً على التّغيير، ولكن يجب الوصول إليهم من خلال البرامج المشتركة وعدم إقصائهم، فهذا الحال ينطبق الآن على جغرافية الوطن العربي، وما تحدّثنا به عن فلسطين لا يختلف كثيرًا، ولكنّه الأقدم.
أصبح واضحًا أنّ الطّائفيّة مصطلح سياسيّ وليس دينيًّا، وأنّ الردّ عليه هو باتّحادنا حول ما يجمعنا، من أجل مصالحنا المشتركة كعرب، لأنّ البحث عن المصالح الضيقة لفئة صغيرة يهلكنا ويمزّقنا جميعًا.
إنّ وحدة العربيّ بألوانه المختلفة ونبذ العنصريّة، هو الردّ الوحيد على كلّ مخطّطات التّجهيل وزرع الطّائفيّة. فما على الشّباب سوى أن يخمدوا نار الطّائفيّة قبل أن تحرقهم، ويعملوا من أجل فضح هذا المخطّط.