1- الظلام خائف من الطفل
من خطواته الصغيرة
من أنفاسه المختصرة
يرتعب الظلام أمام الطفل في المنزل
غرفة النوم في نهاية الممر تترقب هبوبه الغامض
الخفاء يتنكر في انسياب ظلاله الرشيقة
الوجه الفسيح للضفة الأخرى لا يزال
الوجه الآخر للضفة هنا
طالما مكيدة السهولة ذاتها
لا تزال توصل ملعقة الحساء إلى الفم
ورق العشب يتمرّن على فلْق الظل و الظلام
على الحافة التي تتموج بين لحظتها الراهنة و أريجها
لدي ثوان أخرى في مشيمة النسيان
ريثما أولد من أول صرخةٍ تلي موتي.
■ ■ ■
2- عقدة المنديل
ولا يزال ثمة فسحة في اليأس
أو – في الختام – الرنين الساخر للغموض
الذي يتذكر قطعة الأمل المعدنية الصغيرة
المدخرة
لشراء الخبز الذي لا غنى عنه
■ ■ ■
3- مكبس الأخطبوط
هل أتواجد فعلاً في المكان الذي أتحدث فيه عن نفسي؟
... من يستطيع الإفصاح عن نفسه
كما لو كان من الداخل يختلس النظر إليه في العينين
بدون أن يكون الآخر غريقا في هذه الأثناء
مطبوعاً على وجهه أخطبوط الفراغ
كمكبس بالوعة
■ ■ ■
4- الإنسان البدائي
الإنسان البدائي
الخاسر الأكبر بحنان
أتخيله عندما وصل للتو
إلى تشريعات الإنسان العاقل القديم
تنامى لديه شعور بانحرافه الوراثي
و ليس بالانتقاء الطبيعي
هو الذي اعتاد خشونة العيش
في براري الماموث
الشديدة الانحدار
منجرفاً بلا تاريخ
نزيلُ الكهوف حيث كان يصطاد الدببة
لنشر موتاه على أوراق الشجر الهامدة
مع بعض شظايا الصوان بجوارهم
وتنفض الأيادي
المجاورُ للأنهار الجليدية
المطرود
من قبل الحشود المكتئبة للمتحضرين
الدمعة الأكثر رقة بين الدموع الأولى
مكتشفُ الحدس ما قبل الإنساني
كدليلٍ على بقاء الموت فينا
ما وراء الجلد وما وراء العظام
أتطلع إليه من أعماق كهفي هامساً إلي
أن لا شيء يضيع إلى الأبد طالما الجبال
التي تلوح في الأفق تستمر في تمسيد العمود الفقري للتندرا
وطالما الشمس تذيب الأنهار الجليدية
في انتظار الطوفان الوشيك
■ ■ ■
5- كلاب الصيد
بذورٌ تنبت في الظلام
فواصلُ باهتة لليلِ تخترق المعنى
بشرتي تتجسس على هبوب العبارة
ما لا يسعني معرفته يعني على الأقل استمرار
اليأس في عدم المعرفة و ضربات متقطعة
على شبكة العين
عندما تتملكني رغبة قوية
في أخذ حياتي بقوة
مع كل انخساف لي في شروخ هاوية ماضيَ
و التكلم مباشرة من قلب مركزي
حيث يتمدد الفراغ الأكثر عذوبة
في أذني الداخلية يتعالى هياج السكون
وفي أنفاسي تهوي جميع الأفولات
كلاب الصيد تتسلق ببطء تدفق دمي
حتى مغارة غيابي في نهاية العالم
عبارة نيتشه تصفعني على خدي
أقسى من صقيع طفولتي البعيدة
وحده بيسوا يحفظ بعض الأبيات التي لم أعد أذكرها
وجده بيكاسو يتطلع بنظرتي الأخيرة
إلى الإله أبو
■ ■ ■
6- نزل
لا أمل لي بمستقبل أكثر أماناً
من جلوسي على المقعد
في مواجهة حانة – المستقبل – على الطريق السريع
الرابط بباريس
في ضجيج الأبواب الدائرية
إنه لممتع كفاية بوجود النادل جاك
وتكرار تبادل التحايا كالعادة
بين كحول و بقية قهوة
وأنا أعُدّ في رأسي بلا جدوى آلاف
الزجاجات
المفرغة
في عشرات الآلاف من حفلات الشراب
على مر العصور
فيما يدير ظهره للرفوف الأمامية للزجاجات
التي لا يستنفذ فراغها أبداً
بينما أدخن...
وبما أن الحصة المنذورة لي (ممن؟) لم تُهْرَق سوى بعدد
ضئيل من الزجاجات، فمن المؤكد أنه من الآن فصاعدا سيُهرق الأقل
من دموع الشعير النقي في كأسي
في بعض الأحيان أقف
فجأة و أصرخ: تعاسة العالم لا تخرج سوى من الأرقام
التي من تدمر إحصائيا حياتنا
أيها الركض المجنون للوقت
بحيواناته المنوية المذعورة
لنحرر – قلت لنفسي – الوقت، لا حاجة لنا للأرقام
لا تعرف الحانة الصغيرة – المستقبل – نفسها
سوى الوقت الذي يَستهلك فيما يُستهلك
بهذه الطريقة
التي تصر على تعقب آثار خطواتك
حتى لو سارت أحياناً بمحاذاة خطواتك
فيما تتناسى البداية والنهاية وتتناسى على الفور
النسيان
مثلما يظل نسياً منسياً في قعر الزجاجة
ثمالة من الخلود...
وكما لو أن ذاكرة فمي الذواقة قصيرة
وتكافح للتنبؤ
بكحول المستقبل المفترض
أحياناً أتوجه بالسؤال للكحول و أتساءل:
ماذا لو أن أسلافي لم يشربوا منذ سنين خلت
بعض الكؤوس التي كان يتردد القدر
قبل أن يجرعني إياها
الزمن مقاصة...
* Dinu Flămând شاعر روماني ولد عام 1947 في قرية صغيرة بشمال ترانسيلفانيا. ظهرت أولى مجموعاته الشعرية سنة 1971، وبعد مشاكل مع الرقابة والتضييق عليه غادر رومانيا إلى المنفى عام 1980، وبقي فيه حتى عام 2010 حيث عاش في باريس وعمل في الإعلام. أصدر قرابة عشرين مجموعة شعرية من بينها "حالة حصار" (1983)، "أحجار الصمت" (2011
** ترجمة: ميشرافي عبد الودود