عاد العاهل المغربي، الملك محمد السادس، إلى توجيه خطاب وُصف بالمعارض لسياسات الحكومات المتعاقبة، مشددًا على ولوج المملكة عهدًا جديدًا يتسم بمحاسبة المسؤولين المتورطين في العديد من الاختلالات، من دون أن يعطي تفاصيل وافية حول هذا المعطى.
وقال الملك المغربي، خلال افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان، مساء الجمعة، في الرباط، إن البلاد تعرف بداية مرحلة حاسمة، تقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة، والعمل على إيجاد الأجوبة والحلول الملائمة للإشكالات والقضايا الملحة للمواطنين.
وأردف العاهل المغربي: "إننا لا نقوم بالنقد من أجل النقد، ثم نترك الأمور على حالها، وإنما نريد معالجة الأوضاع، وتصحيح الأخطاء، وتقويم الاختلالات". وأضاف: "إننا نؤسس لمقاربة ناجعة، فما نقوم به يدخل في صميم صلاحياتنا الدستورية، وتجسيد لإرادتنا القوية، في المضي قدمًا في عملية الإصلاح، وإعطاء العبرة لكل من يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام".
واستطرد: "بصفتنا الضامن لدولة القانون، والساهر على احترامه، وأول من يطبقه، فإننا لم نتردد يومًا في محاسبة كل من ثبت في حقه أي تقصير في القيام بمسؤوليته المهنية أو الوطنية، ولكن الوضع اليوم أصبح يفرض المزيد من الصرامة، للقطع مع التهاون والتلاعب بمصالح المواطنين.
وبعد أن أكّد أنه "وقف أكثر من مرة على حقيقة الأوضاع، وعلى حجم الاختلالات التي يعرفها جميع المغاربة"، تساءل "أليس المطلوب هو التنفيذ الجيد للمشاريع التنموية المبرمجة، التي تم إطلاقها، ثم إيجاد حلول عملية وقابلة للتطبيق للمشاكل الحقيقية، وللمطالب المعقولة، والتطلعات المشروعة للمواطنين، في التنمية والتعليم والصحة والشغل وغيرها؟".
ولفت الملك، في خطابه، إلى أن المغاربة اليوم يحتاجون للتنمية المتوازنة والمنصفة، والتي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار، والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية، التي يطمح إليها كل مواطن، كما يتطلعون لتعميم التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع للخدمات الاستشفائية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية.
واعترف الملك بأن نموذج التنمية للبلاد لم يعد مقنعًا: "النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات، ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية".
ودعا الحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، كل في مجال اختصاصه، لـ"إعادة النظر في نموذجنا التنموي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد"، وحثّ على بلورة رؤية مندمجة لهذا النموذج، كفيلة بإعطائه نفسًا جديدًا، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقاط الضعف والاختلالات، والتي أبانت عنها التجربة.
وطالب المجلس الأعلى للحسابات بالقيام بمهامه في تتبع وتقييم المشاريع التي تنجز في مختلف جهات المملكة، وهي دعوة تأتي بعدما كلفه بإعداد تقرير يقيم فيه مشاريع الحسيمة التي عرفت حراكاً اجتماعياً منذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
وقال إنه "رغم الجهود المبذولة فإن وضعية شبابنا لا ترضينا ولا ترضيهم، فالعديد منهم يعانون من الإقصاء والبطالة ومن عدم استكمال دراستهم وأحيانا حتى من الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية".
وشدد عاهل المغرب على أن معالجة أوضاع الشباب تحتاج إلى ابتكار مبادرات ومشاريع ملموسة تحرر طاقاتهم وتوفر لهم الشغل والدخل وتضمن لهم الاستقرار وتمكنهم من المساهمة البناءة في تنمية الوطن.
وأعلن عن استحداث وزارة منتدبة بوزارة الخارجية، مكلفة بالشؤون الأفريقية، خاصة الاستثمار، وخلية للتتبع، بكل من وزارتي الداخلية والمالية.
ولم تفت الملك المغربي الدعوة إلى "التحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها، من دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى إن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي"، على حد تعبيره.