العراق الجديد.. بين الطوائف وداعش
بين عشية وضحاها، تم التخلص من رئيس الوزراء العراقي، المنتهية ولايته، نوري المالكي، بعد أن صار ورقة أميركية إيرانية محروقة، أشعلت ما أشعلته من فتنٍ طائفية بين حكومة ما بعد الاحتلال ومناصري صدام حسين، وبين شيعة العراق وسنته، الذين لم يجدوا دواءً لما مسهم من قمعٍ وظلمٍ وتهميشٍ على يد مخابرات المالكي وأجهزته الأمنية الطائفية، غير الجهاد المسلح مع التنظيمات الإسلامية، القاعدة وتفريعاتها، التي تبدو اليوم معتدلة مقابل تنظيم داعش، الذي بات لا يقاوم، ويفسح له مجال السيطرة وحسب.
وبغض النظر عن تفاصيل دقيقة لنشأة التنظيم، أو نظرية قيامه بشكل تلقائي، نتيجة ضغط وظلم وسنوات الحرب التي عرفتها العراق، بتلاقح مع فكر السلفية الجهادية الذي نزح إلى العراق عبر مجاهدي السعودية التي طالما مولت، رسمياً وبشكل غير رسمي، الحركات الإسلامية السنية في المنطقة، في ساحة صراعها مع التوسع الإيراني. ما يهم أن داعش بات خطراً على المنطقة بأسرها، إذ يقصي فكره الأحادي كل الآخرين المختلفين عنه، وبالتالي، يهدد زحفه كل الطوائف.
ثم تم تنصيب رئيس حكومة عراقية جديد، حيدر العبادي، بمباركة الجميع، من عشائر سنيّة، وشيعة، وكرد، وغيرهم، وصوّتوا له بالإجماع، بمباركة إيرانية لبقاء الشيعة على رأس الهرم الإيراني، ومباركة أميركية أصبحت تدّعي تفضيل تصالح العشائر والطوائف واستقرار البلاد، بعد أن خربته بجيشها ثم بمخابراتها. توحد واستقرار لغرض شن حربٍ موحدةٍ، قوية على داعش، بدأتها أميركا بقصف منظم، بعد أن أصبحت قاب قوسين أو أدنى من مدينة أربيل.
أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق الذي مُنح الحكم الذاتي بعد حرب الخليج الأولى، سنة 1991. يقطنها كرد وأيزيديون، ويحاول داعش قصفها منذ مدة، بعد رفضهم مبايعته، ليتوسع على أراضيهم وما تكنزه من نفط. وقد نزح أيزيديون كثر من منازلهم، بعد سيطرة داعش على مدينة سنجار، وإخراجهم من بيوتهم إلى الجبال المحيطة بالمدينة.
قد تكون خطة أميركا، إن صحت نظرية المؤامرة، تقسيم العراق إلى دويلات كردية وشيعية وإسلامية، وأخرى تجمع فيها باقي الأقليات، لإضعاف جيوش المنطقة، حتى لا تقوى أبداً على مقاومة المد الإسرائيلي في فلسطين، وربما خارجها مستقبلاً. وبالتالي، يكون التدخل الأميركي لضرب داعش، بعد أن اقترب من الحد الفاصل بين العراق و"كردستان العراق" أمر مفهوم، بالقياس على الاهتمام الأميركي بعدم خلخلة مخططات الكونغرس، وكارتيلات النفط للمنطقة.
هل يعقل أن يتوسع داعش في مدينة أربيل بالسلاح، ويرتكب فيها جرائماً، لأن من سكانها من هم أيزيدييون، وأن يقاتلهم باسم الدين، على الرغم من أنهم مدنيون مسالمون لم يحاربوا أحداً ولم يمنعوا مسلماً من العيش في مناطقهم، ولم يشكلوا في أي يوم عائقاً أمام الدعوة إلى الإسلام؟ وقد قال تعالى، "لا إكراه في الدين. قد تبين الرشد من الغي".
يقول سيد قطب ما معناه، حَسْبُ الإسلام أن تضمن له حقه في الدعوة والانتشار، فإن منعته، يحارب دفاعاً عن هذا الحق فقط، وإن وفرت له حقه في الانتشار عبر الدعوة السلمية فلا يحارب أبداً هجوماً ليُكره الآخرين على الدخول في الدين. وفي القرآن "وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم. فإن أسلموا فقد اهتدوا. وإن تولوا فإنما عليك البلاغ. والله بصير بالعباد".
إذن؛ كيف نفهم، اليوم، توسع داعش باسم الدين وأهل السنة والجماعة، وكيف استطاعوا تجييش الشباب من المغرب وتونس ومصر وأوروبا وآسيا للقتال؟ وكيف غنموا سيارات "تويوتا"، و"الهمفي همر"، والأسلحة الثقيلة، في ظرف وجيز، واستطاعوا أن يعبروا الحدود ويتسللوا ويغنموا وينفجروا ويضعوا الخطط، فقط بين دول المسلمين، وصعب عليهم ذلك كله، ولو بنسبة واحدٍ في المئة تجاه إسرائيل؟
علّمنا التاريخ الإسلامي أن الإسلام لم ينتشر بقوة السيف، وإنما بقوَّة مبادئه، وأن الفتوحات الإسلامية تمت بأخلاق المسلمين والتجارة، وليس بالإمبريالية والقتل.