العلمانية المغربية والدين
الدستور في المغرب يقرّ أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وهذا البند يُخضع كل حزب راغب في العمل السياسي تحته كأحد ثوابت الدولة، مهما اختلفت مرجعيات الأحزاب، وتناقضت مبادئها وأهدافها مع التشريعات الإسلامية. إذن، كيف تراوغ الأحزاب العلمانية لاحترام هذا الثابت، لكسب شرعية العمل السياسي، وفي الوقت نفسه، تحاربه لفرض أيديولوجياتها وتوجهاتها.
يعد حزب الاستقلال من أعرق الأحزاب في المغرب، وكسب شعبيته الطائلة بالالتحاف برداء المقاومة بعد الاستقلال مباشرة، ويعتبر الإسلام من دعامته الأساسية في عبارة "الوطنية الإسلامية"، وهو، بهاته الصياغة، يجعل من الدين تاريخاً وثراثاً، يجدر الحفاظ عليه، كحفاظنا على مآثرنا التاريخية، لنزين بها مدننا، ونضفي عليها الصبغة التقليدية!
هكذا أصبح الإسلام في أجندة حزب الاستقلال شعارات لكسب تعاطف الناخبين، ولا يدخل بأي شكل موجهاً في نقاشات الحزب السياسية والاقتصادية الداخلية، ولا يعار له اعتبار في أجندات الحزب الإصلاحية، فحزب الاستقلال يحترم ثابت الإسلام احترام الحفيد ملابس جده المتوفى، فلا هو يبيعها، ولا هو يرتديها، إلا ليشم فيها رائحة الذكريات.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي فيعتبر الهوية المغربية مؤسسة على ثلاث دعائم: الإسلام والعروبة والأمازيغية. وبهذا يقر بثابت الإسلام، ليضمن لنفسه شرعية العمل السياسي تحت الدستور المغربي، لكنه، في المقابل، يراوغ ويمحور خطاباته، متأبطاً أجندة حقوق الإنسان الكونية، داعياً إلى إلغاء تشريعات الدين في الإرث مثلاً، بما يسميه المساواة بين الذكر والأنثى في الحقوق المدنية. هكذا يقر بالدين ويخالفه في آن واحد، ولو تحلى ببعض الشجاعة لحسب هذه المراوغة مطالباً بتعديلات جذرية في الدستور بإلغاء كل بنود الدين وإمارة المؤمنين، لكن المراوغة أفضل له، لنيل المقاعد البرلمانية والحقائب الوزارية.
نأتي إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي يدعي أنه يعتبر الإسلام أقدس مرجعية في الهوية المغربية، حتى نظن أنه حزب بمرجعية إسلامية، إذا بنا نجد ذراعه المدنية، المتمثلة في "بيت الحكمة"، تناضل لأجل تقنين الحشيش واستهلاك الخمور والعلاقات غير الشرعية، باسم الحريات الفردية، ولو كان الحزب يتحلى ببعض الشجاعة، لقال إنه يناضل لأجل تحرير السوق المغربي من الحرام الذي يقنن الاستهلاك لأجل أرباح أكبر للرأسمالية، فكيف، إذن، يعتبر الدين أسمى مرجعية، وهو يحارب، في المقابل، كل نصوصه القطعية؟
المصيبة أن كل هذه الأحزاب تخوض حرباً بالوكالة لأجل حريات الشعب، لم يوكلهم لأجلها أي فرد من الشعب. بل إنهم، حين يعارض الشعب حروبهم المعلنة على الدين ينعتونه بالمتخلف الظلامي الإرهابي الداعشي، ويركبون حصان الإسلاموفوبيا لمحاربة الشعب.
إنها أحزاب لا تمثل أيديولوجيا إلا نفسها، فهي تعارض بنضالها دستور البلاد، وهوية العباد.