و"قانون رفحاء" هو نسبة إلى مخيّم "رفحاء" الواقع على بعد 20 كيلومتراً من مدينة رفحاء السعودية، التي استقبلت فيه المعارضين لنظام صدام حسين بعد "الانتفاضة الشعبانية" عام 1991، ودعمتهم خلال فترة التسعينيات. وقد أقام في المخيم نحو 40 ألف شخص، بينهم من تولى عقب الغزو الأميركي للعراق مناصب وزارية وبرلمانية وزعماء أحزاب. تبنّت إدارة المخيّم وقتها الأمم المتحدة من خلال الإشراف عليه، وتم تقسيمه إلى 11 مربعاً في كل واحد تتوزّع منازل جاهزة، أقامت فيها الأسر والأشخاص الفارون من العراق، قبل أن يتم توزيعهم على دول عديدة منها أستراليا والولايات المتحدة وكندا والدنمارك وفنلندا وبريطانيا وإيران وهولندا والنرويج والسويد وسويسرا وسورية. وحصل من غادر إلى الدول الغربية على جنسيات هذه الدول، ليغلق المخيّم بشكل كامل بعد عام 2003.
وأقرَّ البرلمان العراقي، في دورته الثانية بعد عام 2003، قانون "رفحاء"، مع منح من كانوا في المخيّم امتيازات كبيرة. وأيّدت آنذاك غالبية الكتل بمجلس النواب، بحسب نائب سابق، تحدَّث لـ"العربي الجديد"، القانون. وأضاف النائب، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ "قانون رواتب سكان مخيم رفحاء، نصَّ على توفير أرض سكنية لمن بقي يوما واحدا في المخيم، وراتباً تقاعدياً لمن بقي ستة أشهر. أمّا من بقي لسنين، فله أرض ورواتب مع أولاده وأهله، ناهيك عن المنح المالية الكبيرة، وتسفير أولاد سكان المخيم للدراسة خارج العراق". وأكّد أنّ "العراقيين الذين عاشوا سنوات الحصار، يستفزهم هذا القانون، لأنّ رواتب الموظفين الذين خدموا الدولة لعشرات السنين، لا تساوي ربع ما يتقاضاه الرفحاوي الذي قضى سنة أو سنتين في المخيم السعودي. مع العلم أن موازنة العام الحالي (2019) خصصت 30 ترليون دينار عراقي، أي ما يعادل 28 مليون دولار أميركي للرفحاويين، الذين تختلف الدولة نفسها حول عديدهم. فالأعداد المتوفرة لدى الحكومة هي 40 ألفا، علماً أنّ سكان المخيم لا تزيد أعدادهم عن 33 ألف شخص". واعتبر النائب أنّ التحرّك الحالي في البرلمان "يهدّد بشكل جدي ربيع الرفحاويين الذين يقيمون في الخارج، وتصلهم مرتباتهم على حساباتهم البنكية".
وخلال اليومين الماضيين، شهد البرلمان العراقي أوّل حراك سياسي من أجل فتح ملف "محتجزي رفحاء"، وإعادة النظر بمستحقاتهم، بعد نشر أكثر من وثيقة تشير إلى عمليات فساد كبيرة تمارسها مؤسسة السجناء السياسيين، المسؤولة عن الملف، ناهيك عن وجود آلاف الأسماء الوهمية، التي تخصّص لها مرتبات بملايين الدنانير العراقية. ويقود الحراك تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي بدأ جمع تواقيع لإعادة النظر في القانون بعد اقتراب حسم ملف استكمال الحكومة العراقية.
وفي السياق، قال سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، النائب رائد فهمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التحركات البرلمانية لتعديل قانون مخصصات رفحاء، لا يعني إلغاء رواتبهم، على اعتبار أنهم انتفضوا ضدّ نظام صدام حسين، وبالتالي يشملهم قانون السجناء السياسيين أو غيره من قوانين العدالة الاجتماعية". وأضاف "لدينا ملاحظات على مخصصات محتجزي رفحاء، بسبب عدم توازن الامتيازات والرواتب المخصصة لهم، مقارنة مع الآخرين من السجناء السياسيين العراقيين، والمطلوب هو معالجة هذا الإفراط بالمخصصات، والبنود غير الاعتيادية في ملفهم".
وتابع فهمي أنّ "من حقهم أن يأخذوا حقوقهم، لكن بإنصاف كما الجميع، وقد لاحظنا أن الأبناء ممن لم يعيشوا في المخيم سوى عام أو عامين، يستلمون من الموازنة المالية العراقية مرتبات بالملايين، وهذا غير منطقي". وعن تعاطي الكتل السياسية في البرلمان العراقي مع تعديل القانون، أكّد أنّ "كل الكتل السياسية والبرلمانية تدرك الخلل الكبير في القانون".
بدوره، قال النائب السابق في البرلمان العراقي رحيم الدراجي، إنّ "قانون المخصصات المالية لمحتجزي رفحاء، يحتوي على كوارث، تبدأ بالمبالغ الكبيرة التي تُرهق العراق، ولا تنتهي بحالات التزوير الكثيرة بمواليد الأبناء الذين يتسلمون مرتبات من العراق، وهم يعيشون خارج بلادهم الأصلية". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "قانون رفحاء يندرج ضمن خانة الفساد وهدر المال العام، وعدم المساواة والعدالة بين أفراد الشعب العراقي. لذا نحن نعمل على تحقيق العدالة بين مختلف شرائح العراقيين".
من جهته، لفت عضو تيار "الحكمة" محمد اللكاش، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "تغيير أو تعديل أي قانون يتم من خلال الطرق الرسمية المعروفة، سواء كان القانون متعلقا بمؤسسة السجناء السياسيين أو الشهداء ممن يندرجون ضمن قوانين العدالة الاجتماعية"، مضيفاً "لكن أن يُثار الملف هذه الأيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المحطات المملوكة للأحزاب، فهو من أجل تغييب الشعب العراقي عن قضايا وملفات مهمة، مثل تلك المرتبطة بالفساد المالي والإداري".
ورأى اللكاش أنّ "بعض السياسيين وأعضاء مجلس النواب وجيوش مواقع التواصل، يريدون تحريف الحقائق لدى الرأي العام"، معتبراً أنّ "الحديث عن رفحاء مجرّد لعبة إعلامية وسياسية، مع العلم أنه كان الأجدر بهؤلاء السياسيين، فتح ملفات أعمق وأخطر مثل ملف حصر السلاح بيد الدولة الذي يقترن بالأمن العراقي، وملف المحاصصة".
أمّا الباحث في الشأن السياسي العراقي عبد الله الركابي، فرأى أنّ "التحرّك الذي يقوده برلمانيون ومنهم تحالف سائرون للتحقيق بقانون رفحاء، من الصعب أن يأتي بثماره، لأنّ كل الكتل السياسية الحالية، وهي نفسها القابضة على السلطة في العراق، كانت صوّتت لصالحه إبان عرضه على مجلس النواب"، معتبراً أنّ "ما يحدث الآن بهلوانيات من أجل البروز وكسب الشهرة السياسية". وأشار الركابي في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "هذا القانون تستفيد منه أسماء سياسية وقياديين في الأحزاب الشيعية، وبالتالي من الصعب التحقيق بالمرتبات، وفتحه قد يؤدي إلى مشاكل سياسية جديدة. كما أنّ عرّاب الملف، هو محمد الهنداوي (رجل دين شيعي)، الذي يملك نفوذاً كبيراً داخل الأحزاب العراقية الشيعية، ومن الصعب أن يرفضوا له طلباً، في حال وجه الأحزاب بالامتناع عن الحديث عن القانون داخل مجلس النواب".