يأتي هذا في حين اتسعت حدة التظاهرات العراقية في بغداد وجنوب ووسط البلاد، خلال الساعات الماضية، بالتزامن مع إغلاق عدد من الطرق والجسور في ذي قار والبصرة من قبل متظاهرين، ونصب خيام جديدة في ساحات الاعتصام، بينما شهدت ساحتا التحرير في بغداد، والحبوبي في الناصرية، هتافات تمجد المقاومة الفلسطينية في غزة، وتطالب بموقف عربي موحد من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.
يأتي ذلك بالتزامن مع إصدار الحكومة قراراً بتأجيل انتخابات مجالس المحافظات العراقية المقررة، في إبريل/نيسان المقبل، حتى إشعار آخر.
وتظاهر عشرات الآلاف، اليوم الثلاثاء، في ساحة التحرير وجسر الجمهورية ومحيط المطعم التركي وساحة الخلاني وساحة الطيران في بغداد.
وعلى الرغم من استمرار قوات الأمن العراقية في سياسة العنف تجاه المتظاهرين، من خلال قنابل الغاز والذخيرة الحية، إلا أنّ الساحات بدت مكتظة بالمحتجين، في الوقت الذي تخلل التظاهرات، وفقاً لمشاهدات مراسل "العربي الجديد"، شعارات تمجد المقاومة الفلسطينية وتندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، من قبيل "يا رب يا عالي سدد رمي الغزاوي"، و"كلها وياك لا تحزن يالغزاوي"، كما رددت شعارات أخرى مشابهة لها أيضاً في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار التي تشهد أكبر الاحتجاجات بين محافظات الجنوب العراقي.
وبشكل متسارع، تصاعدت موجة الغضب الشعبي في محافظة ميسان المرتبطة حدودياً مع إيران، إذ أغلق المتظاهرون شركة نفط ميسان احتجاجاً على عدم استجابة الحكومة لمطالبهم، بعدما أغلقوا مكتب قناة "العراقية" الرسمية في المحافظة، إثر مصادمات مع عناصر الأمن. كما أغلق المتظاهرون مبنى المعهد التقني، وطوقوا محكمة استئناف ميسان، وأغلقوا مديرية الشهداء والسجناء السياسيين في المحافظة، وجامعة ميسان، فيما لم يتمكّن عناصر الأمن من منع المتظاهرين الغاضبين.
وفي مدينة واسط، تظاهر المئات من الكوادر التدريسية في ساحة الاعتصام، رافعين مطالب محاربة الفساد وإقالة الحكومة. ويواصل آلاف الطلاب تظاهراتهم واعتصاماتهم في الديوانية، مركز محافظة القادسية، بينما يطوقهم عناصر الأمن من جميع الجهات.
وشهدت محافظة المثنى، تظاهرات طلابية واسعة في عاصمتها السماوة، وفي بلدة الرميثة، حيث تجمع مئات من طلبة المدارس والطلبة الجامعيين، منددين بالحكومة و"التدخل الإيراني".
وفي كربلاء، يواصل طلبة جامعة كربلاء، اعتصامهم المفتوح داخل الخيام، مؤكدين عدم التراجع عن الاعتصام حتى تحقيق المطالب، بينما اعتصم طلاب جامعة البصرة داخل الحرم الجامعي، وتظاهر مئات من الطلاب في ساحة اعتصام البصرة وسط المدينة، مؤكدين استمرار الإضراب عن الدراسة.
ولم تخفِ جهات سياسية دعمها الحكومة، على الرغم من مطالبات المتظاهرين بإقالتها، إذ دعا رئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، اليوم الثلاثاء، إلى "أهمية أن تواصل السلطات التنفيذية والتشريعية العمل من أجل تحقيق الإصلاح الشامل، بغية توفير الحياة الكريمة لأبناء الشعب"، مؤكداً في بيان "ضرورة إجراء الإصلاحات بعيداً عن التدخلات الخارجية".
في المقابل، أعلن مجلس الوزراء العراقي، أنّه "قرر تأجيل انتخابات مجالس المحافظات إلى موعد يحدد لاحقاً". ووفقاً لبيان مقتضب صدر عن الحكومة، مساء الثلاثاء، فإنّه أقرّ أيضاً مشروعي قانون المفوضية العليا للانتخابات، وقانون انتخابات مجلس النواب، وإحالتهما إلى البرلمان العراقي لإقرارهما.
عبد المهدي يبرر العنف
بدوره، قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، إن قوات الأمن لم تستخدم الرصاص الحي ضد المتظاهرين منذ تجدد الاحتجاجات في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، إلا أقرّ في الوقت ذاته بأن الرصاص الحي استخدم ضد المتظاهرين في بداية التظاهرات في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم.
وبرر عبد المهدي لجوء القوات العراقية إلى العنف بتعرضها لاعتداءات من قبل متظاهرين، مضيفا خلال كلمة ألقاها في اجتماع لمجلس الوزراء، مساء الثلاثاء "نحن لا نواجه إلا من يريد التعرض للقوات المسلحة".
وأشار إلى قيام السلطات العراقية بتشكيل لجان للتحقيق بضحايا أحداث العنف، لافتا إلى وجود "مخربين" يحاولون الاصطدام بقوات الأمن.
وانتقد عبد المهدي حديث بعض الدول عن الحريات في العراق، موضحاً أن العراق بلد فيه قدر كبير من الحريات تفتقد إليه دول أخرى.
وتابع أن "قانون التظاهر النافذ في العراق يحظر على أي شخص أو مجموعة تنظيم أي تجمع قبل الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية، على أن يكون هذا التجمع بإعداد محددة"، مشيرا إلى أن القانون يمنع أيضا التظاهر في مسافة تقل عن 500 متر عن أي مؤسسة.
وبيّن أن قانون التظاهر اشترط حصول المحتجين على موافقة أمنية قبل 24 ساعة من موعد التظاهرة، مؤكدا أن القانون منع حمل الأسلحة النارية، والأشياء الحادة، وارتداء الخوذ واللثام والقناع، كما منع حمل كل شيء يمكن قذفه بما في ذلك الحجارة، وليس المولوتوف والقنابل اليدوية فحسب، على حد قول عبد المهدي، في إشارة إلى اتهامات الحكومة للمتظاهرين بإطلاق مولوتوف باتجاه قوات الأمن.
في هذه الأثناء، جددت الولايات المتحدة الأميركية استنكارها استخدام القوات العراقية العنف المفرط ضد المتظاهرين.
وأبلغ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في اتصال هاتفي، رفض واشنطن لاستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين.
ونقل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مورغان أورتيغاس، عن بومبيو استنكاره تزايد أعداد القتلى من المتظاهرين العراقيين، فضلا عن وجود تقارير تتحدث عن وجود حالات خطف لمحتجين.
وحث الوزير الأميركي عبد المهدي على اتخاذ تدابير سريعة للاستجابة للمطالب المشروعة للتظاهرات من خلال الاصلاحات وإجراءات محاربة الفساد.
وطالبت واشنطن الاثنين العراق بوقف العنف ضد المتظاهرين، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، معبرة عن قلقها البالغ تجاه الهجمات المستمرة ضد المتظاهرين والناشطين المدنيين والإعلاميين في العراق، بالإضافة إلى فرض قيود على خدمة الإنترنت.
وأوضح البيت الأبيض أن "العراقيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي فيما تستنزف إيران موارد بلادهم وتستخدم مليشيات مسلحة وحلفاء سياسيين لمنعهم من التعبير عن آرائهم بشكل سلمي".
(شارك في التغطية: براء الشمري من بغداد)