بدأ العديد من العوائل المسيحية العودة إلى مناطقها المحررة في مدينة نينوى شمال العراق، بعد انتزاعها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فيما طالب رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، لويس ساكو، دول الاتحاد الأوروبي بضرورة المشاركة في إعادة إعمار المناطق المحررة.
وتعرّض مسيحيو العراق لحملات استهداف وتهجير بعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل منتصف 2014، أدت إلى تدمير مدنهم وكنائسهم، ودفعت بالآلاف منهم إلى الهجرة نحو إقليم كردستان أو خارج البلاد.
ويُقدّر عدد النازحين المسيحيين من نينوى بعشرات الآلاف، وغالبيتهم مستقرون في مدن إقليم كردستان وكركوك وبغداد، ويعانون من أزمة قلة المساكن والمواد الإغاثية وصعوبة العيش بسبب كثافة المهجرين في مناطق النزوح.
وقال أحد سكان ناحية برطلة، نينوس خالد، لـ"العربي الجديد"، إن "أهالي برطلة وقضاء الحمدانية بدأوا العودة إلى مناطقهم المحررة بعد طرد تنظيم الدولة (داعش)، ولكن كل شيء مدمر في برطلة. بدأنا رفع الأنقاض وإعمار الكنيسة التي أحرقت ودمرت أجزاء منها".
وأضاف أن "المسيحيين في نينوى لا يرغبون في الهجرة إلى خارج العراق كما فعل آلاف منهم سابقاً. نحن باقون في أرض الآباء والأجداد، وعلى الحكومة العراقية أن تسرع في تخصيص الأموال لإعادة الخدمات لمناطق سهل نينوى التي طاولها الدمار".
وفي السياق، قال البطريرك ساكو في بيان، إن "العراق بحاجة إلى آلية صحيحة للمصالحة الوطنية المتعثرة منذ 2003، والعراقيون بحاجة إلى المساعدة لتحقيق مصالحة حقيقية تعيد الأمل والثقة إلى المواطنين، وأن يتبنى كل بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي مسؤولية إعمار إحدى البلدات التي هجر تنظيم داعش سكانها ودمر بيوتها والبنى التحتية، ما يشجع المهجرين والنازحين على العودة ومواصلة حياتهم الطبيعية".
وتابع ساكو "نريد دولة مدنيّة. دولة مواطنة تحترم القانون. دولة مؤسسات تحترم كل عراقي. دولة يعيش الكل فيها بكرامة، سواء كانوا أغلبية أو أقلية.
الجميع لديه إرادة طيبة ونحتاج آلية مصالحة بين العراقيين وخارطة طريق لما بعد داعش، حيث أن هناك مخاوف في مدننا من أن يعود الاحتلال من جديد، ويجب عقد مؤتمر موسع من السياسيين ورجال الدين نتفق فيها على صيغة للمستقبل. نتفق فيها على حياة نعيشها دون خوف، وخصوصاً الأقليات".
وأشار إلى أن "العراقيين بحاجة إلى القيام بعملية النقد الذاتي لمعرفة جميع الأسباب وراء ما حدث ويحدث، وأساس المصالحة هو الإخلاص للعراق كوطن جامع وليس للدين أو الحزب أو الأشخاص، ولأهمية تعزيز سيادة القانون والمؤسسات والمواطنة واحترام حقوق الجميع".
وأوضح ساكو "في ظل انتشار أفكار تنظيم داعش لا بد أن نصلح الخلل في خطابنا وننقيه من كل الأفكار الظلامية الهدامة، وأن نعترف بالآخر، ونذهب باتجاه الدولة المدنية الحضارية التي تؤسس لنا فكراً إنسانياً متطوراً"، مشيراً إلى ضرورة وجود "خطاب ديني معتدل يتمسك بدوره في توجيه الناس نحو القيم العليا والدفاع عن حقوق الجميع وتحقيق العدالة والمساواة مع تبني نظام مدني يحترم القيم الدينية والإنسانية ولا يقحم الدين في السياسة. ويجب استخدام الإعلام والتعليم كوسيلة تثقيف على التسامح وقبول الآخر وليس من أجل أجندات فئوية".