العراق: مشروع حكومة مؤقتة لتنظيم انتخابات

10 ديسمبر 2019
تتواصل التظاهرات وقطع الطرق (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
أسبوع واحد يتبقى على انتهاء المهلة الدستورية لاختيار رئيس وزراء جديد في العراق خلفاً لعادل عبد المهدي، والتي تنقضي ليل 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، من دون أي مؤشرات على قرب توافق بين القوى السياسية على اسم مرشح محدد، فما إن يُطرح اسم حتى يتعرض للرفض أو التشكيك في أن الشارع سيقبل به.

وكشفت مصادر سياسية في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن أبرز ما تم إنجازه من مشاورات في الأيام الماضية هو شبه اتفاق على حكومة مؤقتة أقصاها عام واحد تتولى مهاماً محددة، أبرزها التهيئة لانتخابات مبكرة بعد تشريع قانون جديد للانتخابات، والمضي بإجراءات فتح ملفات الفساد وإحالتها للقضاء، وتنفيذ حزم الإصلاحات المعلنة سابقاً مع بداية التظاهرات، وإنجاز موازنة عام 2020. ووفقاً للمصادر ذاتها، وبينها وزير في حكومة تصريف الأعمال الحالية تحدث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، فإن اتفاق الحكومة المؤقتة "غير بعيد أيضاً عن أجواء أو رغبة النجف"، في إشارة إلى المرجع الديني علي السيستاني. وأكدت المصادر أن المشاورات الآن هي حول اسم رئيس الوزراء وتحفّظات الكتل على بعض الأسماء ودعمها أسماء أخرى ووجوب مراعاة عدم استفزاز المتظاهرين في شخصية قد تتسبّب بتأجيج التظاهرات أكثر من وضعها الحالي، كاشفة أن الإيرانيين ما زالوا يضغطون باتجاه منع تسمية رئيس وزراء بعيد عنهم حتى لو كان مؤقتاً، ويتولى حالياً السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي تحركات واسعة إلى جانب قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، ومسؤول في "حزب الله" هو محمد كوثراني.

ومن بين الأسماء التي طُرحت في الساعات الماضية، عدا عن اسمي عبد الحسين عبطان ومحمد شياع السوداني، برز كل من رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي، ووزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار، غير أنه لا يُتوقع أن تكون للأخير فرصة كبيرة، على الرغم من وجود قبول له في الشارع، بسبب تبنّيه مواقف ضد إيران في الفترة الأخيرة.

في موازاة ذلك، قال حاكم الزاملي، القيادي في التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الكتل السياسية اعتادت على حسم قضية اختيار رئيس الوزراء في الساعات الأخيرة، فهي تريد حالياً المناورة والمماطلة من أجل حسم قضية اختيار رئيس الحكومة الجديد، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة، فهناك كتل وأحزاب تشعر أن نهاية الحكومة هي نهايتها السياسية، ولهذا تريد المراهنة على الوقت". وأكد الزاملي أن "الشعب العراقي والمتظاهرين مصرون على عزل الكتل والأحزاب السياسية عن اختيار رئيس الحكومة الجديدة، بل يتم حسم الأمر من خلالهم"، مضيفاً "ننتظر من رئيس الجمهورية برهم صالح حسم هذا الأمر من خلال التفاهم والتشاور مع تنسيقات التظاهرات، وكذلك مع الأمم المتحدة، قبل انتهاء المدة الدستورية، والتي سوف تنتهي بعد أسبوع". وختم القيادي في التيار الصدري حديثه بالقول إن "اتفاق الكتل السياسية على أسماء كان لها دور في العمل السياسي والحكومي، وحتى في منصب أمني، لا يحظى بقبول شعبي".


وحول الموقف الأميركي من المشهد العراقي الحالي، قال القيادي في "جبهة الإنقاذ العراقية" أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إن "واشنطن لم تعد مكترثة بمن سيكون رئيس الحكومة في بغداد، بل مهتمة بماذا سيفعل، والأميركيين الآن يتعاملون مع العراق منذ وصول عادل عبد المهدي للحكم، وفق نتائج عمل السلطة من دون التدخل في التفاصيل، وهذه هي سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب". ورأى أن "تهدئة الشارع المنتفض بحاجة إلى طرح شخصيات لرئاسة الوزراء من خارج الطبقة السياسية، وأي شخصية تُقدّم من هذه الطبقة لن تكون مقبولة من قبل الشعب، الذي يريد تغييراً يثبت أن هذا النظام قادر على تداول السلطة من خلال ترؤس شخصيات من خارج الطبقة السياسية الحالية للحكومة".

وتابع القيادي في "جبهة الإنقاذ" أن "هناك اتفاقاً على أن الحكومة المقبلة ستكون مؤقتة، ومهمتها فقط إجراء انتخابات مبكرة، ولا يكون عمرها أكثر من سنة، ولكي تكون الانتخابات مقنعة للشارع يجب أن يكون رئيس الحكومة شخصية ليس لها أي ماضٍ سياسي وليس لديها مستقبل سياسي، لكن الشخصيات المرشحة أو المطروحة لرئاسة الوزراء لديها ماضٍ سياسي ومستقبل سياسي، وليس من المنطقي أن تشرف على الانتخابات المبكرة". وأكد أن "مدة الأسبوع المتبقية لاختيار رئيس وزراء جديد من قبل رئيس الجمهورية، غير كافية، فلا إمكانية لحسم الموضوع بسرعة عاجلة، وليس هناك أي بوادر للتفاهم ولا خطوط واضحة للتفاهم، ولهذا من المؤكد أنه سيتم تجاوز مدة الخمسة عشر يوماً، وسوف تبحث الكتل والأحزاب السياسية عن مخرج آخر غير هذه المدة الدستورية والقانونية".

ومع تواصل التظاهرات في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق، يبرز تحدي القمع والترهيب للمتظاهرين والناشطين على حد سواء من قِبل جماعات مسلحة صعّدت في الساعات الأخيرة من عمليات الاستهداف للمتظاهرين، إذ نُفذت ثلاث عمليات اغتيال في كربلاء طاولت ناشطين وأسفرت عن مقتل أحدهم وهو فاهم الطائي، وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة، بالتزامن مع عملية رابعة في ميسان المجاورة لكربلاء.
مسؤول عراقي في وزارة الداخلية علّق لـ"العربي الجديد" على موجة الاغتيالات التي تأتي بعد نشر أسماء 13 ناشطاً في كربلاء اختفوا منذ أيام بعدما كانوا يستقلون سيارة "ميني باص" متجهين إلى بغداد، بأنها "متوقعة منذ حادثة طعن المتظاهرين في بغداد الخميس الماضي". وحول الجهات المتورطة بها، قال إن "الاغتيالات والاختطافات تقف خلفها مجموعة أو جناح متطرف داخل الفصائل الولائية التي دخلت بقوة على خط قمع التظاهرات وتريد إنهاءها". وأضاف أن "الهجمات الحالية تمثّل تحدياً لهيبة الدولة والقانون وتنسف في الوقت نفسه الحديث عن إخضاع كل الفصائل المسلحة لقانون هيئة الحشد".

في هذه الأثناء، قال المتحدث العسكري باسم الحكومة العراقية، اللواء الركن عبد الكريم خلف، أمس الاثنين، إن "أوامر عليا صدرت إلى الحشد الشعبي بعدم القيام بأي فعالية دون توجيهات القائد العام للقوات المسلحة أو قيادة الحشد". وأضاف أن "التعليمات تتضمن أيضاً بقاء قوات الحشد الشعبي في أماكنها كما كانت قبل التظاهرات، ولا تتحرك إلا بأمر من القائد العام للقوات المسلحة". وأشار إلى "صدور أوامر لها بعدم التدخل بأي عملية تخص التظاهرات"، وذلك بعد الجرائم التي ترتكبها فصائل تابعة لـ"الحشد" ضد المتظاهرين.

في موازاة ذلك، أعلنت السلطات العراقية إصدار أوامر قبض واستقدام بحق مسؤولين حاليين وسابقين، بلغت بمجموعها 256 أمراً، على خلفية تهم فساد. وقالت هيئة النزاهة، في بيان لها، إن دائرة التحقيقات فيها أصدرت، خلال الشهر الماضي، "أوامر قبض واستقدام بحق وزراء ونواب ومحافظين حاليين وسابقين للتحقيق معهم باتهامات فساد". وأوضحت أن الأوامر شملت "استقدام 9 وزراء ومن بدرجتهم، بينهم وزيران حاليان، وخمسة سابقون، إضافة إلى وزيرين أسبقين"، مؤكدة أن "الأوامر شملت كذلك 12 عضواً في مجلس النواب، من ضمنهم 10 أعضاء في الدورة الحالية". ولفتت إلى "صدور أوامر قبض واستقدام بحق محافظ حالي و11 محافظاً سابقاً، فضلاً عن شمول 32 مديراً عاماً بتلك الأوامر".