06 نوفمبر 2024
العرب والكرد.. هل انتهت اللعبة؟
مثّل مؤتمر العرب والكرد الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، مطلع الأسبوع الجاري، مناسبة لاختبار إمكانية تناول موضوعٍ راهنٍ، ساخنٍ وحساسٍ، بطريقة أكاديمية. وعلى الرغم من أنه من الصعوبة بمكان فصل ما هو أكاديمي عمّا هو سياسي في نقاشٍ شرطُ منفعته أن يكون صريحاً وبعيداً عن المجاملات، فقد كانت اللغة المستخدمة مع ذلك هادئةً وموضوعيةً وبعيدة عن الاستفزاز، وربما يُعزى ذلك إلى طبيعة الوسط الأكاديمي، مع أن لدى أكثر الحاضرين انتماءات سياسية، ولدى بعض آخرين انتماءات حزبية.
هذا لم يمنع طبعاً التزام كل طرفٍ بمواقفه، فالمشاركون الأكراد جاءوا وفي ذهنهم تأكيد أمرين أساسيين: الأول أن ظلماً وحيفاً وقع عليهم من إخوانهم العرب على امتداد القرن الماضي، إلى درجةٍ استحالت معه إمكانية العيش المشترك. والثاني، متأتٍ من شعورٍ بفائض قوة، هو أن اللعبة قد انتهت، وأن إعلان قيام أول دولة كردية على جزءٍ من "كردستان الكبرى" بات قاب قوسين أو أدنى، فالأكراد، بحكم ظرف ضعف الدولة المركزية في العراق وسورية، وتحالفهم الأمني والعسكري الوثيق مع الولايات المتحدة، باتوا في موقع يسمح لهم بذلك، وأنهم ماضون في هذا الأمر "شاء من شاء وأبى من أبى"، في استعادة مقولة رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، "إن خرائط المنطقة ترسم حدودها اليوم بالدم"؟
بدا المحاورون العرب أكثر هدوءًا، على الرغم من شعور مكبوت بالمرارة، وعلى الرغم من إجماعهم على إبراز المشتركات، والتأكيد على روابط الأخوة التاريخية بين الشعبين، العربي والكردي، إلا أنهم بدوا، مع ذلك، حريصين على عدم ترك انطباعٍ بأن طرحهم هذا يأتي من موقف ضعف، وركّزوا في المقابل على أمرين أساسيين: الأول أن الظلم والحيف الذي مارسته سلطات الاستبداد في الدولة العربية لم يلحق بالكرد وحدهم، لا بل إن الظلم الذي لحق بالعرب يجاوز بأضعاف ما تعرّض له الكرد على سوئه. هل يمكن مقارنة ما لحق بالأكراد منذ قيام الدولة السورية عام 1920 مثلاً بما يتعرّض له السوريون العرب منذ ست سنوات؟ صحيح أنه تم تهجير نحو عشرين ألف كردي من قراهم في مشروع الحزام العربي عام 1973، وتم تجريد نحو 150 ألف كردي من جنسيتهم السورية في إحصاء عام 1962، وهي ممارساتٌ مستنكرة ومرفوضة، لكن الصحيح أيضاً أن نظام العروبة الجامعة المانعة، المتمترس في "قلبها النابض"، هجّر نصف السوريين وجرّدهم ليس فقط من جنسيتهم، بل من حقهم في الحياة، عندما استخدم لإخضاعهم كل أنواع الأسلحة، بما فيها الكيميائي. في العراق، هل يختلف كثيراً ما تعرّضت له مدن الأنبار العربية وبلداتها في عهد حزب الدعوة مثلاً عما تعرّضت له بلدات كردية في عهد نظام البعث؟ هل أن هوية السلطة في دمشق وبغداد عربية يعني أن العرب مسؤولون عن الظلم المرفوض والمستنكر الذي لحق بالأكراد، أم هل ردعت الهوية العربية للسلطة نظامي دمشق وبغداد من إلحاق أشد الأذى بمواطنيهم العرب؟ أليس الاستبداد كله ملة واحدة، لا دين له ولا مذهب ولا هوية؟
الأمر الثاني الذي أثاره المشاركون العرب أن الانفصال لا يمثل حلاً للمسألة الكردية، فأن أقيم جداراً مع جاري لا يعني أن تنتهي مشكلاتي معه. تنتهي المشكلات فقط، عندما يعترف كل طرفٍ بحقوق الآخر، ويحترم خصوصيته. تستدعي الترجمة السياسية لهذا الكلام الانتقال من دولة العصبية القومية، حيث يتمايز الناس إثنياً وعرقياً وقومياً، إلى دولة القانون، حيث يغدون مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وحيث يستطيع الكردي أن يحكم كما يستطيع العربي أن يغدو مواطناً في دولة الجميع. المشكلة إذاً ليست في الفضاء الذي نعيش فيه، بل في الثقافة السياسية وطريقة العيش والتفكير. يمكن للأكراد، بالتأكيد، أن ينفصلوا، لكن هذا لن يضمن لهم استقراراً، خصوصاً في ضوء انقساماتهم الشديدة، ليس فقط كقوى سياسية وعسكرية، انما أيضاً كقبائل وعشائر ولغات. عندها، سيحصل في دولة الكرد ما حصل في دولة العرب، وعندها لا تكون اللعبة قد انتهت، بل تكون هذه مجرد بداية.
هذا لم يمنع طبعاً التزام كل طرفٍ بمواقفه، فالمشاركون الأكراد جاءوا وفي ذهنهم تأكيد أمرين أساسيين: الأول أن ظلماً وحيفاً وقع عليهم من إخوانهم العرب على امتداد القرن الماضي، إلى درجةٍ استحالت معه إمكانية العيش المشترك. والثاني، متأتٍ من شعورٍ بفائض قوة، هو أن اللعبة قد انتهت، وأن إعلان قيام أول دولة كردية على جزءٍ من "كردستان الكبرى" بات قاب قوسين أو أدنى، فالأكراد، بحكم ظرف ضعف الدولة المركزية في العراق وسورية، وتحالفهم الأمني والعسكري الوثيق مع الولايات المتحدة، باتوا في موقع يسمح لهم بذلك، وأنهم ماضون في هذا الأمر "شاء من شاء وأبى من أبى"، في استعادة مقولة رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، "إن خرائط المنطقة ترسم حدودها اليوم بالدم"؟
بدا المحاورون العرب أكثر هدوءًا، على الرغم من شعور مكبوت بالمرارة، وعلى الرغم من إجماعهم على إبراز المشتركات، والتأكيد على روابط الأخوة التاريخية بين الشعبين، العربي والكردي، إلا أنهم بدوا، مع ذلك، حريصين على عدم ترك انطباعٍ بأن طرحهم هذا يأتي من موقف ضعف، وركّزوا في المقابل على أمرين أساسيين: الأول أن الظلم والحيف الذي مارسته سلطات الاستبداد في الدولة العربية لم يلحق بالكرد وحدهم، لا بل إن الظلم الذي لحق بالعرب يجاوز بأضعاف ما تعرّض له الكرد على سوئه. هل يمكن مقارنة ما لحق بالأكراد منذ قيام الدولة السورية عام 1920 مثلاً بما يتعرّض له السوريون العرب منذ ست سنوات؟ صحيح أنه تم تهجير نحو عشرين ألف كردي من قراهم في مشروع الحزام العربي عام 1973، وتم تجريد نحو 150 ألف كردي من جنسيتهم السورية في إحصاء عام 1962، وهي ممارساتٌ مستنكرة ومرفوضة، لكن الصحيح أيضاً أن نظام العروبة الجامعة المانعة، المتمترس في "قلبها النابض"، هجّر نصف السوريين وجرّدهم ليس فقط من جنسيتهم، بل من حقهم في الحياة، عندما استخدم لإخضاعهم كل أنواع الأسلحة، بما فيها الكيميائي. في العراق، هل يختلف كثيراً ما تعرّضت له مدن الأنبار العربية وبلداتها في عهد حزب الدعوة مثلاً عما تعرّضت له بلدات كردية في عهد نظام البعث؟ هل أن هوية السلطة في دمشق وبغداد عربية يعني أن العرب مسؤولون عن الظلم المرفوض والمستنكر الذي لحق بالأكراد، أم هل ردعت الهوية العربية للسلطة نظامي دمشق وبغداد من إلحاق أشد الأذى بمواطنيهم العرب؟ أليس الاستبداد كله ملة واحدة، لا دين له ولا مذهب ولا هوية؟
الأمر الثاني الذي أثاره المشاركون العرب أن الانفصال لا يمثل حلاً للمسألة الكردية، فأن أقيم جداراً مع جاري لا يعني أن تنتهي مشكلاتي معه. تنتهي المشكلات فقط، عندما يعترف كل طرفٍ بحقوق الآخر، ويحترم خصوصيته. تستدعي الترجمة السياسية لهذا الكلام الانتقال من دولة العصبية القومية، حيث يتمايز الناس إثنياً وعرقياً وقومياً، إلى دولة القانون، حيث يغدون مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وحيث يستطيع الكردي أن يحكم كما يستطيع العربي أن يغدو مواطناً في دولة الجميع. المشكلة إذاً ليست في الفضاء الذي نعيش فيه، بل في الثقافة السياسية وطريقة العيش والتفكير. يمكن للأكراد، بالتأكيد، أن ينفصلوا، لكن هذا لن يضمن لهم استقراراً، خصوصاً في ضوء انقساماتهم الشديدة، ليس فقط كقوى سياسية وعسكرية، انما أيضاً كقبائل وعشائر ولغات. عندها، سيحصل في دولة الكرد ما حصل في دولة العرب، وعندها لا تكون اللعبة قد انتهت، بل تكون هذه مجرد بداية.