دار الحديث في الساحة الدولية، حتى عهد قريب، حول أن الصين لا تتحالف مع أحد، وأنها تنتهج سياسة دولية أقرب إلى الحياد نحو تعزيز صدارتها الاقتصادية، فهل ما زال الأمر كذلك، أم أنها بحاجة اليوم إلى التحالف مع موسكو لمواجهة سياسات واشنطن التي تمسك بمعابر الطاقة إلى الصين والمنتجات منها، وإلى العالم؟ أليس من شأن ذلك أن يدفع بكين نحو صيغة أكثر اصطفافاً في مواقفها الدولية، على غرار مواقفها الداعمة لروسيا في الأزمة الأوكرانية والمنساقة معها في استخدام "الفيتو" بخصوص المسألة السورية؟ وهل يمثل ذلك نهجاً جديداً، أم ينبغي عدم إخراجه من إطار علاقة المنفعة المتبادلة مع موسكو؟
روسيا شريك مفضّل
في الثالث عشر من فبراير/شباط الجاري، قال سفير الصين لدى موسكو، لي هوي، في محاضرة بجامعة موسكو لهندسة سكك الحديد، إنّ روسيا شريك مفضّل للصين في تنفيذ فكرة إنشاء "حزام اقتصادي لطريق الحرير"، التي طرحها الرئيس شي جين بينغ عام 2013، وفقاً لما نقلت عنه وكالة "إنترفاكس".
وفي مايو/أيار 2014، أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين، تم توقيع "بيان مشترك بين جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية نحو مرحلة جديدة من الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي". وتمت الإشارة فيه إلى أن الجانب الروسي يعدّ المبادرة الصينية لإقامة "حزام اقتصادي لطريق الحرير"، هامة جداً.
وفي مقدّمة ما تحتاجه الصين من روسيا تأتي مصادر الطاقة وطرق آمنة مضمونة لوصول النفط والغاز، لا تُغلق وتُفتح سياسياً، وكذلك طريق قصير مضمون لإيصال المنتجات الصينية إلى الأسواق الأوروبية. وذلك كله تستطيعه روسيا، ولكن هل تفعل ذلك من دون ثمن سياسي؟
من المعروف أن جميع طرق النفط والغاز البحرية من بلدان الشرق الأوسط إلى الصين تتحكم فيها الولايات المتحدة، وكل الحركة تمرّ عبر مضيق ملقا، الذي يتحكم به الأسطول الأميركي. ورغم أن الصين تحاول حل هذه المشكلة، غير أنّها لم تعثر بعد على حلّ استراتيجي يجنّبها المرور عبر الكمّاشة الأميركية. كما أنّ خط أنابيب النفط من إيران إلى الصين الذي جرى الحديث عن التخطيط لإنشائه ومشاركة بكين فيه، لا مفرّ من مروره عبر أفغانسان وباكستان، مع كل ما يحمله ذلك من تهديدات، ومن إمكانية توظيف واشنطن لعملائها هناك.
وفي محاولة للإفلات من الكماشة الأميركية، تحاول الصين إيجاد مخرج إلى المحيط الهادي عبر ميانمار، لكنّ الأخيرة خاضعة لنفوذ واشنطن التي لا تبخل بدعم نظام الحكم فيها مالياً وعسكرياً.
ومما يدلّل على أهمية ميانمار للولايات المتحدة، من وجهة نظر التضييق على الصين بالدرجة الأولى، تخصيص الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارته الأولى بعد إعادة انتخابه لهذه الدولة. ولكن، كما يبدو، فإن الصين لا تكتفي بالفرجة على ما تفعله واشنطن هناك. فالبلاد تشهد اضطرابات تُنذر بالتصعيد.
إلى ذلك، تحاول الصين حشد الدعم لمشروع شق قناة من خليج سيام في بحر اندامان من خلال أضيق مكان في تايلاند، لكنها تواجه باضطرابات هناك. فالبلاد تشهد ثورة لا أهداف سياسية محددة لها، سوى الحيلولة دون تنفيذ المشروع الصيني، كما تروّج أوساط المحللين السياسيين الروس.
ضعف الصين
ومما تقدّم، يتبين أنّ بكين تعاني من نقطة ضعف في الحفاظ على صادراتها الاقتصادية. فبإمكان واشنطن قطع ممرات النفط من منطقة الشرق الأوسط عن الصين، ولا يبقى للأخيرة إلا روسيا.
إضافة إلى ذلك، فإنّ الصين لا تستطيع ضمان خطوط إمداد الطاقة من دون روسيا، وهناك إشكالية خطوط تصدير منتجاتها إلى أوروبا بأقصر الطرق. وتصطدم الصين هنا بتحكم الولايات المتحدة في طرق التصدير والمعابر الاستراتيجية.
في ظلّ هذه المشاكل، يجد التنين الصيني ضالته في الدب الروسي. فلدى الأخير حل لمشكلات الصين اللوجستية بالاتجاه الأوروبي، إضافة إلى مصادر الطاقة التي يمكن أن تبيعها موسكو لبكين وتضمن وصولها، فتغنيها عن حاجتها إلى نفط وغاز الخليج وإيران. ولكن من أجل ذلك يجب ضمان علاقات طيبة بين بكين وموسكو، أو علاقات مصالح محسوبة جيداً على المدى البعيد، لكي لا تعلق الصين بين فكي الكماشة الروسية بعد إفلاتها من الكماشة الأميركية.
طبيعي أن واشنطن تدرك جيداً ماذا تعني المعادلة الروسية الصينية وتحول دون تحققها. ولذلك يجري الحديث عن دور أميركي سلبي في أحداث أوكرانيا نحو خلق منطقة توتر مديد تقطع طريق الصين إلى أوروبا. وكان الحديث قد جرى عن اتفاقات بين الصين وأوكرانيا في عهد الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، لتحويل القرم إلى معبر صيني إلى أوروبا وإقامة ميناء عملاق هناك ووحدات خزن هائلة واستئجار آلاف الهكتارات للزراعة. ودار الحديث أيضاً عن أن أحد أهداف الدور الأميركي في أوكرانيا هو إفساد العلاقات بين روسيا وأوروبا بعقوبات تمنع تحولها إلى معبر للبضائع الصينية إلى السوق الأوروبية.
وعلى خلفية إدراك بكين الدور الروسي والمفاضلة بين موسكو وواشنطن، تختار شريكها الأكثر أماناً؛ الشريك الذي هو بحاجة إليها أيضاً في صراعه من أجل الخلاص من الهيمنة الأميركية في العالم الحالي الوحيد القطب. ولذلك تؤيد الصين موسكو في الملف الأوكراني، في موقف لا يعجب واشنطن بالتأكيد، وتنسق مع الكرملين سبل مواجهة الهيمنة الأميركية، وإعادة القطبية إلى النظام العالمي نحو إرساء قواعد لعبة دولية جديدة.
في الثالث عشر من فبراير/شباط الجاري، قال سفير الصين لدى موسكو، لي هوي، في محاضرة بجامعة موسكو لهندسة سكك الحديد، إنّ روسيا شريك مفضّل للصين في تنفيذ فكرة إنشاء "حزام اقتصادي لطريق الحرير"، التي طرحها الرئيس شي جين بينغ عام 2013، وفقاً لما نقلت عنه وكالة "إنترفاكس".
وفي مايو/أيار 2014، أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين، تم توقيع "بيان مشترك بين جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية نحو مرحلة جديدة من الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي". وتمت الإشارة فيه إلى أن الجانب الروسي يعدّ المبادرة الصينية لإقامة "حزام اقتصادي لطريق الحرير"، هامة جداً.
وفي مقدّمة ما تحتاجه الصين من روسيا تأتي مصادر الطاقة وطرق آمنة مضمونة لوصول النفط والغاز، لا تُغلق وتُفتح سياسياً، وكذلك طريق قصير مضمون لإيصال المنتجات الصينية إلى الأسواق الأوروبية. وذلك كله تستطيعه روسيا، ولكن هل تفعل ذلك من دون ثمن سياسي؟
من المعروف أن جميع طرق النفط والغاز البحرية من بلدان الشرق الأوسط إلى الصين تتحكم فيها الولايات المتحدة، وكل الحركة تمرّ عبر مضيق ملقا، الذي يتحكم به الأسطول الأميركي. ورغم أن الصين تحاول حل هذه المشكلة، غير أنّها لم تعثر بعد على حلّ استراتيجي يجنّبها المرور عبر الكمّاشة الأميركية. كما أنّ خط أنابيب النفط من إيران إلى الصين الذي جرى الحديث عن التخطيط لإنشائه ومشاركة بكين فيه، لا مفرّ من مروره عبر أفغانسان وباكستان، مع كل ما يحمله ذلك من تهديدات، ومن إمكانية توظيف واشنطن لعملائها هناك.
وفي محاولة للإفلات من الكماشة الأميركية، تحاول الصين إيجاد مخرج إلى المحيط الهادي عبر ميانمار، لكنّ الأخيرة خاضعة لنفوذ واشنطن التي لا تبخل بدعم نظام الحكم فيها مالياً وعسكرياً.
ومما يدلّل على أهمية ميانمار للولايات المتحدة، من وجهة نظر التضييق على الصين بالدرجة الأولى، تخصيص الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارته الأولى بعد إعادة انتخابه لهذه الدولة. ولكن، كما يبدو، فإن الصين لا تكتفي بالفرجة على ما تفعله واشنطن هناك. فالبلاد تشهد اضطرابات تُنذر بالتصعيد.
إلى ذلك، تحاول الصين حشد الدعم لمشروع شق قناة من خليج سيام في بحر اندامان من خلال أضيق مكان في تايلاند، لكنها تواجه باضطرابات هناك. فالبلاد تشهد ثورة لا أهداف سياسية محددة لها، سوى الحيلولة دون تنفيذ المشروع الصيني، كما تروّج أوساط المحللين السياسيين الروس.
ضعف الصين
ومما تقدّم، يتبين أنّ بكين تعاني من نقطة ضعف في الحفاظ على صادراتها الاقتصادية. فبإمكان واشنطن قطع ممرات النفط من منطقة الشرق الأوسط عن الصين، ولا يبقى للأخيرة إلا روسيا.
إضافة إلى ذلك، فإنّ الصين لا تستطيع ضمان خطوط إمداد الطاقة من دون روسيا، وهناك إشكالية خطوط تصدير منتجاتها إلى أوروبا بأقصر الطرق. وتصطدم الصين هنا بتحكم الولايات المتحدة في طرق التصدير والمعابر الاستراتيجية.
في ظلّ هذه المشاكل، يجد التنين الصيني ضالته في الدب الروسي. فلدى الأخير حل لمشكلات الصين اللوجستية بالاتجاه الأوروبي، إضافة إلى مصادر الطاقة التي يمكن أن تبيعها موسكو لبكين وتضمن وصولها، فتغنيها عن حاجتها إلى نفط وغاز الخليج وإيران. ولكن من أجل ذلك يجب ضمان علاقات طيبة بين بكين وموسكو، أو علاقات مصالح محسوبة جيداً على المدى البعيد، لكي لا تعلق الصين بين فكي الكماشة الروسية بعد إفلاتها من الكماشة الأميركية.
طبيعي أن واشنطن تدرك جيداً ماذا تعني المعادلة الروسية الصينية وتحول دون تحققها. ولذلك يجري الحديث عن دور أميركي سلبي في أحداث أوكرانيا نحو خلق منطقة توتر مديد تقطع طريق الصين إلى أوروبا. وكان الحديث قد جرى عن اتفاقات بين الصين وأوكرانيا في عهد الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، لتحويل القرم إلى معبر صيني إلى أوروبا وإقامة ميناء عملاق هناك ووحدات خزن هائلة واستئجار آلاف الهكتارات للزراعة. ودار الحديث أيضاً عن أن أحد أهداف الدور الأميركي في أوكرانيا هو إفساد العلاقات بين روسيا وأوروبا بعقوبات تمنع تحولها إلى معبر للبضائع الصينية إلى السوق الأوروبية.
وعلى خلفية إدراك بكين الدور الروسي والمفاضلة بين موسكو وواشنطن، تختار شريكها الأكثر أماناً؛ الشريك الذي هو بحاجة إليها أيضاً في صراعه من أجل الخلاص من الهيمنة الأميركية في العالم الحالي الوحيد القطب. ولذلك تؤيد الصين موسكو في الملف الأوكراني، في موقف لا يعجب واشنطن بالتأكيد، وتنسق مع الكرملين سبل مواجهة الهيمنة الأميركية، وإعادة القطبية إلى النظام العالمي نحو إرساء قواعد لعبة دولية جديدة.