العناية بالعالم

05 ابريل 2017
مقطع من عمل بعنوان "علاقات"، باتريك جويل تاشيدا/ الكاميرون
+ الخط -

ليس بالزمن البعيد حين كنا نعتقد أنّه باستطاعتنا رسم حدود بدقة بين مكان وآخر. هذا التمرين أصبح اليوم شيئاً تافهاً، فقد تقلّصت الحدود أو أنها زالت رغم أنف القوميات وممانعتها. فلا يوجد في النهاية سوى عالم واحد. قبلنا بذلك أم أبينا، كلّنا أصحاب حقّ هنا، وبالتالي لا شيء يمنع من الشروع في ضبط ما هو عمومي مشترك.

تدعونا الإنسانية اليوم إلى عدم الانغلاق داخل ثقافات وهويات، وهي دعوة تأتي ضدّ المنحى الذي اتخذه تاريخنا كمجموعات على هذه الأرض. الانفتاح على الآخر يفرض أن يجد جزء من هويّتنا أصله في ما سمّته جوديث باتلر بـ"الاستعداد" الذي يجب أن يكون مُعاشاً ومسموعاً كنداء لنسج تماسكات لا ذلك الذي يصنع أعداء. في حقيقة الأمر، ليس كل ما نعتبره هوية ضرورياً. كلنا عابرون، فلننشئ إذن وعياً جديداً.

للأسف، أطلق العصر النيوليبرالي العنان لقوى ظلامية وفاسدة، تلك التي استطاعت البشرية منذ زمن ترويضها أو على الأقل إرجاعها إلى مستوى المسكوت عنه، كالعنصرية أو التيارات التسلطية التي يجب القول إن الديمقراطيات الليبرالية غير مستثناة من اختراقها لها. لم نستطع القضاء على هذه المفاسد بالكامل، وهي - ومن أجل أن تتواصل - تحتاج إلى متخيّل يصطنع دماء نقية، وثقافات صرفة، لكن ذلك لا يوجد.

كي نعطي فرصة جديدة للديمقراطية، ينبغي خلق طريقة تجعل كل الأصوات مسموعة وتُؤخذ بعين الاعتبار. قبل ذلك، يجب بطريقة أو بأخرى وضع حدّ للأشكال الجديدة للحروب؛ حروب الاعتداء، وحروب الاحتلال، وحروب النهب مثل ما نشاهده في عصرنا.

فإذا كانت الديمقراطية تستند إلى مبدأ المساواة، علينا أن نعرف أن عدم المساواة في توزيعها يهدّد فكرة الديمقراطية برمّتها، أي أنها لا يمكن أن تكون جزئية، تماماً كما أن غياب المساواة الاجتماعية يهدّد المجتمع برمّته. هذه الديمقراطية البشرية تتطلب أن تتحوّل إلى منهج عمومي مشترك، أي أن يساهم الجميع في خلقها والتفكير فيها.

إنها ديمقراطية الأحياء، كل الأحياء، ليس بمعنى "الكوني" الذي طرحه الغرب، بل بمعنى "ما هو مشترك" والذي هو اتفاق للعناية بالمجال الذي يعيش فيه الجميع؛ العناية التي يقدّمها كل من يسكن العالم.

علينا أيضاً ألا نعود إلى النظر إلى العالم باعتباره لا نهائياً. نحن نعيش في عالم لا يستطيع التمدّد إلى ما لا نهاية. وليس البشر وحدهم متساكنين فيه ولا هم أصحاب حق مطلق، وبما أنهم في عالم محدود فلا يمكن ممارسة سيادة لا محدودة.

يقوم المشروع العمومي المشترك على ترك المكان للمؤقت العابر. ونحن جميعنا مؤقتون في الأخير. أن نكون عابرين هو شرط إنسانيتنا على الأرض. نحن نمر ونقوم في الأثناء بتسيير مرحلةٍ، وليس دورنا أن نكرّس إغلاقات جديدة. من هنا ينبغي أن تبدأ مهمة الديمقراطية في عصرنا.



* Achille Mbembe أكاديمي ومفكّر كاميروني من موالدي 1957، يجمع في أعماله بين المقاربات الفلسفية والتاريخية والسياسية ومناهج العلوم الإنسانية الحديثة ضمن تيار "ما بعد الاستعمار". المقال نُشر في "لوموند"، كانون الثاني/ يناير 2017.
** ترجمة: شوقي بن حسن
المساهمون