بكلمات طفولية، روت حبيبة محاولتها ترك بيت الأسرة خوفًا من والدها بعد ارتكابها لخطأ يبدو من روايتها أنه طفولي أيضًا، حبيبة فتاة قاصر أكملت الـ 16 من العمر، تعمل مع والدها في مكتب خاص به، طلبت التجوّل وحدها قبل موعد عملها، واتفقت مع صديق للسير معًا وأغلقت هاتفها واختفت حتى الواحدة مساءً، يبدو أن الحوار كان شيّقًا، لكنّها عندما فتحت الهاتف قدّرت حجم الخطأ الذي ارتكبته من تكرار أهلها للاتصال بها، حينها فكرّت في الهرب حتى لا تواجههم، وبين تفكير واتصالات مع أصدقاء وتمايل في الآراء أخذت قرارًا بالذهاب لمكتب والدها، واستقبلها أهلها بنوبات من الضرب بعد بحثهم عنها في المستشفيات والأقسام، وظلّ والدها يسألها عن تحرّش صديقها بها لمدّة.
أكملت حبيبة: مستنكرة سؤال والدها الذي تعتبره سؤالًا مهينًا لها، فهي مدركة لتصرفاتها- حسب قولها-، موضحة أنها لم تختر الهروب من بيت أسرتها لخوفها من الحياة بدون أسرة، لكنها لم تجد تفسيرًا لتصرّف أهلها بحبسها في المنزل لفترة معيّنة، ولماذا تعاقب؟ وخلال فترة عقابها أدركت أن الهروب لم يكن الحل الأفضل لأنها قاصر، ولم يكن معها إثبات شخصية، وذلك يقلّل فرصتها في العمل، بالإضافة أن ربحها لن يكفي متطلباتها التي يقدّمها لها والدها، ووجدت في النهاية أنه لا عوض عن الأهل، فنحت فكرة الهرب جانبًا.
في الوقت الذي اختارت حبيبة البقاء مع أسرتها، اختارت أخريات الهروب من المنزل بحثًا عن الحرية؛ ولكنهن وقعن في طريق المستغلّين ونحن هنا بصدد حوادث مكرّرة وقعت في حقّ قاصرات، يدعوهن الجاني فيها للهروب من المنزل من أجلّ تحقيق ذاتهن.
أنقذوا القاصرات
دشن مجموعة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة تحت عنوان "أنقذوا القاصرات من تجّار الحرّيات" تتحدّث عن حوادث استغلال تمارس ضد قاصرات باسم الحرّية، تحت هشتاغ #أنقذوا_القاصرات، و#تجّار_الحريات.
قال مصطفى الأعصر، أحد منسقي الحملة، إن الحملة انطلقت نتيجة تكرار حوادث تحمل السيناريو نفسه مع شخصيات مختلفة، لبنات قاصرات تتراوح أعمارهن ما بين 14 و16 سنة، تعرّضن لعنف أسري وضغوط داخل بيوتهن، فيقنعهم الشباب بحقهن في الحرّية، ويقدّمون لهن تسهيلات للهرب من بيت الأسرة، للإقامة معهم في منطقة وسط البلد بالقاهرة. وخلال فترة إقامة البنت مع الشاب يطلب منها ممارسة علاقة جنسية، وبعدها يرفع يده عن مساعدتها، وخيار الرجوع لبيت الأهل هو الحلّ الأصعب فيعرض عليها العمل بأعمال منافية للأخلاق والآداب ولا تتناسب مع عمر القاصرات، بأجور عالية تصل إلى 500 جنيه في اليوم الواحد.
وأكد المتحدّث أن حملة "أنقذوا القاصرات من تجّار الحرّيات" تعمل عليها شخصيات عامة وسياسية داعمين للحرّيات الشخصية، ويقدموا احترام وتقدير لكل مسارات الحرّية؛ ولكن هذه القضية لا تعدّ في مسار الحرّية بقدر وقوعها في إطار الجريمة في حقّ قاصرات ليس لديهن القدرة على أخذ القرار وتحمل تبعاته من أضرار جسدية ومادية ونفسية، أدت في بعض الحالات للانتحار.
وأضاف الأعصر أن القانون المصري غير منصف ولا يقف بجانب القاصر في الحفاظ على حقوقها في عدم تعرّضها للعنف، وجمعيات المرأة لا تستطيع تقديم مساعدات لقاصرات نظرًا للقانون.
وأوضح منسّق الحملة، أن العاملين في هذه الحملة يقفون أمام طرفين مخطئين، الأهل بطرق التربية التي تصل إلى الضرب والإهانة والاعتداء الجسدي واللفظي، ومراهقون متمرّدون بطبيعة المرحلة العمرية، بالإضافة لتغير معطيات الحياة بعد الثورة وتردّد على مسامعهم كلمة "الحرّية" فمارسوها بطفولية مطلقة أضاعوا حقهم في الرعاية والاستقلالية، ونحن بصدد مخاطبة الأهل لكونهم مسؤولين والطرف الناضج في المعادلة، ندعوهم لتوعيه أبنائهم ورعايتهم وترك مساحة من الحرية للتمرّد والتقلّب تحت رعايتهم. وذكر بيان الحملة أن هناك شكوكًا ما زالوا يتحرّون دقتها، تحوم حول وجود أشخاص يسعون لتجنيد القاصرات للأعمال الليلية في الكباريهات المشبوهة.
وتهدف الحملة لمحاولة تقليص الظاهرة وتوعية الفتيات والشباب بمفاهيم الحريّة والمدنية والليبرالية الصحيحة حتى لا يتمّ الزّج بمثل هذه المصطلحات وتشويهها من أجل أهداف شخصية من مدّعي الحريّات، كما يدعو منسقو الحملة الفتيات اللاتي تعرّضن لظروف مشابهة من الاستغلال الجسدي أن يعبّرن من دون خوف، لنشر شهادتهن من دون التشهير بأسمائهن، ووعدوا بتقديم سبل العون.
قوانين في الأدراج
يذكر أن "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب"، بدأ في عام 2005 حملة من أجل قانون لحماية النساء من العنف داخل الأسرة، وتشكلت لجنة تيسيرية من عدد من المنظّمات الحقوقية المهتمة بهذه القضية للعمل على مسودات القانون المتتالية.
وفي الفترة ما بين 2005 إلى 2010 جاب مشروع القانون أغلب محافظات مصر بمؤتمرات وموائد مستديرة وحلقات نقاش مع فئات نوعية من المجتمع ومع النساء من كل الطبقات، وكانت اللجنة التيسيرية تقوم بتجميع الملاحظات وإعادة تعديل مسودة مشروع القانون حتى خرج في صورته التي قدّمت للبرلمان (المنحل) في إبريل/ نيسان 2010، حيث أودع لجنة المقترحات والشكاوى.