لا يوجد مصارعو ثيران بأزيائهم المزركشة أو مساعديهم الذين يحاصرون الثور المستهدف بسهامهم. لكنّها مجرد ثيران تتشابك قرونها في صراع يجتذب جماهير غفيرة إلى مصارعة الثيران في دولة الإمارات العربية المتحدة.
على بعد ساعة بالسيارة، انطلاقا من قلب دبي المتلألئ، حيث نوافير المياه المضيئة الراقصة، يتجمّع المئات في إمارة الفجيرة الشرقية لمشاهدة مصارعة الثيران، أو بتعبير أدقّ ليشاهدوا تناطح الرؤوس في صراع على الشرف لا المال.
وعلى خلاف مصارعة الثيران الإسبانية التقليدية التي تضع رجلا في مواجهة حيوان، يقتصر الأمر في الإمارات على تناطح الثيران في نزال لا يستمرّ أكثر من ثلاث أو أربع دقائق، ويشبه كثيراً صراع مقاتلي السومو اليابانيين الشهير، بأجسادهم القوية الضخمة الذي ينتهي عادة دون إراقة للدماء.
يقول حمد بن حمدان المطروشي، الذي يقتني 15 ثوراً: "طوال عشرين عاماً كنتُ أتابع مصارعة الثيران.. لم نضطر إلا لقتل ثورين". ويكشف أنّ "الصراع لا يدوم عادة فترة طويلة، بما لا يسمح لثور بإصابة الآخر بجروح خطيرة، لكنّ قرون الثور الحادة تؤدّي رغم ذلك إلى إصابات وجروح".
ويقول فهد محمد، الذي يملك ستة ثيران: "في أحيان تُصاب رؤوسها بجروح وتنزف دماء في المصارعة". لكنّ المشاهدين يحرصون على الفصل بين الثيران إذا اشتدّ الصراع. ويمكن أن تنطوي مصارعة الثيران على مخاطر بالنسبة إلى المشاهدين، لذلك يجلس الرجال والصبية على مقاعد من البلاستيك في حلبة المصارعة، ويكونون دائماً على أهبة الاستعداد للركض سريعاً إلى برّ الأمان، إذ لا يوجد ما يحول دون اندفاع الثيران نحو مقاعدهم.
وبرأي، محمد البالغ من العمر 29 عاماً، "يشعر الناس بالإثارة، وهم يجلسون قرب الثيران. لكن إذا سخنت دماء الثور يصعب تهدئته. فهو يريد أن يتقاتل فقط، ولا يهمّ من هو الغريم".
ويدور الصراع وفقا لأحكام.. فالثور الذي يسحب قرونه من الاشتباك ويبتعد هو الخاسر. لكن إذا لم ينسحب أحد الثورين، فيخرج الاثنان متعادلين، ويقوم نحو عشرة رجال بالفصل بينهما وجذب كلّ منهما في اتجاه وهما مقيّدان بالحبال.
أحد مالكي الثيران، واسمه المطروشي، عمره 68 عاماً، يأتي من إمارة عجمان، وقد شاركت ستة من ثيرانه في مصارعة جرت يوم الجمعة الفائت في الفجيرة، يقول: "في إسبانيا الأمر مختلف هم يقتلونه (الثور). أما هنا فالمسألة مسألة شرف. إذا جرى الثور حينها يصبح الآخر هو الفائز".
كما تغيب عن مصارعات الفجيرة أيّ جوائز مالية. لكنّ الثيران هي استثمار في حدّ ذاتها، إذ ترتفع قيمتها كلّما خرجت منتصرة من الصراع: "أحد الرجال اشترى ثورين بمليون درهم (نحو 272 ألف دولار)"، يقول المطروشي.
وهناك تجارة نشطة للثيران بين الفجيرة وسلطنة عمان، إذ توجد شعبية أكبر للرياضة وتتناثر في أرجاء السلطنة حلبات مصارعة الثيران. ويقول محمّد إنّه كسب 30 ألف درهم من ثوره الأحول، الذي يسمّيه "الجمر". فهو اشتراه بمبلغ 90 ألف درهم وباعه بـ120 ألف درهم في عُمان.
والمعروف أنّ وسائل الترفيه في دولة الإمارات تميل إلى البذخ والاستهلاك، لكنّ مصارعة الثيران في الفجيرة تتيح الفرصة لنشاط يمكن للأسر الاستمتاع به خلال العطلة الأسبوعية.
وينزل نحو 40 ثورا إلى حلبة الفجيرة مرّة في الأسبوع. فيجلس المشاهدون، ومن بينهم نساء وأطفال، على مقاعدهم في حذر داخل الحلبة، أو يجلسون في سيّاراتهم يأكلون المثلجات أو قطعاً من المانجو التي تُباع خلال المباراة.
ويبدأ تدريب الثيران على المصارعة مبكرا حين لا يتعدّى عمر الواحد منها ستة أشهر. ثم تدخل الثيران إلى حلبة المصارعة وعمرها يتراوح بين عامين وخمسة أعوام. ويتمّ تدريبها في البحر لشحذ طاقتها وقدرتها على التحمل حتّى لا تكلّ سريعا. ويقول أصحابها إنّ التدريب في الماء يقوّي عضلات الصدر.
وهناك خلاف على أصل هذه الرياضة، فبعضهم يقول إنّ أهل الإمارات أخذوها عن البرتغاليين الذين احتلّوا مناطق من شبه الجزيرة العربية في القرن الـ16، وآخرون يقولون إنّها أقدم من الغزو البرتغالي بكثير.