29 نوفمبر 2016
الفرضيات القاتلة
تحكم تصرفات الأفراد والدول والأحزاب والجماعات ومواقفهم افتراضاتٌ تسبق دائماً القرارات بكل أنواعها، وتتساوى في ذلك المصيرية منها والعادية، ودائماً ما تتناسب صحة القرار مع وجاهة الفرضية ودقتها. ولكن، إلى أي مدىً تدفع المنظمات ثمن خطأ في فرضيةٍ قد تعد مسلمةً متفقاً عليها في وقت من الأوقات؟ وهل خطأ التقدير يوجب القتل؟ وهل يعفي حسن ظن المقتول أو خطأه من محاسبة القاتل على خطيئته وجريمته، إذا كان القتل مع سبق الإصرار والترصّد؟
تلوح هذه الأسئلة وغيرها، عندما تأتي ذكرى جريمة الإبادة التي تمت للشباب، ولم تعف النساء والأطفال، في ميدان رابعة العدوية في القاهرة. وبعد مرور ثلاثة أعوام، في ظل حملة إعلامية تستدعي الدين، والذي تم تغييبه طوال تلك السنوات، وتستخرج شيوخاً من جحورهم، بعدما تواروا عن الأنظار، ليخرجوا في مساحة إعلامية فتحها لهم الانقلاب، لينقلوا إلينا المفاجآت، ويستدعوا التاريخ المزيف، وليعلنوا للملأ أن الرصاصات التي قتلت آلافاً من الشباب لم يكن مصدرها قناصة الجيش أو طائراته التي استهدفت المدنيين، بل كان سوء تقدير من أدار اعتصام رابعة السلمي، ولا مانع من الاستخدام المغلوط لحوادث التاريخ، وتذكير الشباب بموقف الحسن، رضي الله عنه، وتنازله عن الخلافة، ولعلهم يبرئون قاتل الحسين الذي لم يأخذ بنصيحتهم لو كانوا معه، وليتحمل، رضي الله عنه، دماء من قتل معه.
ستظل جريمة مذبحة رابعة، والتي شهدت عملية قتل جماعي إحدى عشرة ساعة متواصلة، لم يهتم متخذ القرار فيها بشاشات البث التي تنقل الجريمة مباشرة للعالم، عله يتحرّك ليوقف المذبحة. ولكن، لم يحدث ذلك، فهل لنا أن نتخيل الفرضيات التي وضعها أطراف الأزمة، ليتخذ كل منهم موقفاً محدّداً، والمعني بالأطراف هم المجلس العسكري ومن أدار الاعتصام.
ولتكن البداية بفرضيات متخذ قرار الفض، أو قرار الإبادة، ولعلها تتلخص في أربع، أولها أن العالم سيصمت أو يدين بصوتٍ خافتٍ، لأن الإبادة في مصلحته، وثانيها أن العملية لن تتجاوز ساعات قليلة، وأن الكاميرات سيتم إيقافها فور البدء، وسيكون القتل في صمت، وسنلقى ما نريد من بيانات. وليس أمام العالم المؤيد إلا تصديق روايات قتل الإرهابيين المسلحين، وآخر هذه الفرضيات أن مقاومة الانقلاب ستنتهي بهذا الحدث، وسيستقر الأمر للعسكر ستين عاماً مقبلة.
وإذا تم وضع هذه الفرضيات في الميزان، فقد أخطأت جميعاً، ما عدا الصوت الخافت في الإدانة الدولية، والذي لم يكن على مستوى الجريمة، فلم تنته المقاومة، ولم يستقر الحكم بعد ثلاث سنوات، فهو ينتقل من فشل إلى فشلٍ يبحث عن شرعيةٍ لم يجدها سهلةً مستقرةً، على الرغم من التنازلات المستمرة، من إغراق غزة وحتى اتفاقية التنازل عن الحق في مياه النيل، مروراً بصفقات السلاح الضخمة من الغرب. إذاً، فقد اجتمع على العسكر خطأ الفرضيات وخطيئة المجزرة وجريمة الإبادة.
أما عن فرضيات من أداروا الاعتصام، فكانت أن قيادات الجيش لن تستطيع الإقدام على مثل هذا التصرف الأحمق، من قتل الأطفال والشباب والنساء، خصوصاً بعد الزيارات المختلفة لمقر الاعتصام من شخصياتٍ وجهاتٍ دوليةٍ، أثبتت سلمية الاعتصام. وهناك فرضية أخرى، تمثلت في العقيدة العسكرية للجنود، والتي تأبى عليهم توجيه أسلحتهم تجاه شعبهم. والمؤكد أنه ليس من هذه الفرضيات ما جاء بخيال بعض علماء السلطة أنهم أخذوا وعوداً دولية بعودة الرئيس، فرفضوا ترك الاعتصام، ولو كان ذلك صحيحاً لكان ترك الاعتصام أولى، وقد تحقق لهم المراد بتلك التأكيدات الدولية.
ثبت خطأ اجتهادات من أدار الاعتصام، فقد تغيرت عقيدة الجيش عبر تعبئة معنوية من بعض المشايخ، أمثال من دعا الجنود إلى قتل هؤلاء المعتصمين الأبرياء، من أجل دخول الجنة، باعتبارهم أعداء الوطن، مع التشجيع المؤثر بالقول (اضرب في المليان)، أو هذا الذي جعل طاعة الضابط الأمر بالقتل من طاعة الرب، في ثيوقراطية عسكرية حديثة، فخطأ التقدير لقيادة الاعتصام لا يمكن إنكاره، ويجب أن يعترفوا به. ولكن، هل يسوغ ذلك قتل الأبرياء؟ أظن أن الإجابة تكمن في ضمير كل حر، ولا تحتاج إلى توضيح.
هؤلاء المشايخ، إن صح التعبير، الذين سكتوا دهراً، ونطقوا وفق إرادة القاتل، ليغسلوا يديه من الجريمة، بدعوى تصلب المعتصمين، وعدم فضّهم الاعتصام طواعيةً، يدركون جيداً أنهم يقدّمون طوق النجاة للقاتل الذي لم يتوقف عن القتل بعد هذه المذبحة. وهذه جريمة جديدة في حق شهداء ميدان رابعة، ورصاصة منطلقة من بندقية الدين. ولا أدري، هل تطرق مشايخ السلطان إلى خطأ المقتولين في سيارة الترحيلات، وعددهم 37 شاباً، والذين لم يعملوا لغة العقل، عندما تم حرقهم في سيارة مغلقة؟ هل تطرقوا إلى جهل من تمت تصفيتهم جسدياً خارج إطار القانون، والذين تعدّوا العشرات، منهم نقابيون وأعضاء مجلس نواب وشباب جريمته حب الحرية؟ إلقاء اللوم على المقتول أشدّ إيلاماً من القتل نفسه، لأنه يفتح الباب على مصراعيه لحالات القتل خارج إطار القانون، فيا ليتهم صمتوا، ويا ليتهم أكملوا سباتهم داخل الكهوف.
تلوح هذه الأسئلة وغيرها، عندما تأتي ذكرى جريمة الإبادة التي تمت للشباب، ولم تعف النساء والأطفال، في ميدان رابعة العدوية في القاهرة. وبعد مرور ثلاثة أعوام، في ظل حملة إعلامية تستدعي الدين، والذي تم تغييبه طوال تلك السنوات، وتستخرج شيوخاً من جحورهم، بعدما تواروا عن الأنظار، ليخرجوا في مساحة إعلامية فتحها لهم الانقلاب، لينقلوا إلينا المفاجآت، ويستدعوا التاريخ المزيف، وليعلنوا للملأ أن الرصاصات التي قتلت آلافاً من الشباب لم يكن مصدرها قناصة الجيش أو طائراته التي استهدفت المدنيين، بل كان سوء تقدير من أدار اعتصام رابعة السلمي، ولا مانع من الاستخدام المغلوط لحوادث التاريخ، وتذكير الشباب بموقف الحسن، رضي الله عنه، وتنازله عن الخلافة، ولعلهم يبرئون قاتل الحسين الذي لم يأخذ بنصيحتهم لو كانوا معه، وليتحمل، رضي الله عنه، دماء من قتل معه.
ستظل جريمة مذبحة رابعة، والتي شهدت عملية قتل جماعي إحدى عشرة ساعة متواصلة، لم يهتم متخذ القرار فيها بشاشات البث التي تنقل الجريمة مباشرة للعالم، عله يتحرّك ليوقف المذبحة. ولكن، لم يحدث ذلك، فهل لنا أن نتخيل الفرضيات التي وضعها أطراف الأزمة، ليتخذ كل منهم موقفاً محدّداً، والمعني بالأطراف هم المجلس العسكري ومن أدار الاعتصام.
ولتكن البداية بفرضيات متخذ قرار الفض، أو قرار الإبادة، ولعلها تتلخص في أربع، أولها أن العالم سيصمت أو يدين بصوتٍ خافتٍ، لأن الإبادة في مصلحته، وثانيها أن العملية لن تتجاوز ساعات قليلة، وأن الكاميرات سيتم إيقافها فور البدء، وسيكون القتل في صمت، وسنلقى ما نريد من بيانات. وليس أمام العالم المؤيد إلا تصديق روايات قتل الإرهابيين المسلحين، وآخر هذه الفرضيات أن مقاومة الانقلاب ستنتهي بهذا الحدث، وسيستقر الأمر للعسكر ستين عاماً مقبلة.
وإذا تم وضع هذه الفرضيات في الميزان، فقد أخطأت جميعاً، ما عدا الصوت الخافت في الإدانة الدولية، والذي لم يكن على مستوى الجريمة، فلم تنته المقاومة، ولم يستقر الحكم بعد ثلاث سنوات، فهو ينتقل من فشل إلى فشلٍ يبحث عن شرعيةٍ لم يجدها سهلةً مستقرةً، على الرغم من التنازلات المستمرة، من إغراق غزة وحتى اتفاقية التنازل عن الحق في مياه النيل، مروراً بصفقات السلاح الضخمة من الغرب. إذاً، فقد اجتمع على العسكر خطأ الفرضيات وخطيئة المجزرة وجريمة الإبادة.
أما عن فرضيات من أداروا الاعتصام، فكانت أن قيادات الجيش لن تستطيع الإقدام على مثل هذا التصرف الأحمق، من قتل الأطفال والشباب والنساء، خصوصاً بعد الزيارات المختلفة لمقر الاعتصام من شخصياتٍ وجهاتٍ دوليةٍ، أثبتت سلمية الاعتصام. وهناك فرضية أخرى، تمثلت في العقيدة العسكرية للجنود، والتي تأبى عليهم توجيه أسلحتهم تجاه شعبهم. والمؤكد أنه ليس من هذه الفرضيات ما جاء بخيال بعض علماء السلطة أنهم أخذوا وعوداً دولية بعودة الرئيس، فرفضوا ترك الاعتصام، ولو كان ذلك صحيحاً لكان ترك الاعتصام أولى، وقد تحقق لهم المراد بتلك التأكيدات الدولية.
ثبت خطأ اجتهادات من أدار الاعتصام، فقد تغيرت عقيدة الجيش عبر تعبئة معنوية من بعض المشايخ، أمثال من دعا الجنود إلى قتل هؤلاء المعتصمين الأبرياء، من أجل دخول الجنة، باعتبارهم أعداء الوطن، مع التشجيع المؤثر بالقول (اضرب في المليان)، أو هذا الذي جعل طاعة الضابط الأمر بالقتل من طاعة الرب، في ثيوقراطية عسكرية حديثة، فخطأ التقدير لقيادة الاعتصام لا يمكن إنكاره، ويجب أن يعترفوا به. ولكن، هل يسوغ ذلك قتل الأبرياء؟ أظن أن الإجابة تكمن في ضمير كل حر، ولا تحتاج إلى توضيح.
هؤلاء المشايخ، إن صح التعبير، الذين سكتوا دهراً، ونطقوا وفق إرادة القاتل، ليغسلوا يديه من الجريمة، بدعوى تصلب المعتصمين، وعدم فضّهم الاعتصام طواعيةً، يدركون جيداً أنهم يقدّمون طوق النجاة للقاتل الذي لم يتوقف عن القتل بعد هذه المذبحة. وهذه جريمة جديدة في حق شهداء ميدان رابعة، ورصاصة منطلقة من بندقية الدين. ولا أدري، هل تطرق مشايخ السلطان إلى خطأ المقتولين في سيارة الترحيلات، وعددهم 37 شاباً، والذين لم يعملوا لغة العقل، عندما تم حرقهم في سيارة مغلقة؟ هل تطرقوا إلى جهل من تمت تصفيتهم جسدياً خارج إطار القانون، والذين تعدّوا العشرات، منهم نقابيون وأعضاء مجلس نواب وشباب جريمته حب الحرية؟ إلقاء اللوم على المقتول أشدّ إيلاماً من القتل نفسه، لأنه يفتح الباب على مصراعيه لحالات القتل خارج إطار القانون، فيا ليتهم صمتوا، ويا ليتهم أكملوا سباتهم داخل الكهوف.