عشية عيد الفطر، صادق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في فلسطين، وأثارت سريته وعدم طرحه على مؤسسات المجتمع المدني لنقاشه حالة من الاحتجاج والقلق على حرية الرأي والتعبير.
رغم أن القانون حُضّر بعيداً عن وسائل الإعلام والمؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، إلا أنه سُرّب بعد أيام من المصادقة عليه، وأكد الخبراء في قانون الإعلام الإلكتروني وحقوقيون أن القانون بشكله الحالي مس خطير بحرية الرأي، وحرية الإعلام، وحق الحصول على المعلومات.
المستشار القانوني في مؤسسة "الحق" الفلسطينية، عصام عابدين، قال لـ"العربي الجديد"، إن "طريقة إقرار القانون غير منطقية، ويتضمن القانون نفسه مواد عدة تنال من حرية الرأي والتعبير، والحق في الخصوصية، والحق في الوصول إلى المعلومات".
وضم القانون الجديد مصطلحات فضفاضة، ونص على أنه كل من أنشأ أو أدار موقعا إلكترونيا، أو نشر معلومات تنطوي على الإخلال بالنظام العام أو السلامة العامة أو الإخلال بالسلم الاجتماعي، تفرض عليه عقوبات وغرامات صارمة، إذ جاء في أحد نصوص المادة 51 أنه "في حال مس نص من هذه النصوص بالسلم الاجتماعي، قد تصل عقوبته إلى الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة"، وأعطى القانون الأجهزة الأمنية كافة ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات صلاحيات الضبط القضائي، وفقاً لعابدين.
وطلب من مزودي شركات الإنترنت الاحتفاظ ببيانات العملاء لمدة ثلاث سنوات وتسجيلها والتعاون مع الجهات المختصة، ما يسلط الضوء على انتهاكات الخصوصية.
وشرح عابدين أن "فكرة الجرائم الإلكترونية لها أساس في المعايير الدولية، ومنها اتفاقية بودابست، وكذلك لها اتفاقية عربية... نحن لسنا ضد وجود قانون، نحن ضد أن يتخذ هذا القانون ستارا للنيل من حرية الرأي والتعبير والحريات الإعلامية". وأضاف "يبدو أن الذي وضع القانون لا يعي أننا تحت احتلال، وبالتالي هذا الكلام سيشجع مختلف المواطنين على اللجوء للحصول على الخدمات من خلال الخدمات الإسرائيلية، مثل خدمات الإنترنت".
الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب، أكد لـ"العربي الجديد"، أن بعض النصوص متعلقة بإمكانية منع حق الوصول إلى المعلومات، خاصة أنه جرَّمَ من ينشر أو يعيد نشر أي أخبار أو منشورات محظورة. وأوضح حرب أن مثل هذا القانون مطلوب لحماية الأسرة وغيرها من القضايا والمعاملات التجارية، لكنه مس في بعض نصوصه بحرية الرأي والتعبير والحق في الوصول إلى المعلومات.
وشدّد حرب على أن التوجه الآن الذي لدى المجتمع المدني والناشطين الفلسطينيين أن هذا القانون أعد في الليل، ولم تطلع عليه مؤسسات المجتمع المدني ولم تنشره الحكومة الفلسطينية لنقاشه مع المجتمع، ولم تستطع أي من مؤسسات المجتمع المدني الحصول عليه بشكل رسمي من الحكومة أو الرئاسة أو ديوان الفتوى والتشريع.
وما حصل، بحسب حرب، يخالف المبدأ الرئيسي للتشريع، وهو علانية التشريع وفق القواعد والإجراءات المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني وفي إجراء المجلس التشريعي، وأكد أن المطلوب في الوقت الحالي إيقاف هذا القانون وعدم نشره في الصحيفة الرسمية، وعرضه على المجتمع المدني ونقاشه لأنه يمس كافة شرائح المجتمع الفلسطيني. أما من ناحية المجتمع المدني، فيجب إعلاء الصوت للاحتجاج على مشروع القانون، إلى أن تتراجع الحكومة والسلطة التنفيذية عن نشر هذا القانون وإعادة النقاش فيه بحيث ينسجم مع القواعد والمبادئ الدستورية واحترام الالتزامات التي قطعتها السلطة الفلسطينية عند توقيعها على بعض المواثيق الدولية، كاتفاقية العهد الدولي لحقوق الإنسان.
وسبق أن خاض المجتمع الفلسطيني ضغطا شعبيا دفع الرئيس محمود عباس إلى إيقاف قوانين وقعها، كقانون المجلس الأعلى للإعلام، وقانون الضمان الاجتماعي، ومن ثم خضعت تلك القوانين لمفاوضات ونقاشات بين الأطراف المختلفة.
"المجتمع المدني قادر على إجبار الحكومة على التراجع، وبالتالي الأمر بحاجة إلى ضغط شعبي واسع على الرئاسة لسحب القانون، ووقف نشره، وإعادة النظر فيه، وتعديله وفقا للقواعد الدستورية، وبما ينسجم مع المبادئ الدستورية المتعلقة بحرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات"، وفقاً لحرب.
الخبير في شؤون الإعلام القضائي وحقوق الإنسان، ماجد العاروري، جزم بأن القانون يشكل مسا كبيرا بالحريات العامة، وبحماية الخصوصية ويحتوي على مفاهيم واسعة يتم تجريمها من دون تحديد أو تعريف في هذه المفاهيم، على غرار قانون العقوبات المعمول به عام 1960.
وأكد العاروري أنه بموجب هذه الجرائم تنشأ عقوبات أخرى، لأن الكثير من العقوبات يطبق عليها قانون 1960 وبالتالي سيصبح هناك تناقض أو اختلاف في الأحكام التي قد تقع على أي شخص إذا ما تمت محاكمته على نفس الفعل ونفس الجريمة، إذا ما حوكم استناداً إلى قانون العقوبات 1960 أو قانون جرائم العقوبات، ما يشكل مسا بمبدأ المساواة ومخالفة دستورية.
ورأى الخبير العاروري أن هنالك انتهاك للخصوصية، وبموجب القانون فإن شركات الاتصالات ملزمة بحفظ كل المعلومات التي لديها لمدة ثلاث سنوات حتى تسلم حين الطلب، والجرائم المذكورة مبنية على فكرة الظل في ارتكاب الجريمة أكثر من فكرة الركن المادي بوقوع الجريمة، ما يخالف أيضا مبادئ المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى وجود خصوصية منتهكة كون الشركات ملزمة أن تحتفظ لمدة ثلاث سنوات بالمعلومات المتوفرة لديها.
وأوضح العاروري أنه كما حصل مع أكثر من قانون تم إيقاف العمل بها بعد نشرها في الوقائع الفلسطينية، يجب أن يكون مصير هذا القانون الإيقاف لأنه يضع فلسطين في أدنى سلم الدول التي تحترم حرية الرأي والتعبير، ويؤسس هذا القانون للبحث عن تجريم للشخص أكثر من وقوع الجريمة والبحث عن مرتكب هذه الجريمة.
"الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" لا تمانع تشريع قانون للجرائم الإلكترونية، بل ترى أن المجتمع الفلسطيني بحاجة إلى ذلك، لكن المشكلة تتمثل في أن القانون أدخل في مواده الكثير من الأحكام التي تتعلق بحرية الرأي والتعبير وجرّم أفعالا بعبارات فضفاضة، كي تُستخدم لإدخال الكثير من القضايا العادية والقضايا السياسة ضمن الجرائم، وفقاً لمدير الهيئة عمار دويك.
ولفت دويك إلى أن القانون استخدم في بنوده الكثير من عبارات السلامة العام، الأخلاق العامة، الآداب العامة، وأمن الدولة، وسلامة الأمن الداخلي والخارجي من دون تحديد، أو حصر، فمجرد مشاركة خبر أو معلومة عبر موقع "فيسبوك" أو تطبيق "واتساب" يدخل ضمن هذه البنود، كذلك استخدام برمجيات لتجاوز الحجب حتى لو للاطلاع الشخصي يعتبر جريمة.
"الهيئة المستقلة" و"نقابة الصحافيين الفلسطينيين" خاطبتا الرئيس محمود عباس برسالة عاجلة طالبتاه فيها بضرورة الوقف الفوري لتطبيق القرار بقانون رقم (16) لسنة 2017 بشأن الجرائم الإلكترونية، وإعادته للتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها نقابة الصحافيين والشركات المزودة للإنترنت، بهدف تعديله بما ينسجم والقانون الأساسي الفلسطيني والالتزامات الدولية لدولة فلسطين في اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها، وبما يوفر حماية حقيقية لخصوصية المواطنين وحرمة حياتهم الخاصة التي ترتبط بالكرامة الإنسانية للإنسان الفلسطيني.
وأعربت الهيئة والنقابة عن استعدادهما لتقديم ملاحظات تفصيلية وتوصيات محددة بخصوص مواد القرار بقانون والمشاركة في أية لجان لإعادة صياغته، كونهما لم تطلعا على مسودة القرار بقانون بشأن الجرائم الإلكترونية قبل نشره في العدد الممتاز من الوقائع الفلسطينية رقم (14)، ولم تتم مشاورتهما بالأحكام التي تتضمنها المسودة، بالرغم من صلته الوثيقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وعلى رأسها الحق في حرية الرأي والتعبير وفي حرمة الحياة الخاصة للمواطنين.