تشكل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة وما يرافقها من تحديثات دائمة، منعطفاً جديداً للحياة البشرية التي سارعت لتلقف هذه الثورة والتفاعل معها، لا بل حتى المضي قدماً بانتظار ما ستقدمه في المستقبل.
ويدخل الفيديو سيلفي ضمن موجة الاكتشافات التي قدمتها الثورة المنشودة، معتمداً على أهم وسيلتي تواصل افتراضي يحتاجهما الكائن البشري في عصرنا الحالي، أولاً الهاتف الذكي، الذي أصبح يمكن استخدامه بدلاً من أجهزة الكومبيوتر المحمولة، وصنعت منه أجيال تُكنى بـ"الجيل الأول، الجيل الثالث.. إلخ"، وثانياً مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص بعد التحديثات المقدمة من مؤسسيها، ما سهّل استخدامها في تحميل مقاطع الفيديو القصيرة، أو سهولة البحث، أو استخدام هاشتاغ موحد.
بدأ ظهور الفيديو سيلفي في سورية في منتصف 2012، بعد استخدامه من جمهور النظام السوري بأريحية تامة، وشبيحته الذين كانوا يقومون بتصوير أنفسهم لمدة قصيرة جداً خلال مداهماتهم للتظاهرات أو اقتحاماتهم الدائمة للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً نتيجة ظهور فئة ثانية استخدمته بسذاجة باذخة بعد أن لاقت استحساناً لدى شريحة واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي تبحث عن التسلية المجانية، في حين لم تسجل لنشطاء الثورة السورية سوى استخدامات نادرة يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة.
يمكن القول إن في الأقسام الثلاث السابقة نوع من التفاوت في استخدام الفيديو سيلفي، فالقسم الأول من هذه التقنية، يعتبره النظام السوري من أهم الوسائل الدعائية، تكفي مشاهدة تسجيل واحد لنكتشف الكمية الهائلة من البكائيات والحنين للأمن والأمان، الحنين لما قبل الثورة السورية، وكيف كانت البلاد بحالة استقرار، وكيف كان الاقتصاد مزدهراً. النظام السوري يهمه كثيراً أن تخرج من داخل مناطق سيطرته مثل هذه التسجيلات، لأنه وفق وجهة نظره يركز دعائم التوافق العالمي على بقائه، فهو ليس غافلاً عما يدور في أروقة مواقع التواصل الاجتماعي، وأي فيديو يظهر من مناطقه، يتم تداوله بشكل واسع على صعيد المواقع. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت إحدى الفتيات المقيمات في مناطق النظام فيديو صوِّرَ في حلب، تحدثت فيه بحنين إلى أيام ما قبل الثورة السورية.
الفيديو في يومه الأول سجل ما يقارب خمسين ألف مشاهدة، بعد أن تم تداوله على نطاق واسع على موقع فيسبوك، لذا يمكن قراءة كيف أن النظام السوري يهمه جيداً أن تخرج هذه الفيديوهات من مناطق سيطرته، ويهمه انتشارها على نطاق واسع، ما سيغيّر وجهة نظر العديد من متابعي المواقع الاجتماعية لما يحدث في سورية من قتل وتشريد.
أما القسم الثاني من مستخدمي الفيديو سيلفي، يمكن أن نأخذ مثالاً عليه تسجيلات محمود الحمش، الذي بدأ عن طريق الفيديو سيلفي، قبل أن يتطور ويستخدم المونتاج والموسيقى في تسجيلاته، ويصبح له متابعون ومعجبون، فهو دخل في بداية تسجيلاته من بوابة اللغة الشامية المتداولة في أسواق دمشق الشعبية، وأحيائها القديمة، إلا أن تسويقها في تسجيلاته يدل على بذخٍ واضح في تصدير السذاجة، فهو يعتمد على السرعة في الحديث، وتكثيف للمصطلحات الشامية المتداولة، والنُكات العادية، يمكنه أن يلعب على النُكتة الواحدة أكثر من مرة، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن نلحظ إخفاقاً في تصدير الشخصية الساخرة، وسطحية في تناول المواضيع المسجلة.
لكن ذلك لا ينكر أن للحمش أكثر من 111.500 معجب على صفحته الشخصية على الفيسبوك، وهو ما يدل على قابليته بين رواد المواقع الاجتماعية، ما يشير إلى أن متابعي المواقع الاجتماعية باتوا بحاجة لمن يُضحِكهم حتى لو بطريقة مبتذلة ومكررة، إضافة لأن معظم سكان الوطن العربي صارت لديهم حالة من الشغف لتعلّم اللغة الشامية، بعد مشاهدتهم لسلسلة "باب الحارة"، متصدّر مسلسلات الموسم الرمضاني الفائت على الرغم من سلبياته النصيّة والتمثيلية والإخراجية.
في المقابل، نجد عند القسم الثالث، أي نشطاء الثورة السورية، ندرة في استخدام الفيديو سيلفي، والذي يرجع لعدة أسباب، أولها أن نشطاء الثورة السورية كانوا يعتمدون على هواتفهم المحمولة في تصوير التظاهرات لرفعها في ما بعد على المواقع الإلكترونية، لذا هم لم يكونوا بحاجة لهذه التقنية، بقدر ما كانوا يحتاجون للكاميرات الصغيرة التي تساعدهم على توثيق انتهاكات النظام السوري، فالكاميرا في النهاية كانت أهم سلاح سلمي استخدمه نشطاء الثورة ضد النظام السوري، ولاحقاً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
حتى أنهم كانوا يستخدمون الهواتف المحمولة في نقل التظاهرات المسائية بين عامي 2011 – 2012 عبر فضائيات الأخبار العربية، لذا نجد أنه لم يكن لديهم هذا الاهتمام في استخدام الفيديو سيلفي، أو الاعتماد عليه في نقل أخبار الثورة السورية، والتوثيق لها، عكس ما كان رائجاً لدى الشرائح الأخرى، الذين ابتعدوا عن توثيق الانتهاكات، وعمليات الاعتقال خوفاً من الاعتقال، وهو ما جعلهم مقبولين لدى أجهزة استخبارات النظام السوري، رغم معرفتهم أنهم عند أول هفوةٍ في أحد التسجيلات سيجدون أنفسهم في أحد أقبية الاستخبارات يُسألون عن انتمائهم السياسي.
نهايةً، لا بد من الإشارة لقسم آخر من مستخدمي الفيديو سيلفي، الذي ظهر مع تزايد وتيرة الهجرة إلى أوروبا، واستخدامه من قبل مجموعة لا بأس بعددها من الشباب، حيث نجد من يقوم بتصوير معاناة وصوله لإحدى الدول الأوروبية، أو من يتباكى ويندم على سفره لأن بلد اللجوء الذي اختاره خيّب آماله، أو من يشتم من تظاهر ضد النظام السوري وكان سبباً في هجرته، أو من يلوم النشطاء السوريين على تأييدهم حمل السلاح، أو من له عداءات افتراضية سابقة ووجد الفرصة في تصفيتها.. إلخ.
في جميع ما ذكر من نماذج أخيرة، إذا ما نظرنا إلى ما ينشرون من وجهة نظر محايدة، يمكن اكتشاف أنهم يتقاسمون الهم الواحد في الترويج لجمال الطبيعة الأوروبية، وحقوق الإنسان والديمقراطية، لكنهم يختلفون في وجهات نظر أخرى، يمكن أن نلمس ذلك من فيديو سيلفي واحد، وبعدها يمكننا الاستمتاع بحجم هائلٍ من المهاترات المتبادلة على الصفحات الزرقاء، ففي النهاية هي فرصة استثمار انتصار افتراضي لن يمنح صاحبه جائزة نوبل للسلام.
(سورية)
ويدخل الفيديو سيلفي ضمن موجة الاكتشافات التي قدمتها الثورة المنشودة، معتمداً على أهم وسيلتي تواصل افتراضي يحتاجهما الكائن البشري في عصرنا الحالي، أولاً الهاتف الذكي، الذي أصبح يمكن استخدامه بدلاً من أجهزة الكومبيوتر المحمولة، وصنعت منه أجيال تُكنى بـ"الجيل الأول، الجيل الثالث.. إلخ"، وثانياً مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص بعد التحديثات المقدمة من مؤسسيها، ما سهّل استخدامها في تحميل مقاطع الفيديو القصيرة، أو سهولة البحث، أو استخدام هاشتاغ موحد.
بدأ ظهور الفيديو سيلفي في سورية في منتصف 2012، بعد استخدامه من جمهور النظام السوري بأريحية تامة، وشبيحته الذين كانوا يقومون بتصوير أنفسهم لمدة قصيرة جداً خلال مداهماتهم للتظاهرات أو اقتحاماتهم الدائمة للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً نتيجة ظهور فئة ثانية استخدمته بسذاجة باذخة بعد أن لاقت استحساناً لدى شريحة واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي تبحث عن التسلية المجانية، في حين لم تسجل لنشطاء الثورة السورية سوى استخدامات نادرة يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة.
يمكن القول إن في الأقسام الثلاث السابقة نوع من التفاوت في استخدام الفيديو سيلفي، فالقسم الأول من هذه التقنية، يعتبره النظام السوري من أهم الوسائل الدعائية، تكفي مشاهدة تسجيل واحد لنكتشف الكمية الهائلة من البكائيات والحنين للأمن والأمان، الحنين لما قبل الثورة السورية، وكيف كانت البلاد بحالة استقرار، وكيف كان الاقتصاد مزدهراً. النظام السوري يهمه كثيراً أن تخرج من داخل مناطق سيطرته مثل هذه التسجيلات، لأنه وفق وجهة نظره يركز دعائم التوافق العالمي على بقائه، فهو ليس غافلاً عما يدور في أروقة مواقع التواصل الاجتماعي، وأي فيديو يظهر من مناطقه، يتم تداوله بشكل واسع على صعيد المواقع. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت إحدى الفتيات المقيمات في مناطق النظام فيديو صوِّرَ في حلب، تحدثت فيه بحنين إلى أيام ما قبل الثورة السورية.
الفيديو في يومه الأول سجل ما يقارب خمسين ألف مشاهدة، بعد أن تم تداوله على نطاق واسع على موقع فيسبوك، لذا يمكن قراءة كيف أن النظام السوري يهمه جيداً أن تخرج هذه الفيديوهات من مناطق سيطرته، ويهمه انتشارها على نطاق واسع، ما سيغيّر وجهة نظر العديد من متابعي المواقع الاجتماعية لما يحدث في سورية من قتل وتشريد.
أما القسم الثاني من مستخدمي الفيديو سيلفي، يمكن أن نأخذ مثالاً عليه تسجيلات محمود الحمش، الذي بدأ عن طريق الفيديو سيلفي، قبل أن يتطور ويستخدم المونتاج والموسيقى في تسجيلاته، ويصبح له متابعون ومعجبون، فهو دخل في بداية تسجيلاته من بوابة اللغة الشامية المتداولة في أسواق دمشق الشعبية، وأحيائها القديمة، إلا أن تسويقها في تسجيلاته يدل على بذخٍ واضح في تصدير السذاجة، فهو يعتمد على السرعة في الحديث، وتكثيف للمصطلحات الشامية المتداولة، والنُكات العادية، يمكنه أن يلعب على النُكتة الواحدة أكثر من مرة، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن نلحظ إخفاقاً في تصدير الشخصية الساخرة، وسطحية في تناول المواضيع المسجلة.
لكن ذلك لا ينكر أن للحمش أكثر من 111.500 معجب على صفحته الشخصية على الفيسبوك، وهو ما يدل على قابليته بين رواد المواقع الاجتماعية، ما يشير إلى أن متابعي المواقع الاجتماعية باتوا بحاجة لمن يُضحِكهم حتى لو بطريقة مبتذلة ومكررة، إضافة لأن معظم سكان الوطن العربي صارت لديهم حالة من الشغف لتعلّم اللغة الشامية، بعد مشاهدتهم لسلسلة "باب الحارة"، متصدّر مسلسلات الموسم الرمضاني الفائت على الرغم من سلبياته النصيّة والتمثيلية والإخراجية.
في المقابل، نجد عند القسم الثالث، أي نشطاء الثورة السورية، ندرة في استخدام الفيديو سيلفي، والذي يرجع لعدة أسباب، أولها أن نشطاء الثورة السورية كانوا يعتمدون على هواتفهم المحمولة في تصوير التظاهرات لرفعها في ما بعد على المواقع الإلكترونية، لذا هم لم يكونوا بحاجة لهذه التقنية، بقدر ما كانوا يحتاجون للكاميرات الصغيرة التي تساعدهم على توثيق انتهاكات النظام السوري، فالكاميرا في النهاية كانت أهم سلاح سلمي استخدمه نشطاء الثورة ضد النظام السوري، ولاحقاً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
حتى أنهم كانوا يستخدمون الهواتف المحمولة في نقل التظاهرات المسائية بين عامي 2011 – 2012 عبر فضائيات الأخبار العربية، لذا نجد أنه لم يكن لديهم هذا الاهتمام في استخدام الفيديو سيلفي، أو الاعتماد عليه في نقل أخبار الثورة السورية، والتوثيق لها، عكس ما كان رائجاً لدى الشرائح الأخرى، الذين ابتعدوا عن توثيق الانتهاكات، وعمليات الاعتقال خوفاً من الاعتقال، وهو ما جعلهم مقبولين لدى أجهزة استخبارات النظام السوري، رغم معرفتهم أنهم عند أول هفوةٍ في أحد التسجيلات سيجدون أنفسهم في أحد أقبية الاستخبارات يُسألون عن انتمائهم السياسي.
نهايةً، لا بد من الإشارة لقسم آخر من مستخدمي الفيديو سيلفي، الذي ظهر مع تزايد وتيرة الهجرة إلى أوروبا، واستخدامه من قبل مجموعة لا بأس بعددها من الشباب، حيث نجد من يقوم بتصوير معاناة وصوله لإحدى الدول الأوروبية، أو من يتباكى ويندم على سفره لأن بلد اللجوء الذي اختاره خيّب آماله، أو من يشتم من تظاهر ضد النظام السوري وكان سبباً في هجرته، أو من يلوم النشطاء السوريين على تأييدهم حمل السلاح، أو من له عداءات افتراضية سابقة ووجد الفرصة في تصفيتها.. إلخ.
في جميع ما ذكر من نماذج أخيرة، إذا ما نظرنا إلى ما ينشرون من وجهة نظر محايدة، يمكن اكتشاف أنهم يتقاسمون الهم الواحد في الترويج لجمال الطبيعة الأوروبية، وحقوق الإنسان والديمقراطية، لكنهم يختلفون في وجهات نظر أخرى، يمكن أن نلمس ذلك من فيديو سيلفي واحد، وبعدها يمكننا الاستمتاع بحجم هائلٍ من المهاترات المتبادلة على الصفحات الزرقاء، ففي النهاية هي فرصة استثمار انتصار افتراضي لن يمنح صاحبه جائزة نوبل للسلام.
(سورية)