28 ديسمبر 2021
القدس وكأنها ليست معركة مصير وطني
لا يبدو أن المشهد الفلسطيني، والعربي العام، في ظل هيمنة مشهد الخراب والدمار الداعشي، وتخبط الوضع الدولي، وعدم قدرته على الفعل أو الحسم في اتجاه تسوية الصراعات المتناسلة إقليمياً ودولياً، لا يبدو أن ذاك المشهد سوف يسترعي مزيداً من الانتباه للتفاعل معه، وفي اتجاهات توقف ارتفاع مستويات الصراع إلى الذروة التي أرادت حكومة الصراع الاحتلالية، أن ترمي بها أمام العالم، في ظل انفصام الفلسطينيين وانفصالهم وتشرذمهم سياسيا وجغرافيا، وابتلاع ألسنة قياداتهم وفصائلهم الوطنية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي باقي أقاليم الشتات، وامتناعهم عن "تفصيل" موقف وطني موحد وبلورته، دفاعا عن قضية وطنية مقدّسة، ومقدسات وطنية إسلامية ومسيحية، من المفترض أن تحرّك الكل الوطني، كتلة واحدة وموحدة.
ما نعايشه ونشهده، هذه الأيام، لا يعبر سوى عن معركة مصير وطني. ومع ذلك، لا يجد العدو في مواجهته فيها، من قوة سوى قوة أقسامٍ غير موحدة من شعب الوطن الفلسطيني الذي أضحى عمليا يفتقد قيادته التاريخية التي انتحت جانبا منذ "أوسلو"، من دون أن تستفيد من خبرات الكفاح الوطني التحرّري، محليا ودوليا، ومن دون أن تكرّس خبرات الانتفاضات ودروسها. وكان الأوْلى في الوضع الراهن استعادة خبرات القيادة الوطنية الموحدة، في أثناء الانتفاضة الأولى، لقيادة معركة التصدّي لحكومة الصراع الاحتلالية، وهي تقتحم ساحات المسجد الأقصى، بتوسيع ساحات المواجهة مع قوات الاحتلال، بدل حصرها في القدس فقط، وفي بعض المخيمات ومحيط بعض الحواجز.
ويبدو أن التحولات السلبية في الواقع الفلسطيني قد وصلت بالفعل إلى الروح الكفاحية التي
بدأت جذوتها تنطفئ، بفعل المواقف غير الكفاحية لأطراف السلطة، ومعها نخب الفئويات الفصائلية التي أضحت تستفرد بقيادة الوضع الوطني بأحاديةٍ منفّرة، وصلف غير معهود، وكأن القضية الوطنية باتت ملك فرد واحد، أو شركة واحدة، أو شركاء نخبويين، يتصرّفون فيها وفي ثوابتها، نوعاً من الشخصانية والمصلحة الزبائنية والريعية، بحيث تعود الأرباح الصافية إلى نخبة "القيادة" التي لا تقود. ومن جرّاء ذلك، لا يحصد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية سوى الخسائر الصافية، والتي لا تعود بأي نفع إلا لصالح الاحتلال وأمنه ومستوطنيه، ومن يسعون إلى خدمته أيا كانوا: محليين فلسطينيين أو عربا أو إقليميين أو حلفاء استراتيجيين على الصعيد الدولي.
إن قيادةً تصمت على تهويد القدس، كما صمتت على تهويد حائط البراق، لتمنحه هديةً لحكومة صراع احتلالية، لا تسعى إلى السلام، أو تشارك جديا في مفاوضات تسويةٍ لتحقيقه، وإنما تسعى إلى تثبيت توراتية تاريخ لم يكن كذلك يوما، وتوراتيةٍ مدينةٍ لم تكن كذلك يوما بشهادة علماء آثار غربيين وإسرائيليين، لم يجدوا من اللقى الآثارية التاريخية ما يؤيد ادّعاءات (ومزاعم) من تنكّبوا لمحاولات إلصاق تاريخية التوراة وسردياتها، كونها حصلت في فلسطين، مع أن مسرحها التاريخي (إن حصلت) كانت في بلادٍ أخرى، ما زالت مسمياتها القديمة تشير إلى مسرح الرواية التوراتية؛ تاريخية أو أسطورية وخرافية.
لذلك، يشكل السكوت اليوم عن محاولات تهويد القدس، وتقسيم المسجد الأقصى، كما جرى
السكوت على تقسيم الحرم الإبراهيمي زمنياً ومكانياً، استمراراً لتنفيذ مزيد من سياسات الأمر الواقع التهويدي للوطن الفلسطيني، وبوجود "وضع قيادي" سلطوي داخل الوطن هذه المرة، يبدو أن من مهامه الرئيسة منع تشكّل وضع قيادي مشابه لقيادة الانتفاضة الأولى، عبر تكريس تنسيق أمني محكم، بات هو المهمة الأبرز للتعامل مع الاحتلال، وليس لمقاومته.
الأخطر اليوم، هي تلك الحالة التي يعيشها النظام الرسمي العربي، كما النظام السياسي الفلسطيني المنقسم على ذاته، وكلاهما يفتقدان أدوات استمرار الصراع وحسن إدارته، كما يفتقدان آليات تفاوض ناجعة، ما قاد ويقود، حتى اللحظة، إلى تغييب أي رؤية استراتيجية موحدة، أو حتى تكتيكية؛ فلسطينية أو عربية. فما يجري فلسطينياً للأسف إنما هو انعكاس مباشر لحالة انعدام الفاعلية والأوزان العربية، وإبعاد الصراع، أو طرائق إدارته، عن مجمل معطيات الحراك السياسي أو الدبلوماسي الإقليمي والدولي، الأمر الذي لم يؤثر على الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني فحسب، بل بات، ولمزيد الأسف، يُراكم مزيدا من هشاشة أدوات تفكيك منظومة التفاوض، في ظل شروط ومعطياتٍ أقل ما يقال فيها إنها بحاجةٍ إلى رؤية استراتيجية لإدارة الصراع، لا لإدارة أزمات التفاوض المستعصية والمزمنة، أو أزمات الاستمساك بالنهج اللفظي للمقاومة ليس إلاّ، وتحويلها إلى مجرد شعار موسمي، يجري توظيفه للمصالح الفئوية الخاصة، من دون محاولة الاقتراب من ابتداع استراتيجية عامة لمجموع الشعب، وقواه وحركته الوطنية، خصوصا في لحظة فلسطينية أكثر خصوصيةً في احتياجها لصهر طاقات الشعب الكفاحية، بعيدا من نزعات الانفلاش السلطوي لطرفي النظام السياسي ونزاعاته، وهما يعبّدان الطريق لأوهام النخب السلطوية وتوهّماتها أن ما يسعون إليه إنما هو أحد الأهداف الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وهو بالتأكيد ليس كذلك.
ما نعايشه ونشهده، هذه الأيام، لا يعبر سوى عن معركة مصير وطني. ومع ذلك، لا يجد العدو في مواجهته فيها، من قوة سوى قوة أقسامٍ غير موحدة من شعب الوطن الفلسطيني الذي أضحى عمليا يفتقد قيادته التاريخية التي انتحت جانبا منذ "أوسلو"، من دون أن تستفيد من خبرات الكفاح الوطني التحرّري، محليا ودوليا، ومن دون أن تكرّس خبرات الانتفاضات ودروسها. وكان الأوْلى في الوضع الراهن استعادة خبرات القيادة الوطنية الموحدة، في أثناء الانتفاضة الأولى، لقيادة معركة التصدّي لحكومة الصراع الاحتلالية، وهي تقتحم ساحات المسجد الأقصى، بتوسيع ساحات المواجهة مع قوات الاحتلال، بدل حصرها في القدس فقط، وفي بعض المخيمات ومحيط بعض الحواجز.
ويبدو أن التحولات السلبية في الواقع الفلسطيني قد وصلت بالفعل إلى الروح الكفاحية التي
إن قيادةً تصمت على تهويد القدس، كما صمتت على تهويد حائط البراق، لتمنحه هديةً لحكومة صراع احتلالية، لا تسعى إلى السلام، أو تشارك جديا في مفاوضات تسويةٍ لتحقيقه، وإنما تسعى إلى تثبيت توراتية تاريخ لم يكن كذلك يوما، وتوراتيةٍ مدينةٍ لم تكن كذلك يوما بشهادة علماء آثار غربيين وإسرائيليين، لم يجدوا من اللقى الآثارية التاريخية ما يؤيد ادّعاءات (ومزاعم) من تنكّبوا لمحاولات إلصاق تاريخية التوراة وسردياتها، كونها حصلت في فلسطين، مع أن مسرحها التاريخي (إن حصلت) كانت في بلادٍ أخرى، ما زالت مسمياتها القديمة تشير إلى مسرح الرواية التوراتية؛ تاريخية أو أسطورية وخرافية.
لذلك، يشكل السكوت اليوم عن محاولات تهويد القدس، وتقسيم المسجد الأقصى، كما جرى
الأخطر اليوم، هي تلك الحالة التي يعيشها النظام الرسمي العربي، كما النظام السياسي الفلسطيني المنقسم على ذاته، وكلاهما يفتقدان أدوات استمرار الصراع وحسن إدارته، كما يفتقدان آليات تفاوض ناجعة، ما قاد ويقود، حتى اللحظة، إلى تغييب أي رؤية استراتيجية موحدة، أو حتى تكتيكية؛ فلسطينية أو عربية. فما يجري فلسطينياً للأسف إنما هو انعكاس مباشر لحالة انعدام الفاعلية والأوزان العربية، وإبعاد الصراع، أو طرائق إدارته، عن مجمل معطيات الحراك السياسي أو الدبلوماسي الإقليمي والدولي، الأمر الذي لم يؤثر على الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني فحسب، بل بات، ولمزيد الأسف، يُراكم مزيدا من هشاشة أدوات تفكيك منظومة التفاوض، في ظل شروط ومعطياتٍ أقل ما يقال فيها إنها بحاجةٍ إلى رؤية استراتيجية لإدارة الصراع، لا لإدارة أزمات التفاوض المستعصية والمزمنة، أو أزمات الاستمساك بالنهج اللفظي للمقاومة ليس إلاّ، وتحويلها إلى مجرد شعار موسمي، يجري توظيفه للمصالح الفئوية الخاصة، من دون محاولة الاقتراب من ابتداع استراتيجية عامة لمجموع الشعب، وقواه وحركته الوطنية، خصوصا في لحظة فلسطينية أكثر خصوصيةً في احتياجها لصهر طاقات الشعب الكفاحية، بعيدا من نزعات الانفلاش السلطوي لطرفي النظام السياسي ونزاعاته، وهما يعبّدان الطريق لأوهام النخب السلطوية وتوهّماتها أن ما يسعون إليه إنما هو أحد الأهداف الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وهو بالتأكيد ليس كذلك.