القلمون إلى الواجهة مجدداً

10 ابريل 2015
+ الخط -
منذ إعلانِ الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، منتصف فبراير/شباط الماضي، عن وجود استحقاق في القلمون، عندما يذوب الثلج، بدأت وسائل إعلام لبنانية، لا سيما الموالية للنظام السوري، بتهويل هذا الاستحقاق، ما يذكّر بالحالة الهستيرية التي رافقت هذه الوسائل، العام الماضي، حين حولت معركة يبرود إلى ما يشبه معركة ستالينغراد الروسية.
وطبيعي أن تلقي التطورات في القلمون بثقلها على لبنان، بسبب التداخليْن، الجغرافي والطائفي، حيث تشكل الجهة اللبنانية من القلمون الحاضنة الشعبية لحزب الله، لكن تهويل ما يجري في القلمون إعلامياً يتعدى الواقع إلى أهداف سياسية، يسعى فريق لبناني بعينه إلى إحرازها.
ولم تكن عمليتا جبهة النصرة وبعض عناصر الجيش الحر في الزبداني وفليطة، أخيراً، عاديتين، إن على مستوى خسائر الطرف الثاني (النظام، حزب الله)، أو على مستوى المكان. أما الزبداني فهي المنطقة الملاصقة لمركز النظام، إن من ناحية الغرب، حيث قوات حزب الله من الجهة اللبنانية، أو من النواحي الأخرى، حيث الانتشار الكثيف للجيش السوري. ولذلك، عمد الجيش فوراً إلى محاصرة الزبداني. وأهمية العمليتين في أسلوب حرب العصابات في الجبال والوديان، حيث منح انتشار المعارضة المسلحة في سلسلة جبال القلمون حرية الحركة، والقدرة على شن هجمات مباغتة وسريعة، أولاً، وإمكانية دخول مناطق تعتبر خطاً أحمر بالنسبة للنظام، ثانياً، ما يعني أن عمليات الكر والفر ستبقى قائمة في المنطقة، وتشكل تهديداً من الناحية البشرية لقوات النظام وحزب الله، لا سيما أن مقاتلي جبهة النصرة والجيش الحر سوريون من تلك المنطقة، لا كما تروج وسائل الإعلام اللبنانية أنهم أجانب، وقد شكل إعلان جبهة النصرة، عبر "تويتر" قبل أيام، تفكيكها الألغام المحيطة بنقاط الحزب والجيش السوري في جبال القلمون مؤشراً على استمرار عمليات حرب العصابات.
 
في المقابل، لا تشكل العمليتان أي تهديد عسكري، أو من شأنهما أن تغيرا الستاتيكو الميداني القائم في المنطقة، منذ السيطرة على يبرود منتصف مارس/آذار من العام الماضي، وإخراج القلمون من معادلة الصراع، والحديث الذي تروجه بعض وسائل الإعلام اللبنانية عن سعي النصرة والجيش الحر إلى السيطرة على طريق يربط محيط دمشق الغربي بجرود عرسال، ومن ثم ربط منطقة القلمون بشمال سورية وجنوبها، لا يستوي مع حقيقة الواقع الميداني، بعد خروج حمص وريفها البوابة الشمالية للقلمون والزبداني ورنكوس جنوبا من سيطرة المعارضة.
وعليه، التضخيم الإعلامي والسياسي اللبناني حيال ما يجري في القلمون وربطه بجبهة النصرة وتنظيم داعش فيه خطأ مقصود، وقد جرى، أخيراً، الإيحاء بأن تنظيم داعش يسيطر مع النصرة على معظم القلمون، وهذا غير صحيح، فداعش موجود في القلمون الشرقي، وليس في الغربي، باستثناء محيط عرسال، حيث وجوده قليل، أما باقي المناطق فليس لهم وجود يذكر. والمعركة التي أعلنت عنها، قبل أيام، جبهة الأصالة والتنمية وجيش الإسلام وتجمع أحمد العبدو وجماعة أحرار الشام وأسود الشرقية، هي بهدف محاربة تنظيم داعش في القلمون الشرقي البعيد جدا عن لبنان. ولهذه المعركة أسبابها الخاصة، فهي مرتبطة بالنزاع بين التنظيم وجيش الإسلام حول عدة مناطق في القلمون الشرقي، حيث سيطر داعش على طرقات عسكرية في جبل دكومة، على مشارف الغوطة الشرقية، كانت خاضعة لسيطرة جيش الإسلام.
وكانت وسائل إعلام لبنانية، ليست مرتبطة بالنظام، قد ذكرت أن تنظيم داعش موجود على خطوط التماس مع الجيش اللبناني في عرسال فقط، من أعالي حاجز الحصن، على أطراف البلدة، مروراً بمنطقة وادي حميد وقرون صيدة، المواجهة لحاجز المصيدة غرباً، وصولاً إلى تلة البعكور في جرد رأس بعلبك، فخربة الدمينة في جرود القاع.
ويهدف حزب الله من تضخيم دور النصرة وداعش في القلمون إلى الإيحاء بأن المسلحين في القلمون إرهابيون من النصرة وداعش، من أجل إبقاء حالة الخوف سارية في لبنان، والإبقاء على التحالف السني الشيعي المسيحي في مواجهة الإرهاب، فاللبنانيون متفقون على محاربة الإرهاب، ومختلفون حول المعارضة المسلحة السورية، كالجيش الحر. ويهدف الحزب، أيضاً، إلى الإبقاء على عنفوان دعم حاضنته الشعبية، عبر تذكيرها دائماً بمخاطر الإرهاب، لا سيما بعد مقتل عشراتٍ من عناصر الحزب، قبل أشهر، في عملياتٍ مشابهة لعمليتي الزبداني وفليطة. ويحاول حزب الله إدخال الجيش اللبناني في معارك القلمون، بحيث يتعدّى دوره حامياً للأراضي اللبنانية فقط. وكان قد حاول، مراتٍ، مطالبة الجيش اللبناني بالتنسيق مع الجيش السوري، ما قوبل بالرفض لبنانياً على مستوى الحكومة. كما أن التركيز على النصرة وداعش يخدم حزب الله إعلامياً، كونه يحارب الإرهاب، نيابة عن كل لبنان، ما يعطيه غطاء سياسيا لاستمرار وجوده في سورية.