القوات السودانية في اليمن: مطالب شعبية بالانسحاب ووساطة مصرية للإبقاء عليها

13 ابريل 2018
القوات السودانية تتحمل كلفة القتال في اليمن (الأناضول)
+ الخط -
يتزايد القلق من بقاء القوات السودانية في اليمن، خصوصاً بعد أن كشفت تقارير صحافية، خلال الأيام الماضية، عن خسائر وسط الجنود والضباط السودانيين هناك. وبرزت أصوات تنادي بسحب القوات، خوفاً من خسائر بشرية جديدة تارة، أو بسبب ضعف المكاسب السياسية تارة أخرى، فيما اختار محامٍ سوداني اللجوء إلى المحكمة الدستورية للطعن في مشروعية قرار إرسال القوات إلى خارج البلاد.
أما الحكومة فلا تزال متمسكة بالإبقاء على قواتها في اليمن وسط معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر سودانية في القاهرة، تفيد بأن مصر أدت دوراً كبيراً في عدم استجابة الخرطوم للضغوط الداخلية لسحب القوات المشاركة في الحرب الدائرة في اليمن، بعد الخسائر التي تكبّدها الجيش السوداني، خصوصاً في ظل عدم وجود أفق واضح لتلك الحرب، بالإضافة إلى حصول الخرطوم على معلومات تفيد باتصالات غير مباشرة بين السعودية والحوثيين للتوصل إلى حل سياسي.

وتصاعد الغضب الشعبي بشأن المشاركة السودانية بالحرب في اليمن بعدما ذكرت أحدث التقارير الصحافية أن الحوثيين نصبوا، قبل نحو أسبوع، كميناً للقوات السودانية بالقرب من مدينة ميدي، ما أدى إلى مقتل عدد منهم بنيران القناصة والعبوات، فيما نشرت بعض وسائل الإعلام الموالية للحوثيين صوراً قالت إنها جثث لجنود سودانيين. وعلى الرغم من شيوع تلك التقارير، إلا أن الحكومة السودانية قابلتها بالصمت التام، إذ لم تؤكدها أو تنفها، في وقت أقامت فيه أُسر الضحايا سرادقات العزاء. لكن سرعان ما أكدت وزارة الخارجية السودانية ضمناً وقوع خسائر بشرية، بعدما أشارت، في بيان الثلاثاء الماضي، إلى أن وزير الخارجية، إبراهيم غندور، تلقى التعازي من سفراء السعودية والإمارات ومصر خلال استقبالهم في مقر وزارة الخارجية. وأوضح المتحدث باسم الوزارة، جعفر سومي توتو، أن غندور أكد خلال اللقاء موقف السودان الثابت حيال الاستمرار بالمشاركة ضمن قوات التحالف في اليمن والعمل على إعادة الاستقرار في البلد. من جهته، أكد وزير الدولة السوداني للدفاع، علي سالم، خلال جلسة برلمانية، أن "مشاركة القوات المسلحة في حرب اليمن طبيعية، وهذه ليست أول مرة تشارك فيها قوات سودانية في حرب خارج البلاد".

ومنذ إنشاء التحالف، الذي تقوده السعودية والإمارات، في مارس/ آذار 2015، دفع السودان بعدد غير معلن من الجنود للمشاركة في العمليات هناك. وخلال تلك السنوات سيطرت القوات السودانية على الكثير من المناطق، وبرزت كأكثر القوات المشاركة في التحالف تواجداً على أرض المعركة. لكن عدداً غير قليل من العناصر السودانية قتلوا خلال المعارك، ما قاد إلى تصاعد تدريجي في وتيرة المطالبات الشعبية والسياسية بسحب القوات من اليمن، وهي المطالبات التي بقي الرئيس السوداني، عمر البشير، يقابلها بتأكيد استمرار وجودها في اليمن حتى تحقق أهدافها في استعادة الشرعية وبسط الأمن والاستقرار في اليمن، كما ذكر في آخر خطاب له أمام البرلمان السوداني.

لكن وعلى الرغم من تصريحات البشير، إلا أن الأصوات المعارضة لبقاء قوات سودانية في اليمن لم تتوقف، وانضمت إليها أصوات جديدة كانت مؤيدة في السابق للمشاركة في الحرب. ومن بين المعارضين الجدد، مدير تحرير صحيفة "الصحافة" المقربة من الحكومة محمد حامد جمعة. وكتب جمعة، على صفحته في "فيسبوك"، أن "مساندتهم لمشاركة القوات المسلحة في عاصفة الحزم كانت على أساس أن الأمر لحماية الأرض المقدسة، وأن دور التحالف سيقتصر على بناء عازل ضد أي تمدد شيعي، قوامه مليشيات الحوثيين، لكن الأمر تحول فجأة إلى قتال ضدهم لصالح منظومة عسكرية تسمى قوات الشرعية، التي، وبفرض وجودها، لا أحد يعرف أين تقاتل وكيف ومتى؟". وأضاف "نسمع عن قوات الإمارات والسعودية ولا نراها. كم خسائر تلك القوات، وأين انفتاحها على مسارح العمليات البرية؟"، مؤكداً أن "القوات السودانية هي التي تتحمل كلفة القتال كاملة، سواء في الأرواح أو المعدات أو عذابات الذين يفقدون أحبابهم. السؤال، لماذا نفعل ذلك، وقد اتضح أن الحرم آمن؟ ولماذا نقاتل ويموت أولادنا؟ هل من أجل إعادة (الرئيس اليمني عبد ربه منصور) هادي إلى قصر الحكم في صنعاء؟ ولماذا لا تتبنى السعودية، بجيشها وقواتها الخاصة، الأمر؟". وأكد جمعة أنها "حرب لا رابح فيها، وستُطوى بتسوية تحفظ للحوثيين حصة، وسيعود (ولي العهد السعودي) سلمان الابن ليشكر أميركا وروسيا وإيران، ولن يذكر السودان مثلما لم يعزِّ مسؤول أو ملك في شهيد من شهداء السودان باليمن". وأضاف "أنا مع سحب قواتنا، وليواجه من فقدوا شرعيتهم في صنعاء سبل استعادة ملكهم، وليحرس السعوديون حدودهم".


أما على المستوى القانوني، فقد تقدم المحامي عمرو بن العاص محي الدين بعريضة إلى المحكمة الدستورية ضد قرار إرسال قوات سودانية إلى اليمن. وتلتمس العريضة، التي نُشرت على نطاق واسع في وسائط التواصل الاجتماعي، من المحكمة اعتبار القرار غير دستوري، وبالتالي إعادة القوات إلى السودان وتعويض المتضررين من الشعب اليمني. وقال محي الدين، لـ"العربي الجديد"، إن "الشعب اليمني يعلم أن الشعب السوداني ليس طرفاً في المعركة، فهذا ليس خياره"، مبيناً أنه "بصدد جمع 10 آلاف توقيع من متضامنين مع الطعن وأنه اقترب من تحقيق الرقم". وأوضح محي الدين، في العريضة، أن "وجود القوات المسلحة في اليمن يتنافى مع المهام المنوطة بها في توطين وحماية السلام والأمن الدوليين تنفيذاً للالتزامات الأخلاقية والمواثيق الدولية والإقليمية"، مشيراً إلى أن "الحرب التي تشنها السعودية لم تحظ بأي مظلة قانونية، دولية أو إقليمية، بل إن المناداة بمحاكمة السعودية تزداد شيئاً فشيئاً لكونها ترتكب جرائم حرب، عبر قتل الأطفال اليمنيين ونشر الأمراض وهدم الآثار". وأشار إلى أن خلاف السعودية مع قطر تسبب في إبعاد الدوحة عن المشاركة في الحرب "ما يؤكد أنها حرب خاصة بالسعودية"، مبيناً أن قرار البشير خالف مبادئ وقوانين عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فضلاً عن عدم موافقة البرلمان السوداني على الدخول في تلك الحرب.

لكن الوزير السابق والخبير العسكري، العميد المتقاعد صلاح الدين كرار، رأى أن من حق البشير، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، تحريك أية قوة من الجيش إلى أي مكان من دون الرجوع إلى مجلس الأمن القومي ولا إلى البرلمان، طبقاً للدستور والقانون، خصوصاً أن عملية الإرسال لم تأت في إطار إعلان حرب. وأشار إلى أن تاريخ السودان الحديث شهد مشاركات مماثلة، أبرزها مشاركة كتيبة سودانية إلى جانب العراق في حربه ضد إيران، في عهد الرئيس السوداني الأسبق، جعفر النميري. وقال كرار، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار إرسال القوات السودانية إلى اليمن كان في وقته صائباً ومعقولاً لجهة مساهمته في استقرار بلاد تفكك جيشها واضطربت الأوضاع فيها"، لكنه أكد أن "بقاء تلك القوات بات عديم الجدوى". وشدد على ضرورة سحبها "شرط أن يتم السحب عبر اتفاق وتنسيق مع السعودية وبقية الحلفاء حتى لا يفهم بطريقة خطأ أو يؤدي إلى إحداث فراغ". وحول بعض الخسائر التي مُني بها الجيش السوداني في بعض المعارك، عزى كرار ذلك إلى طبيعة تدريب الجيش السوداني، التي تعتمد أساساً على الحرب في الغابات وليس المناطق الجبلية، كما هو الأمر في اليمن.

غير أن السفير السابق في وزارة الخارجية السودانية، الطريفي كرمنو، استبعد سحب القوات السودانية من اليمن في ظل الأوضاع الحالية. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "أسباب بقائها لا تزال مستمرة، ومن أبرزها التمدد الشيعي الذي أدخل عنصر الدين في الصراع في الشرق الأوسط. هذا غير الالتزام الأخلاقي للحكومة السودانية بالدفاع عن الحرمين الشريفين". وحول ضعف المكاسب السياسية، قال كرمنو إن الموضوع ليس تجارة "وحتى بحسابات الربح والخسارة، فالسودان حينما كانت له علاقات جيدة مع المحور الإيراني لم يستفد شيئاً". وتوقع أن "تطول الحرب في اليمن ويطول معها بقاء القوات السودانية، حتى ولو زادت نسبة الخسائر البشرية، لأن الحرب ليست نزهة". وأشار إلى أن "الذين يقولون إن الجيش السوداني وحده من يدفع الثمن يتناسون أن السعودية نفسها تخسر أحياناً في تلك الحرب، إذ تطولها الصواريخ الحوثية باستمرار".