بدأت تظهر معالم الصراع على محافظة ديرالزور في شرقي سورية بين عدة أطراف تطمح إلى أن تكون "وريثة" لتنظيم "داعش" الذي تنحسر مناطق سيطرته في سورية والعراق، والذي من المتوقع أن يخوض معركته "الأخيرة" في ريف هذه المحافظة. وبدأت قوات النظام المدعومة من روسيا، وقوات أخرى مدعومة من "التحالف الدولي" الزحف باتجاه ديرالزور، في سباق من المرجح أن يتصاعد في الخريف المقبل. لكن ليس من المتوقع أن يؤدي إلى صدام عسكري بين القوتين، على الأقل في المدى المنظور.
وفي الوقت الذي تتقدم فيه قوات النظام من جنوب غربي مدينة ديرالزور، أعلنت القيادة العامة لـ"مجلس دير الزور العسكري" التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية"، أمس السبت، انطلاق حملة أطلقت عليها اسم "عاصفة الجزيرة"، موضحةً في بيان أن الحملة "تستهدف تحرير ما تبقى من أراضي الجزيرة السورية، وشرق الفرات من (...) الإرهابيين وتطهير ما تبقى من ريف دير الزورالشرقي"، وفق البيان. وأشارت إلى أن تنظيم "داعش" يحاول "شن الهجمات على مناطق الشدادي والريف الشرقي لديرالزور في محاولة يائسة لرفع معنويات قواته في الرقة". وأضافت أنه انطلاقاً من ذلك، قرر "مجلس ديرالزور العسكري البدء بهذه الحملة الحاسمة".
وأكد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" أن هناك حشداً كبيراً، منذ أيام، في منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، مشيراً إلى أن الحشد يضم قوات أميركية، وأخرى تابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية". وأوضح أن الهدف المعلن هو استعادة السيطرة على بلدة مركدة وقرية السعدة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة الحسكة. ومن المتوقع أن يكون لقوات "النخبة السورية" التابعة للرئيس السابق لـ"الائتلاف الوطني السوري"، أحمد الجربا، وتضم مئات المقاتلين من دير الزور، دوراً محورياً في معركة ديرالزور المنتظرة. لكن الناطق باسم هذه القوات، محمد خالد الشاكر، أكد في حديث مع "العربي الجديد" أن "التحالف الدولي لم يبلغ قوات النخبة شيئاً بخصوص المعركة"، مشيراً إلى أن هذه القوات تتمركز في مناطق لا تبعد سوى 20 كيلومتراً عن ديرالزور.
وأعرب الشاكر عن اعتقاده أن التحضيرات الحاصلة "لا تدخل ضمن نطاق معركة ديرالزور". وأضاف أن "لا معركة حقيقية في ديرالزور قبل أن ينتهي التحالف الدولي من معركة استعادة مدينة الرقة". وأشار إلى أن الطريق إلى ديرالزور "تمر عبر بلدة مركدة في ريف الحسكة الجنوبي"، مؤكداً أنه "من دون تحرير الأخيرة لا يمكن المضي باتجاه ديرالزور". ورجح أن هدف الحشود مرحلي وهو "السيطرة على مركدة لتكون نقطة الانطلاق إلى ديرالزور من الجهة الشمالية والوصول إلى نهر الفرات". وقال الشاكر أن تمركز تنظيم "داعش" الرئيسي ليس داخل مدينة ديرالزور وإنما في ريفها الشرقي بدءاً من هرابش ومروراً بمدينة الميادين، ووصولاً إلى مدينة البوكمال على الحدود مع العراق، والمقابلة لمدينة القائم. وبيّن أن المعركة الحقيقية ستدور في هذا الريف الذي يمتد على مسافة أكثر من 100 كيلومتر، لافتاً إلى أن "مدينة الميادين باتت هي المعقل الرئيسي للتنظيم".
وبدأت تتجه الأنظار إلى محافظة ديرالزور مع بدء تقدم قوات النظام ومليشيات طائفية باتجاهها منذ عدة أيام انطلاقاً من البادية السورية في خاصرة المدينة الجنوبية الغربية. ولا تزال قوات النظام تحقق تقدماً، إذ أعلنت، أمس السبت، أنها سيطرت على حقل "التيم" النفطي جنوب غربي المدينة، مشيرةً إلى أنها تواصل تقدمها باتجاه منطقة البانوراما على المدخل الجنوبي الغربي لمدينة ديرالزور.
ورجحت مصادر مطلعة في المعارضة السورية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تنحصر عمليات قوات النظام جنوبي نهر الفرات الذي يفصل محافظة ديرالزور ريفاً ومدينةً عن الوسط. وذكرت المصادر أنه "لم ترشح معلومات مؤكدة عن حيثيات التفاهم الروسي-الأميركي حيال محافظة ديرالزور، لكن من المرجح ألا يحدث تصادم بين قوات النظام، وقوات سورية الديمقراطية لأن ذلك يعد مدخلاً لقلب كل معادلات الصراع وهذا ما لا تتحمله موسكو وواشنطن"، وفق تعبير المصادر. وليس من المتوقع أن يحدث صدام عسكري بين "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، وبين قوات نظام بشار الأسد في المدى المنظور، خاصةً أن تفاهمات روسية-أميركية رسمت حدود السيطرة بين الجانبين، لا سيما في الرقة وديرالزور.
وفضّلت مصادر في "سورية الديمقراطية" عدم التعليق على احتمالات المواجهة مع قوات النظام في ديرالزور. لكن مصادر مقربة من قيادة حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) أشارت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه من الواضح أن تفاهماً روسياً أميركياً ينص على إطلاق يد قوات النظام جنوب نهر الفرات، و"قوات سورية الديمقراطية" شماله، مستبعدةً حدوث مواجهة بين القوتين في ديرالزور. وأشارت إلى أن أي محاولة من النظام للاعتداء على "سورية الديمقراطية" ستواجه بغضب أميركي، كما حدث في مدينة الطبقة منذ أشهر، وفق المصادر.
وتعد محافظة ديرالزور ثاني أكبر المحافظات من حيث المساحة، إذ تبلغ أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع، كما أنها تكتسب أهمية استثنائية كونها تحتضن ثروة نفطية هائلة، خاصةً في ريفها الشرقي مترامي الأطراف، فضلاً عن كونها تعد امتداداً جغرافياً لمحافظة الأنبار غربي العراق، وهو ما يكسبها أهمية استثنائية في سياق الحرب على تنظيم "داعش".
من جانبه، أكد القيادي في فصيل "مغاوير الثورة" التابع للمعارضة السورية، محمود الصالح، أن الفصيل، الذي يضم مقاتلين من ديرالزور، "غير معني بتحرك قوات سورية الديمقراطية" باتجاه ديرالزور. وقال لـ"العربي الجديد": "نحن لا ننسق مع قوات سورية الديمقراطية، وغير موافقين على العمل تحت قيادتها حتى هذه اللحظة". وأوضح أن فصيله ليس لديه أي قوات في منطقة الشدادي، كاشفاً عن أن هناك خطة تحرك للفصيل باتجاه ديرالزور "في الأيام القريبة المقبلة". ورفض الخوض في التفاصيل، أو محور التحرك، مكتفياً بالقول إنه "سيتم رفد المشروع بعناصر جدد للعمل على تحرير ديرالزور". ويتخذ فصيل "مغاوير الثورة" من منطقة التنف على الحدود السورية-العراقية، مكان تمركزه تحت حماية "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن، ومن المرجح أن تكون مهمته استعادة مدينة البوكمال الواقعة شرقي ديرالزور بأكثر من مائة كيلومتر، وتعد من معاقل تنظيم "داعش" البارزة.