يعتبر فيلم "مولان روج"، الذي أخرجه باز لورمان عام 2001، أحد أكثر الأفلام إثارةً للجدل في تاريخ السينما، حيث إنه في السنة التي عُرض فيها تم انتقاده بشدة من قبل النقاد الفرنسيين في "كان"، بسبب المبالغة باستخدام المؤثرات الصوتية والضوئية والبصرية التي جعلت المشاهد تنبض بالحيوية وتعكس حالة الصخب، ليوصّف الفيلم بأنه فيديو كليب طويل. ورغم ذلك، تم ترشيحه لثماني جوائز أوسكار، حصل على اثنتين منها، ورُشح أيضاً لست جوائز غولدن غلوب، حصل على ثلاث منها! واستطاع الفيلم الأميركي - الأسترالي أن يغزو العالم، وأن يؤثر بالمتابعين والفنانين على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم.
ويبدو أثر فيلم "مولان روج" واضحاً في الفن العربي في نطاق الفيديو كليب، ففي بداية الألفية الثالثة بدأ شكل الكليب العربي يختلف بشكل جوهري، ويعود ذلك إلى عدة عوامل، منها: تخصيص محطات فضائية وظيفتها عرض الكليبات على مدار الساعة، ولقناة "ميلودي هيتس" تحديداً أثر بالغ بتطور الكليب العربي، بسبب عرضها للكليبات العربية والأجنبية على القناة ذاتها، ما فسح المجال للمقارنة والمقاربة، ليبدأ مخرجو الكليبات العربية بتطوير أدواتهم ليتمكنوا من مجاراة ما يعرض على الشاشة. وكذلك ولادة العديد من نجوم الإخراج في عالم الكليب العربي، أمثال نادين لبكي وجاد شويري، بالإضافة لتأثير فيلم "مولان روج" الذي كان له الفضل بإدخال العديد من العناصر على الكليب العربي.
ولاستعراض أثر "مولان روج"، يجب أن نستعرض التطور التاريخي للكليب العربي. في السبعينيات كانت الكليبات العربية تركز بشكل أساسي على الطبيعة، حيث يتم التركيز بشكل أساسي على المغني، وهو يقف ويغني في أحضان الطبيعة، كما هو الحال في كليب "بحبك" لهاني شاكر (1977). وغالباً ما كان يتم التركيز على الطبيعة في الفيديو كليب، بسبب الرغبة بالخروج من الأماكن المغلقة، التي كانت تصور فيها الأغاني قبل موضة الفيديو كليب، حيث كان يتم تصويرها ضمن حفلة بأماكن مغلقة لتعرض على الشاشات، كما هو الحال في أغاني أم كلثوم وفريد الأطرش. وفي المقابل، فإن بعض الكليبات العربية في تلك الحقبة لم تخرج من فضاء المسرح، حيث انتشر في ذلك الوقت أيضاً نوع من الفيديو كليب يصور بالكامل على خشبة المسرح، ويقتطع من خلال المونتاج لقطات قريبة للمغني، بالإضافة للقطات للراقصين، كما هو الحال في أغنية "علموني عنيكي" لمحمد منير (1977).
ولم يتغير الحال كثيراً في الثمانينيات، حيث بقيت الطبيعة هي الفضاء الأكثر شيوعاً بالكليبات العربية، ولكن بدأت كاميرات مخرجي الكليبات العربية في تلك الحقبة تدخل لتصور بعض المشاهد في أماكن داخلية، كالبيوت والصالات، كما هو الحال في أغنية "بتكلم جد" لحميد الشاعري وسيمون (1988)؛ وأما فيديوهات المسارح، فقد ازداد استخدامها، وازدادت مساحة المسرحية فيها لتشمل اللعب والرقص بمشاركة المغنين، كما هو الحال بأغنية "هلا هلا" لعمرو دياب (1986).
في التسعينيات، بدأت الفوارق بين نمطي الكليبات العربية تتلاشى، وهجرت كاميرات المخرجين المسارح والاستديوهات المغلقة، وأصبحت الرقصات تؤدى بالأماكن الخارجية، كما يحدث في كليب "نور العين" لعمرو دياب (1996)، وبات الكليب يتنقل ما بين الداخل والخارج، وما بين أماكن متعددة لحساب القصة، التي باتت تشكل ركيزة الكليب الأساسية، كما هو الحال في كليب "أنا لو حبيبك" لمحمد فؤاد (1999). ورغم الاهتمام بالقصة، إلا أن الطبيعة لم تفقد مكانتها بالكليب العربي، فالنسبة الأكبر من الكليبات يتم تصويرها بأماكن طبيعية، وكذلك ازداد الاهتمام بجمالية مواقع التصوير الطبيعية في التسعينيات، فبات المخرجون يبحثون عن أماكن مميزة لتصوير كليباتهم، ولم تعد الطبيعة تقتصر على المساحة الخضراء التي يقف فيها الممثل؛ فصورت بعض الكليبات بالصحراء، ككليب "يا ميمة" لعاصي الحلاني (2006)، والبعض الآخر صور بالجبال، ككليب "نقطة ضعفي الوحيدة" لراغب علامة (1997)، الذي صُور في الولايات المتحدة الأميركية، بل إن بعض المغنيين كانوا يتسابقون في تلك المرحلة للتصوير بأماكن مختلفة وجديدة، وذلك ما دفع نوال الزغبي لتصوير أغنية "غريب الراي" (1997) في سبعة بلدان مختلفة!
وبعد أن عُرض فيلم "مولان روج" (2001)، تراجع دور الطبيعة في الكليب العربي، وعادت المسارح من جديد لتشكل الفضاء الرئيسي في الفيديو كليب. لكن المسارح لم تعد تظهر كمكان تتم به مسرحة الأحداث الخارجية، ولم يعد المخرجون يتعاملون معها كاستديو تُؤدى فيه الرقصات الفلكلورية أو ما شابه، بل أصبح المسرح مكاناً درامياً تدور فيه معظم أحداث الكليبات، ضمن القصة التي يسردها الكليب، وباتت معظم حكايات الكليبات تدور حول أضواء الشهرة والنجومية، بعدما كانت الكليبات في التسعينيات تروي قصص حب بعيدة عن المسارح، ويؤدي فيها المغني دوراً غير دوره.
ففي كليبات الألفية الثالثة، باتت كواليس المسرح مكاناً رئيسياً تجري فيه أحداث الكليب، كما يحدث في فيلم "مولان روج" بالضبط، وباتت لقطات التزين والتبرج أساسية في الكليبات العربية، كما يحدث في كليب "يا سلام" لنانسي عجرم (2003)، وباتت العلاقات والمشاحنات مع التقنيين والموسيقيين تشكل ركيزة قصص عدد كبير من الكليبات، بل إن بعض الأغاني كتبت لتلائم شكل الكليبات العربية الجديدة، مثل أغنية "أضواء الشهرة" لكارول سماحة (2006).