لا يزال المصنع اليتيم في فلسطين يواصل صناعة الكوفية الفلسطينية، المعروفة باسم "الحطة الفلسطينية"، والتي تعد أبرز ملامح التراث الفلسطيني. فمنذ 46 عاما، والمسن الفلسطيني عبدالعزيز الكركي (61 عاما)، يمضي يومه بين ضجيج آلات النسيج، في مصنع الحرباوي للكوفية الفلسطينية "الحطة"، في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، والذي تأسس في عام 1961.
وقال الكركي، بينما كان يتابع آلات النسيج، إن "هذه الصناعة جزء من حياتي، كبرت بها، وأفتخر بها، كونها صناعة تراثية تحافظ على أهم رمز للشعب الفلسطيني"، بحسب وكالة الأناضول.
ويضيف الرجل: "بدأنا بآلة واحدة، وتطور المصنع حتى بات اليوم يعمل بـ15 آلة، وسنبقى متواصلين". ويفخر الكركي بالكوفية الفلسطينية "أشعر بالفخر عندما أشاهد ما نصنعه مزيناً رؤوس الرجال والنساء، ويرتديه الشبان. لم أفكر يوما في ترك هذا العمل".
ومصنع الحرباوي الوحيد في الضفة الغربية الذي يصنع الكوفية، ويصدر منتجاته للسوق الفلسطيني ولدول عربية.
عبدالعظيم الحرباوي، أحد ملاك المصنع، يقول: "تعمل آلات المصنع على مدار العام، ويزداد الطلب عليها في فصل الشتاء، موسم البرد، حيث يفضل الشبان ارتداء الكوفية على أعناقهم". ويضيف: "لا نصنع سوى الكوفية، ونصر على البقاء". وآلات النسيج في المصنع، حسب عبدالعظيم، قديمة نوعا ما وبطيئة، إلا أنها تسد حاجة السوق وتصدر منتجاتها إلى دول عربية.
وأدخل الحرباوي إلى صناعة الكوفية الفلسطينية، التي تمتاز باللون الأبيض والخطوط السوداء، ألواناً أخرى، يقول عنها: "نصنع الكوفية منذ عدة سنوات بألوان مختلفة، منها الأخضر والأحمر والبرتقالي، وكوفية بألوان العلم الفلسطيني، لتواكب العصر الحديث". ويلفت إلى أنه "يفضل الشبان الكوفية ذات الألوان الجديدة".
وتحتاج صناعة الكوفية إلى متابعة من قبل عمال على مدار الساعة، لتزويد الآلات بالخيوط وتنقيب الخيوط الزائدة، وتقطيع الكوفية إلى أجزاء، قبل نقلها إلى معمل خاص لخياطة الجوانب، وإضافة لمسات جمالية ونهائية قبل عرضها للبيع، بحسب الحرباوي.
ويقول سامر مشعل (22 عاما) أحد عمال المصنع، بينما يتابع عمل الآلات: "تبدو المهنة متعبة، لما تصدره الآلات من أصوات، إلا أنها ممتعة لما تحتويه من أهمية تراثية". ويضيف الشاب الفلسطيني، الذي بدأ عمله قبل نحو عامين في مصنع الحرباوي: "بت أشعر بأنها جزء من حياتي".
وفي معمل خاص للخياطة، تعمل نحو 7 سيدات على خياطة جوانب الكوفية وتغليفها للبيع في الأسواق. تقول إحداهن، وتدعى انتصار عمرو (49 عاما): "في البداية كان عملي هنا يمثل مصدر دخل لأسرتي، حيث لا يعمل زوجي نتيجة مرض عضال، لكنه بات اليوم جزءا مهما في حياتي".
وتستطرد قائلة: "أنهي أعمال البيت وآتي هنا لأجد الراحة والفخر، فهو عمل، وهو مقاومة بتثبيت التراث الفلسطيني". وخصص الحرباوي معرضا خاصا لعرض الكوفية الفلسطينية بأشكالها، إلى جانب قطع تراثية أخرى، لعرضها للزوار والسياح، حيث يقول عبدالعظيم الحرباوي "بات المصنع مقصدا للسياح الأجانب، والرحلات المدرسية".
من جانبه، يقول الشاب إبراهيم جرار (21 عاما)، بينما يرتدي الكوفية على عنقه، "الكوفية رمز للقضية الفلسطينية". ويضيف: "إن كنت ببلد ما خارج فلسطين وتريد أن تُعرف بأنك فلسطيني، فقط ارتد الكوفية". والكوفية الفلسطينية عبارة عن غطاء للرأس، مصنوع من القماش، ومزخرف باللونين الأبيض والأسود، ولها عدة أسماء محلية مثل "الحطة، والشماغ"، وقد اشتهر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بارتدائه الكوفية طيلة حياته، التي باتت رمزا للنضال الفلسطيني.