يرسم آلان مابانكو (1966) في روايته "زجاج مكسور" (الهيئة المصرية العامة للكتاب، ترجمة: عادل الميري)، صورة مؤلمة للحياة في الكونغو، ذلك البلد الأفريقي الذي هشّمه الفقر والجوع ومخلفات الاستعمار.
الأشخاص الذين تسرد الرواية قصصهم، تجمعهم قسوة الحياة وحانة "لوكريدي". يقوم "زجاج مكسور"، وهو اسم الشخصية الرئيسية في الرواية، وزبون الحانة الدائم، والمثقف الذي سيورطه صاحب المشرب، المدعو "القوقع الحلزوني العنيد"، بتأليف كتاب يحفظ قصة "لوكريدي" من النسيان، ويجعله خالداً، كما يطمح.
يبدأ "زجاج مكسور" برواية قصة التكوين الخاصة بالمكان، ورحلة العذاب التي خاضها صاحبه في مواجهة نفاق المجتمع الذي رفض إنشاء الحانة في البداية، وحاربها بكل الطرق الممكنة، والتي وصلت حد استئجار اللصوص لتحطيمها.
وهنا ستبرز قدرة الكاتب آلان مابانكو على صياغة نصّه، في قالب من السخرية اللاذعة التي يصبها على المجتمع ورجال الدين والسلطة، من خلال سرده لردود فعل هذه الفئات، والطريقة التي واجهوا بها قيام المشرب، بشكلٍ يذكرنا بالسخرية السوداء لدى عزيز نيسن.
يجعلك صاحب "غداً سأكون في العشرين من عمري"، تشعر بأنك تواجهه شخصياً، وتستمع إلى شخصيات الرواية التي يجمع بينها أنها تعرّضت للتحطيم بيد الأسرة والمجتمع والسلطة.
تقف أمام "رجل البامبرز" الذي اتهمته زوجته بالتحرّش بابنتهما، لتتركه يواجه مصيره في السجن، حيث لم يكف زملاؤه المساجين عن تعذيبه عقاباً على تهمة لم يقترفها. وهناك أيضاً "رجل المطابع" الذي يفتخر بتميّزه عن الآخرين لكونه عاش في فرنسا، واكتشف أن زوجته تخونه مع ابنه من زوجته السابقة، فيتهمانه بالجنون ليودع في مستشفى الأمراض العقلية، ثم يسفّر إلى بلده.
ونتعرّف أيضاً إلى روبينات (المرأة الصنبورة) الفائزة في كل مسابقات "أطول مدة تبوّل"، والتي لن تهزم إلا على يد كازيمير "رجل الجغرافيا" الذي يظهر فجأة في المشرب. ولدينا كذلك "المغنية الصلعاء" والدجال "مو ييه كيه"، وسيكون آخرهم "رجل البط" الذي سيرفض "زجاج مكسور" الاستماع إلى حكايته، لأنه مشغول برواية حكايته الشخصية قبل أن يقفز في النهر، تاركاً مخطوط الكتاب وراءه.
يصور لنا الكاتب مشاهد من المأساة التي تعيشها الطبقة المسحوقة، مبالغاً في رسمها بشكل كاريكاتوري. غير أن مابانكو يعرف كيف يصنع من هذه المبالغة مشهداً واقعياً لبلد أفريقي، حياً ومؤلماً في الوقت نفسه.