فأن تكون باجة "مدينة الآداب والكتاب" ما الذي يغيّر من حالها كمدينة داخلية غالباً ما تكون الثقافة غائبة عن قائمة أولياتها؟ وأن ينتظم معرض كتاب يستمر قرابة شهر هل يعني تسجيل تطوّر حقيقي لقطاع الكتاب والقراءة في الجهة؟ هل أن هذا المعرض يخلق عملية جذب تجعل من أحباء الكتب يتنقلون من تونس العاصمة مثلاً لحضور هذا المعرض؟
الجميع يعرف أن ذلك لا يحدث، وربما مطلقو المبادرة أنفسهم؛ وزارة الثقافة وعدد من منظمات الناشرين، فالمعرض يقتصر على منشورات تونسية يجري تدويرها بين معارض وتظاهرات مختلفة قلما تتغيّر على مرّ السنين، فلا يجري تطعيمها إلا بعدد قليل من الإصدارات الجديدة، وهذا الوضع يجعل تسمية التظاهرة بـ"معرض كتاب" شيئاً من المبالغة، إضافة إلى توصيفه بالسنوي ولا ندري إن كان سيحقّق انتظاماً في حال انتهى مشروع "مدن الآداب والكتاب" الذي ظهر مع وصول وزير الثقافة الحالي محمد زين العابدين بالإضافة إلى مشروع مشابه "مدن الفنون".
هذه المشاريع تبدو في الحقيقة نوعاً من الترجمة الحرفية لسياسة عامة للحكومة التونسية؛ اللامركزية، وفرعُها اللامركزية الثقافية، وهي سياسة كثيراً ما بدت أقرب إلى شعار حيث أنه على المستوى الثقافي أو الاقتصادي أو الديمغرافي أو الإداري تظل تونس العاصمة مركز ثقل جميع هذه المجالات.
ومثل "معرض باجة"، فإن مجموعة هذه المشاريع التي تطلقها وزارة الثقافة لا تقدّم الكثير إلى الحياة الثقافية، إلا إذا اعتبرنا أن تدشين التظاهرات وإطلاق مسميات مثل "مدن الكتاب" و"مدن الفنون" من الإنتاج الثقافي. وإننا حين ننظر في المشهد التونسي سنرى أن حركة المسؤولين بين تدشينات وحملات مراقبة هي أنشط ما في الثقافة، وهي أكثر ما يحرص عليه المشرفون على القطاع، وهي بالنسبة إليهم المرادف الوحيد لنفهوم العمل الجدّي.