على مسافة ثلاثة أشهر من تصويت أول ولاية في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي وهي ولاية آيوا، هناك عدم رضى بين الليبراليين والمستقلين عن الخيارات المتاحة في السباق الرئاسي وهواجس أن يكون هذا الأمر أرضية تسمح للرئيس الحالي دونالد ترامب بالفوز في ولاية ثانية. وبالتالي، هناك تلميحات ومؤشرات وضغوط لإدخال مرشحين جدد على السباق الرئاسي مثل الملياردير مايكل بلومبرغ وحاكم ولاية ماساشوستس الأسبق ديفال باتريك، وحتى المرشحة السابقة هيلاري كلينتون نفسها.
الانتخابات التمهيدية حالياً سباق ثلاثي الأبعاد، ولكل من المرشحين الديمقراطيين الثلاثة نقاط ضعف وقوة، لكن القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي لم تلتف بعد حول مرشح واحد أو مرشحة واحدة، وهذا أمر طبيعي في هذه المرحلة من السباق. مشكلة نائب الرئيس الأسبق جو بايدن هي عدم قدرته على حسم الانتخابات التمهيدية نظراً لتعثراته المتكررة ولتحفظ القاعدة اليسارية عليه، ومشكلة السيناتور بيرني ساندرز أنه غير قادر على حسم الفوز لا في الانتخابات التمهيدية ولا في الانتخابات العامة، ومشكلة السيناتور إليزابيث وارن بأنها تخيف أثرياء الحزب ومؤسسته الحاكمة. تطورات الأسابيع الماضية سرّعت الإعلان أو التلويح بترشيحات جديدة تكسر هذا الجمود في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي، لا سيما بعد آخر استطلاع للرأي أشار إلى أنّ ترامب ما زال قادراً على المنافسة بقوة في الولايات المتأرجحة انتخابياً، وبعد الانتقاد الجماعي لأثرياء "وال ستريت" لخطة وارن التي تقضي بفرض ضرائب عليهم.
أولاً جاء تلميح بلومبرغ الذي يتوق منذ سنوات للترشح إلى الرئاسة لأن لديه ما يكفي من المال لتمويل حملته الرئاسية، لكن السؤال هو إذا ما سيترشح كمستقلّ أو تحت سقف الحزب الديمقراطي. طبعاً إذا قرر بلومبرغ (77 عاماً) دخول السباق رسمياً كمستقل، فهذه نكسة للحزب الديمقراطي لأنه يأخذ أصواتاً ليبرالية ومستقلة في الانتخابات العامة، لا سيما أنه من أكبر المؤيدين لقضايا البيئة، وإذا ترشّح تحت خيمة الحزب، فسينافس بايدن على الأصوات المعتدلة ويعزز فرص مرشحي التيار اليساري. كما لمحت هيلاري كلينتون إلى أنّها تتعرض لضغوط كبيرة لإعلان ترشيحها، وطبعاً هذا كابوس الليبراليين وهدية لترامب تتمثل في إعادة إنتاج تتمة للانتخابات الرئاسية عام 2016.
لكن وحده ديفال باتريك، الصديق المقرب للرئيس السابق باراك أوباما، حسم أمره إلى الآن وأعلن رسمياً انضمامه إلى سباق الانتخابات التمهيدية المتضخم أصلاً ويضم 16 مرشحاً، وبالتالي سيؤثّر ترشيحه على طبيعة هذا السباق المفتوح على كل الاحتمالات. الدينامية الحالية هي وجود مرشحَين عن التيار الوسطي يحاولان وراثة أوباما سياسياً: بايدن وعمدة مدينة ساوث باند، الشاب بيت بوتجيج، مع فارق 40 سنة بينهما، مقابل مرشحَي التيار اليساري ساندرز ووارن ذوَي القوة الكبيرة على حشد المناصرين وجمع التبرعات، لكن مع عدم القدرة على بلورة إجماع حولهما بين الديمقراطيين.
ويمثّل دخول باتريك تحدياً كبيراً لبايدن لأنه سيعطي خياراً جديداً لمناصري أوباما، كما سيؤثر على وارن التي تحاول أخيراً تصوير نفسها على أنها قادرة على الجمع بين التيارين اليساري والوسطي في شخصها. حظوظ باتريك محدودة في المدى المنظور لأنه تأخر في دخول السباق، وليس لديه خبرة في السياسة الخارجية ولا الشهرة الوطنية التي تسمح له بتعويض الوقت الضائع الذي كان فيه على مقاعد الاحتياط أثناء المناظرات الرئاسية الأخيرة وحملات التبرعات المالية للحملات الرئاسية وغيرها من الأنشطة الانتخابية. مشكلة باتريك أيضاً أنه عمل منذ عام 2015 في شركة "باين كابيتال" وهي شركة استثمارية أسسها في بوسطن حاكم ماساشوستس الأسبق والسيناتور الجمهوري ميت رومني، وبالتالي ستكون الانتقادات لباتريك أنه يمثل مصالح الأثرياء وليس السياسات التقدمية التي ترغب بها القاعدة الليبرالية.
كان باتريك العام الماضي على مشارف إعلان حملته الرئاسية، قبل أن يتراجع عن هذا القرار في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي بسبب ما وصفه بـ"قساوة نظامنا الانتخابي". هذا التردد في إعلان الترشيح قد يكون مكلفاً لطموحاته الرئاسية، كما جعله خارج قوائم المرشحين في ولايات مثل ألاباما وأركنساس في الجنوب، حيث مرّ الموعد النهائي لتقديم طلبات الترشيح، وسيضطر أن يركز على ولاية نيوهامبشير التي هي من أوائل الولايات الصغيرة التي تصوت لأنها جارة ولاية ماساشوستس التي كان باتريك حاكمها على مدى ثماني سنوات.
يراهن باتريك على أنه سيكون قادراً، قبل أول اقتراع في الانتخابات التمهيدية في ولاية آيوا في شهر فبراير/شباط المقبل، على بلورة خطاب يتجاوز الانقسامات الطبقية والجندرية والعرقية والأيديولوجية التي طبعت هذا السباق الرئاسي إلى الآن. صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن مقربين من حاكم ولاية ماساشوستس الأسبق أنّ حملته ستكون مشابهة لحملة أوباما عام 2008، إذ ستركز على ضرورة وحدة الأميركيين ومداواة الانقسامات المستمرة. لكن ديفال باتريك ليس باراك أوباما، وعلى عكس مرحلة الأخير قبل حوالي عشر سنوات؛ ما يبحث عنه الليبراليون اليوم ليس قائداً يلهمهم بل شخصية قادرة على هزم ترامب.